القاهرة ـ أ.ش.أ
بعيون تتطلع بشغف لشاشات التلفزيون في المقاهي المنتشرة على امتداد مصر المحروسة تتجلى "كيمياء الشخصية المصرية" المحتفلة بالحياة رغم كثير من المعاناة والمتطلعة دوما لمستقبل افضل يمسح الأحزان عن جباه الصابرين وتختلط الابتسامات بصيحات التشجيع لنجوم المونديال ومواقيت البهجة الكروية في ليالي الصيف لشعب عاشق للساحرة المستديرة .
وتكاد مقولة "عودة الروح لمصر بعد انتخاب رئيسها الجديد" وملامح التفاؤل تتجسد على وجوه المصريين الذين يفضلون مشاهدة مباريات المونديال في المقاهي ويتجاذبون أطراف الحديث أيضا حول آخر أخبار التشكيل الوزاري الجديد وتسريبات الأسماء المرشحة كأعضاء في حكومة المهندس إبراهيم محلب وحتى الانتخابات البرلمانية المقبلة كاستحقاق أساسي ضمن خارطة الطريق المنبثقة عن ثورة 30 يونيو 2013 وصناعة الغد الأفضل.
وبالنسبة لكثير من المصريين فان المونديال "صحبة" ولاتحلو مشاهدة العرس الكروى العالمي إلا وسط أصدقاء وخلان وهنا في مقهى قاهري بميدان باب اللوق في قلب المنطقة الخديوية بالقاهرة مازال الجدل المصحوب بعلامات الدهشة والتعجب يحتدم حول ذلك الفوز الساحق لمنتخب هولندا الشهير بالطواحين" على منتخب أسبانيا أو "الماتادور" بخمسة اهداف مقابل هدف واحد للأسبان الذين جاءوا لمونديال البرازيل والأماني تداعبهم في الفوز بلقب بطل كأس العالم في نسخته العشرين.
وتتردد أسماء اللاعبين الكبار أو نجوم العرس الكروي العالمي الحالي مثل الأرجنتيني ليونيل ميسي ورفاقه على المستطيل الأخضر من لاعبي التانجو مثل هيجواين ودي ماريا وأجويرو والبرتغالي كريستيانو رونالدو ناهيك عن منتخب السامبا البرازيلي وكريم بنزيمة نجم منتخب الديوك الفرنسي وزميله بول بوجبا الذي يجدد مع غيره شباب منتخب خيب آمال عشاقه في مونديال 2010 بجنوب افريقيا.
وبعض المقاهي استحدثت وسائل جديدة لجذب المزيد من الرواد والزبائن في "موسم المونديال" مثل شاشات العرض الكبيرة لمباريات كأس العالم وكما جرت العادة فان المقاهى القاهرية تفرض تعرفة إضافية على روادها الذين يشاهدون مباريات المونديال ال20 على شاشات التلفزيون.
وسعى بعض أصحاب المقاهى لتبرير هذه الزيادة في الأسعار بالحديث عن تكاليف تكبدوها استعدادا للمونديال من زيادة عدد الطاولات وتجديد مقاهيهم ناهيك عن اشتراكات ومبالغ دفعوها حتى يشاهد الزبائن كل المباريات دون تشفير حتى نهاية العرس الكروي العالمي يوم الثالث عشر من شهر يوليو المقبل.
ولم يجد بعض أصحاب المقاهي القاهرية حرجا في الاقرار بزيادة أسعار المشروبات للزبائن أثناء مباريات مونديال- 2014متفقين في الرأى على أن "هذه الزيادة طبيعية ومنطقية فى ضوء التكلفة".
ويقول الطالب الجامعي عبد الرحمن ربيع انه حريص على مشاهدة مباريات المونديال فى المقهى مع اصدقائه لأن متعة الكرة فى بطولة كأس العالم تتضاعف مع "الصحبة".
وفي مونديال 2010 بجنوب أفريقيا كان محلل نفسى قد أجرى دراسة بحثية موسعة وموثقة لمشاهدى مباريات كأس العالم لرصد مجموعة القيم التى ترسخها كرة القدم معشوقة الجماهير فى السلوكيات فيما أوضح الباحث والمحلل النفسى السيد عبد الفتاح أن المقاهى من بين مناطق الرصد التى حددها لهذه الدراسة.
وبدا الشارع المصرى فى حالة "وجد كروي" منذ إزاحة الستار عن العرس الكروى العالمى يوم الخميس الماضي وسواء فى المقاهى أو وسائل النقل وفى الشوارع والمنازل تتردد أحاديث وتوقعات مبكرة بشأن الفريق الذي سيتوج بطلا للعالم في كرة القدم.
