يتحدث المخرج جعفر قاسم، في هذا الحوار الذي خص به “الشروق”، عن الجدل الذي دار حول شخصية الحركي في فليمه الأخير هيليو بوليس، حيث قال المخرج إن بعض تلك الانتقادات هي في الحقيقة تصفية حسابات شخصية لا علاقة لها بالفن.. كما تحدث جعفر قاسم، في ذات الحوار، عن الجدل الذي رافق الجزء الثالث من عاشور العاشر، بما فيها الميزانية والمشاهد التي تم حذفها من السلسلة. علامَ اعتمدت في التطرق إلى المقاومة الجزائرية في فيلم “هيليوبوليس”؟ حاولت تفادي الطريقة الكلاسيكية في تناول المقاومة الجزائرية، من خلال توظيف
الخيال في محاكاة العلاقة بين المستعمر والمجاهدين. وذلك بتقديم نظرة عن تلك الظروف من زاوية مختلفة، من خلال الرجوع إلى أربعينيات القرن الماضي، والتركيز على المشاكل التي عانى منها أفراد بعض العائلات الجزائرية باختلاف آرائها في طريقة النضال لتحرير الوطن، دون إطلاق أحكام مسبقة على توجهات الشخصيات التي كانت لها ظروفها الخاصة، وهو ما تجلى في الخلافات التي لمسناها في شخصية مقداد، الذي رفض اتباع ابنه محفوظ لسياسة فرحات عباس ومصالي الحاج، الذين اختاروا طريق الحرية رغم إيمانهم بتوجهاتهم ومساعيهم،
وذلك حفاظا على سلامة ابنه وعائلته. تعرضت لنقد واسع نتيجة تطرقك إلى موضوع “ابن القايد” في الفيلم، فكيف تعاملت مع هذا الجدل؟ حتى أكون صريحا، فقد حضرت نفسي لهذا الجدل قبل إخراجي لفيلم “هيليوبوليس”، لكنني أطبق استراتيجية خاصة في التعامل مع هكذا ظروف، فإذا كان الجدل مبنيا على نقد بناء متعلق بمحتوى الفيلم، فأنا لا أدخر أي جهد في تقديم التوضيحات حول العمل والإجابة عن كل الاستفسارات، سواء كانت موجهة من أهل الاختصاص أم من الجمهور. فأنا شخصية عامة ومن واجبي تقبل النقد والرأي الآخر والرد عليه
بالعمل الجاد. أما إذا كان الجدل مبنيا على أمور شخصية، فهو بالنسبة إلي مسألة تصفية حسابات لا أكثر، ولا أعيره أي اهتمام بل لا آخذه بعين الاعتبار حتى لا أعطيه أكثر من حجمه. فهناك أشخاص يتعمدون إثارة الجدل لأهداف معينة كضرب مصداقية العمل أو الحسد، ومن يريد أن يؤكد أو ينفي ما يتم تداوله فما عليه سوى مشاهدة الفيلم لأنه رد صريح على الانتقادات “الفارغة”. إلى أي مدى يمكن أن يساهم الجدل في الترويج للعمل؟ يشكل الجدل حيزا واسعا في نجاح الكثير من الأعمال. وهذا أمر معروف عالميا، سواء كان صدفة أم مفتعلا، إلا أنني
أرفض مثل هذا النجاح، خاصة في فيلم “هيليوبوليس”، الذي أتمنى نجاحه انطلاقا من محتواه ورضا الجمهور وقناعاته الشخصية بعد المشاهدة، لا من الجدل القائم حول الفيلم، خاصة أنه في بداية عرضه. ما هي خلفية سحب فيلم “هيليوبوليس” من سباق الأوسكار؟ شكرا على هذا السؤال الذي منحني الفرصة لتوضيح هذا الأمر بالذات. حقيقة، تم ترشيح “هيليوبوليس” إلى جانب فيلمين آخرين من طرف اللجنة الجزائرية للأوسكار برئاسة الأستاذ محمد لخضر حامينة، إلا أن من بين شروط القبول المتعارف عليها إلزامية عرض الفيلم في قاعات السينما للبلد
المنتج على الأقل مدة أسبوع مع ضرورة تناوله من قبل الصحافة. وهذا، ما شرعنا في القيام به، من خلال تقديم عرض خاص بالصحافة في نوفمبر الفارط، إلا أن ظروف جائحة كورونا حالت دون تقديم العرض الأول للفيلم، بالإضافة إلى سلسلة العروض التي كانت مبرمجة في مختلف قاعات السينما. لذا، قامت وزارة الثقافة والمركز الجزائري لتطوير السينما بمراسلة الأكاديمية بهدف تمديد آجال العرض إلى غاية شهر فيفري الماضي، إلا أن استمرار غلق قاعات العرض نتيجة الجائحة منعنا من اللحاق بسباق الأوسكار رغم إعلان الأكاديمية عن إمكانية
