كشف ديبلوماسي جزائري، أن الجزائر تدعم بشكل قوي كل المطالب الداعية إلى غلق قناة "الجزيرة" القطرية على خلفية خطها الإعلامي المتشدد والهدام، وذلك في تعليقه على مطالب الدول المقاطعة لقطر، وهي السعودية والإمارات والبحرين ومصر، الجمعة الماضي، عندما أرسلت قائمة بـ 13 مطلبًا على الدوحة تنفيذها، كشرط لإعادة العلاقات معها.
وأمهلتها عشرة أيام لتنفيذ تلك المطالب، ومن بينها إغلاق قناة "الجزيرة"، وإلا أصبحت لاغية تلقائيًا. وهي المطالب التي تم إرسالها عن طريق الكويت التي تتوسط لحل الأزمة الخليجية.
وأشارت الوثيقة المتضمنة تلك المطالب إلى أنه، بحال قبول قطر "الامتثال"، سيتم التدقيق في التزامها بهذه القائمة مرة شهريا خلال السنة الأولى، ثم مرة كل فصل خلال السنة الثانية، ثم مرة سنويا خلال السنوات العشر التالية، وكانت وسائل إعلام قطرية قد أفادت بأن الكويت سلمت قطر لائحة المطالب "بعد إلحاح أميركي". واستدرك الديبلوماسي الجزائري موضحًا "لكن الجزائر غير معنية بباقي المطالب،لأن الذي يهمهما بشكل أساسي هو مطلب غلق قناة الجزيرة فقط لا غير".
وأردف قائلاً "ستعمل الجزائر على الحفاظ على اتصالاتها الوثيقة مع جميع أطراف الأزمة، كما أنها ستواصل دعمها لجهود الوساطة التي يقودها أمير الكويت". وقال إن "قطر بدأت بالفعل البحث الدقيق والنظر في المطالب الخليجية، لكن من السهل على قطر الاستجابة إلى المطالب كافة التي تقدمت بها دول الحصار". واعترف أنه "و إن كانت هناك مطالب منطقية فهناك مطالب أعتقد أنها تعجيزية وغير قابلة للتنفيذ".
ووصفت "الجزيرة" مطالب إغلاقها بأنها "محاولة يائسة لإسكات الإعلام الحر والموضوعي في المنطقة،" وأضافت في بيان "نؤكد على حقنا في ممارسة عملنا المهني بحرية واحترافية تامة دون أية قيود من حكومات أو جهات، وتطالب شبكة الجزيرة حكومات الدول الديمقراطية والهيئات الدولية المدافعة عن حرية الرأي وحقوق الإنسان، والمؤسسات الحقوقية الدولية والمؤسسات الإعلامية الحرة في كافة دول العالم بالتنديد بهذه المطالب الخطيرة."
وقالت "الجزيرة"، "وعلى الرغم من هذه الدعوات الجائرة لتكميم الصوت المستقل، ستبقى شبكة الجزيرة الإعلامية بكافة قنواتها كما عهدها المشاهدون منذ نشأتها قبل 20 عاماً مصدراً للأخبار الموثوقة، تطرح القضايا التي تهم المشاهد في قالب مهني وبتحليلات معمقة. وستحافظ على مهمتها في ممارسة الصحافة المهنية بغض النظر عن الضغوط الممارسة عليها من دول المنطقة، والتي تهدف إلى إسكاتها أو تغيير سياستها التحريرية المستقلة."
ويأتي الموقف الجزائري الداعم وبقوة لجميع المطالب الداعية إلى غلق قناة "الجزيرة"، على الرغم من أن الجزائر أبدت رفضها للحصار المفروض على قطر على خلفية الأزمة الأخيرة، حيث دعت الجزائر دول الخليج إلى الحوار "كوسيلة وحيدة" لتسوية الخلافات بينها، بعدما قامت دول خليجية وعربية بقطع علاقاتها مع الدوحة لاتهامها بدعم "الإرهاب"، بحسب بيان لوزارة الخارجية الجزائرية.
وجاء في البيان الذي نشرته وكالة الانباء الجزائرية الرسمية"، مع دعوتها كل الدول المعنية بتبني الحوار كوسيلة وحيدة لحل خلافاتها التي يمكن ان تطرأ بشكل طبيعي في العلاقات بين الدول، فان الجزائر تدعو في جميع الظروف إلى احترام مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها".
وأضاف البيان أن الجزائر تبقى واثقة أن الصعوبات الحالية ما هي الا ظرفية وان الحكمة والتعقل سيتغلبان في الأخير، "بالنظر الى الرهانات الكبيرة التي تواجه الشعوب العربية وعلى رأسها الإرهاب". وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة قطر، سلطان بن سعد سلطان المريخي، خلال زيارته للجزائر يوم 15 حزيران/يونيو الجاري، "موقف الجزائر مشرف، لأنها أول بلد يصدر بياناً يدعو فيه إلى الحوار، وهو ما نسعى إليه مع العديد من الدول الشريفة في المنطقة".
وتابع "الجزائر باعتبارها بلداً كبيراً في العالم العربي يمكنها أن تلعب دوراً في العلاقات العربية-العربية، وهذا بالنظر إلى تأثيرها في المنطقة"، في إشارة إلى إمكانية أن يكون لها دور الوسيط في هذه الأزمة.