ويبدو أن هذه الحالة الكروية تشير إلى أن الشارع المصرى شأنه شأن غيره فى كل مناطق العالم سيتحرك على ايقاع الساحرة المستديرة حتى نهاية المونديال بمبارياته التي توزعت على 12 مدينة برازيلية فيما تبث القنوات التلفزيونية الاعلانات عن المباريات جنبا إلى جنب مع اتجاه البرامج الرياضية لبؤرة المونديال في عصر الكرة المعولمة والمدفوعة الثمن وسط أجواء كرنفالية وسيل من الاعلانات التجارية على أمل الترويج لمنتجاتها في خضم العرس الكروي العالمي.
ولبعض المقاهي منزلة خاصة في قلوب القاهريين وذاكرة مدينتهم العتيقة التي تستعيد اسماء "ريش"بالقرب من ميدان طلعت حرب فى قلب القاهرة "والفيشاوى" في منطقة الحسين بطابعها الشرقي العريق وفى مقهى "زهرة البستان" بقلب القاهرة ستجد شبابا يهوى الأدب والكتابة ويتحدث أيضا عن الساحرة المستديرة والعرس الكروي العالمي في البرازيل.
ولئن اعتبر البعض أن وضع صور و"بوسترات" لنجوم المونديال في مقاهي مصرية يدخل في باب الترويج لموسم يعلق عليه أصحاب هذه المقاهي آمالا في تحقيق مكاسب مناسبة فان الأمر في الغرب يتخذ مسارا آخر غريبا على طبائع المصريين .
ولأن امريكا هى السباقة غالبا فى عالم الغرائب والتقاليع فان هناك حانات مخصصة لمشاهدة مباريات كرة القدم فحسب كما توضح لافتاتها بينما يحتسى الرواد الجعة "البيرة" وهم يشاهدون المباريات .
ورغم أن كرة القدم لم تكن حتى عهد قريب باللعبة ذات الشعبية الكبيرة بين الأمريكيين فان هذه الحانات الكروية التى انتشرت فى بلاد العم سام تبث أغانى ذات صلة بالساحرة المستديرة أثناء المباريات بين فرق الأندية في الولايات المتحدة بينما يصل الأمر ذروته اثناء مباريات المنتخب الأمريكى فى العرس الكروى العالمي.
ومن الطريف حقا أن هذه الحانات الكروية أثارت دهشة وفضول حتى السائحين والزوار الأوروبيين وخاصة من الانجليز الذين يفخرون بأنهم هم الذين قدموا للعالم كرة القدم بمعناها المعاصر وقواعدها الحالية فبات بعضهم يتردد عليها باعتبارها تقليعة مثيرة من تقاليع بلاد العم سام.
فى هذه الحانات يتحدث عشاق الساحرة المستديرة عن آخر أخبار نجوم المونديال ويمنون أنفسهم بمتع لاتعادلها متع أثناء المونديال ،آملين أن تتجلى فنون الساحرة المستديرة على المستطيل الأخضر فيما تراودهم آمال عريضة فى أن يكون المنتخب الأمريكى بحق هو الحصان الأسود فى مونديال-2014 ا كتعبير عن طفرة فى كرة القدم الأمريكية.
فمنتخب الولايات المتحدة بدأ فى السنوات الأخيرة يفرض اسمه ومكانته على الخارطة الكروية العالمية ويبدد المفهوم القديم والتصور التقليدى عن الأمريكيين كشعب لايجيد التعامل مع الساحرة المستديرة.
ومع اطلالة المونديال باتت اللافتات على أبواب هذه الحانات الكروية فى أمريكا تناشد روادها وتحذرهم أيضا من أى شىء قد يعوق تفرغهم لمشاهدة مباريات كأس العالم حتى لو كان هذا الشىء زواج او طلاق..فلا صوت يعلو على صوت الساحرة المستديرة طوال العرس الكروي العالمي!.
وإذا كان وضع صور هؤلاء اللاعبين منتخب الولايات المتحدة المشاركين في مونديال 2014 على جدران تلك الحانات أمرا طبيعيا ومتوقعا فان بعض أصحاب الحانات الذين هاجروا لأمريكا من دول أخرى لم ينسوا حبهم لأوطانهم القديمة والتى تشارك بعضها فى البطولة العالمية فاذا بصور لاعبين من منتخبات اجنبية تعلق على جدران حانات كروية امريكية كما يتجلى فى حانة بميلواكى التى يقطنها الكثير من المهاجرين القادمين من البرازيل وشيلى وتركيا .
ولعل اي مصري من المغتربين في امريكا او غيرها في الغرب يتمنى ان يعود في هذه اللحظات بالتحديد لمصر المحروسة لينعم "بصحبة المونديال" على مقهى شعبي..لعله يردد كلمات المبدع الراحل صلاح جاهين:"على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ماشاء..انا مصر عندى احب واجمل الأشياء"..ترياق بوح كهديل يمام هاجع على تواشيح غسق مصري واطلالة فجر المحروسة تضيء كل الكون.
أرسل تعليقك