عرض الأعمال استثنائيا عبر المنصات الرقمية كشرط لخوض غمار المنافسة. وهو الأمر الذي اعترضت عليه خاصة وأن فيلم “هيليوبوليس” عمل جدير بالاكتشاف من طرف الجمهور من خلال قاعات العرض وليس العالم الافتراضي. وهناك أيضا نقطة مهمة أود الإشارة إليها، وهي أن أكاديمية الأوسكار قد منحتني الموافقة المبدئية لمشاركة فيلم “هيليوبوليس” في سباق الأوسكار لعام 2022 شرط إعادة تقديم الملف من جديد من طرف اللجنة الجزائرية للأوسكار. كيف هي الأصداء الأولى لعرض “هيليوبوليس” عبر مختلف الولايات؟ الحمد لله.. أصداء
الفيلم لحد الآن إيجابية سواء بعد العرض الأول الذي احتضنته أوبرا الجزائر أم حتى مختلف العروض التي تعرفها عدة ولايات، والدليل على ذلك التوافد الكبير للجمهور على قاعات العرض التي سجلت إحصائيات جد إيجابية لمسناها في الصور التي تصلنا من كل جهة رغم جائحة كورونا. وهذا دليل على نجاح العمل واستقطابه للجمهور المتعطش إلى مشاهدة أفلام سينمائية في المستوى. وهو ما يؤكد أن إعادة استقطاب الجمهور لا تتطلب منا سوى تقديم أعمال جيدة في مستوى تطلعاته. ماذا بعد “هيليوبوليس”؟ في الحقيقة، لدي الكثير من الأفكار التي
أود تجسيدها في شكل أعمال سينمائية من بينها قضية التجارب النووية التي قام بها المستعمر الفرنسي في ستينيات القرن الماضي بمنطقة “رقان”، التي مازالت تعاني من آثارها السلبية الأجيال الحالية، خاصة وأن الموضوع لم يسبق التطرق إليه في شكل أعمال سينمائية إلا أن هذا يتطلب بحثا معمقا بمساعدة المؤرخين مع إدخال عنصر الخيال الذي من شأنه تحريك أحداث العمل. كانت ميزانية تصوير الموسم الثالث من “عاشور العاشر” محل جدل واسع، ما هو تعليقك على ذلك؟ في نظري، نجاح الموسم الثالث من عاشور العاشر ترجمه وفاء
الجمهور وتعلقه به على مدار ثلاثة مواسم، تمنيت لو أن النقاش تطرق إلى ظروف تصوير الموسم الثالث التي كانت في ديكورات مميزة بنيت خصيصا للعمل وعن الإمكانيات البشرية الهائلة للسواعد الجزائرية التي اشتغلت على نجاح السلسلة بدل التركيز على الميزانية الخرافية التي تداولها الكثيرون، التي هي بعيدة كل البعد عن هذه الأرقام الخيالية، وهنا أود الإشارة إلى أمر مهم وهو أن سلسلة “عاشور العاشر” أنتجت بإمكانيات الممولين والمتعاملين الاقتصاديين الخواص الذين آمنوا بالمشروع دون اللجوء إلى البنوك أو الطرق الملتوية للتمويل، فكل
مشروع له ميزانيته اللازمة و”عاشور العاشر” تطلب مصاريف كبيرة لتقديمه بتلك الصورة للمشاهد. كما أغتنم الفرصة من خلال جريدة “الشروق” لطلب الشفاء العاجل لأخي وصديقي صالح أوقروت، الذي تربطني به علاقة وطيدة لا يمكن أن يعكرها الاختلاف حول بعض لقطات السلسلة التي لم تجمعنا للأسف في موسمها الثالث، فأنا بصفتي مخرجا للعمل وجب علي التحلي بروح المسؤولية، فلم يكن لدي سوى خيارين أولهما التخلي عن السلسلة والثاني هو اللجوء إلى حل آخر لتعويض الفنان القدير صالح أوقروت. لذا، استنجدت بالممثل حكيم زلوم
الذي سبق وأن اشتغلنا مع بعضنا في أعمال سابقة، ورغم كل الانتقادات التي وجهت له إلا أنه برع في أداء الدور بكل جدارة. هل فعلا تم الاتفاق على إنتاج موسم آخر من السلسلة لصالح التلفزيون العمومي؟ الاتفاق مع التلفزيون الجزائري كان فقط لإنتاج الموسم الثالث، فأنا اجتهدت وقدمت عملا تم بثه كله تقريبا، كما حذفت منه بعض المشاهد بإرادة مني، فالمخرج حر في الاستغناء عن بعض الأمور التي يراها ليست في محلها،كما يمكنه إضافة مشاهد أخرى حسب الضرورة. هل هناك موسم رابع من “عاشور العاشر”؟ الحديث عن موسم جديد للسلسلة سابق لأوانه، إلا أنني أفضل الخوض في تجارب جديدة مغايرة، خاصة أنني من النوع الذي يحب التجديد وتقديم الأفضل للمشاهد.
قد يهمك ايضاً
ترشيح فيلم "هيليوبوليس" لجعفر قاسم للتنافس على أوسكار أحسن فيلم دولي
فيلم “هيليوبوليس” لجعفر قاسم يمثل الجزائر في الأوسكار
أرسل تعليقك