وفي 5 يونيو/حزيران الجاري، تلقى وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، اتصالاً هاتفياً من نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بحثا خلاله الأزمة التي نشبت بمنطقة الخليج العربي، كما بحث الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية، حسان رابحي، مع السفير القطري بالجزائر، إبراهيم بن عبد العزيز السهلاوي، هذا الملف، السبت الماضي.
ودعت عدة أحزاب جزائرية وشخصيات أغلبها إسلامية السلطات لاستغلال رصيدها الدبلوماسي وعلاقاتها الجيدة مع مختلف دول الخليج، لأداء دور وساطة من أجل إنهاء الأزمة، لكن السلطات تلتزم الصمت إزاء القضية. ومنذ 5 يونيو/حزيران الجاري، قطعت 7 دول عربية علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وهي السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن وموريتانيا وجزر القمر، واتهمتها بـ"دعم الإرهاب"، في حين خفضت كل من جيبوتي والأردن تمثيلهما الدبلوماسي لدى الدوحة. ولم تقطع الدولتان الخليجيتان؛ الكويت وسلطنة عمان، علاقاتهما مع قطر.
ونفت قطر الاتهامات بـ"دعم الإرهاب" التي وجهتها لها تلك الدول، وقالت إنها تواجه حملة افتراءات وأكاذيب وصلت حد الفبركة الكاملة؛ بهدف فرض الوصاية عليها، والضغط عليها لتتنازل عن قرارها الوطني.
هذا وكانت السلطات الجزائرية قد جمدت في 4 يوليو/تموز 2004 نشاط مكتب "الجزيرة" بالجزائر ومنعت مراسلها من العمل، ويأتي هذا المنع بعد أسبوع من بث الجزيرة حلقة من برنامج "الاتجاه المعاكس" الذي يقدمه الإعلامي الإخواني المصري "أحمد منصور" ومادة الحلقة كانت حول "الأوضاع في الجزائر"، حيث ذكر ضيف البرنامج وسلط الضوء عن الحاكم الفعلي للجزائر "جنرالات المؤسسة العسكرية" وذكر أنهم هم من يصنعون رؤساء البلد وهم أنفسهم قاموا بانقلاب 1992 على الشرعية الانتخابية.مع الإشارة أن حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"-المحظور حاليًا في الجزائر بقوة القانون-قد فاز في الانتخابات النيابية سنة 1991 بـــ188 مقعد محقق الأغلبية قبل أن يتم إلغاء نتائج الانتخابات، واستقالة الرئيس الجزائري آنذاك الراحل الشاذلي بن جديد يوم 12 يناير/كانون الثاني 1992،و اعتقال السلطات الجزائرية لقياديي حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" ثم شن حملة اعتقالات لكل منخرطي و مناصري الحزب الإسلامي وحله فيما بعد و بعد سنوات من حبسه-12 سنة- و عند الإفراج عنه تم السماح لرئيس "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" الشيخ "عباسي مدني" بالسفر إلى قطر في 23 أب/أغسطس 2003 فيما يشبه صفقة بين الجزائر و قطر،حيث يعيش حياة رغدة في الدوحة؛ أين يقيم في مبنى فخم بمعيّة أفراد عائلته، ويتقاضى راتبا قدره 15 ألف دولار؛ عبارة عن هبة من أمير قطر، وتعيش بناته معه أيضا في نفس المبنى، حيث إن أحد أحفاده يحمل الجنسية القطرية ويلعب للمنتخب القطري لكرة اليد.
ولديه إبنان، أحمد وأسامة، يعيش أحمد في قطر مع عائلته، ويعيش أسامة في ألمانيا ويمتلك قناة المغاربية الفضائية المناوئة للنظام الجزائري، والتي تبث برامجها من العاصمة البريطانية لندن. بينما لا يزال الرجل الثاني في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" الشيخ "علي بلحاج" المشهود له بتطرفه الكبير يعيش في الجزائر. وفي كانون الأول/ديسمبر 2007 طالب الصحافيون الجزائريون بقناة الجزيرة من مسؤولي القناة " تقديم اعتذار رسمي للشعب الجزائري " بعد نشرها استفتاء على موقعها الالكتروني "الجزيرة نت " بصيغة غريبة تقول " هل توافق على تفجيرات القاعدة في الجزائر؟ " .
وقال الصحافيون الجزائريون آنذاك، وعددهم 12 صحافيًا ، على رأسهم مقدمتي الأخبار خديجة بن قنة وفيروز زياني، وعلى الجزيرة أن تقدم اعتذارًا للشعب الجزائري، وأن تعيد النظر في علاقتها بالجزائر، والتوقف عن بث أصوات ممثلي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الإرهابي. وكان الصحافيون الجزائريون عبروا عن رفضهم في وقت سابق عن تمرير أصوات مناصري تنظيم القاعدة الإرهابي، الذين يشيدون بالتفجيرات والاغتيالات، والتعبير عن فرحهم بموت المدنيين في الجزائر، حيث غالبًا ما يبدؤون بث بلاغاتهم بجملة تثير جدلاً كبيرًا في أوساط القناة هي " نبث اليكم بشرى " نجاح من العمليات الانتحارية أو تفجير السيارات المفخخة عن بعد ، والتي تخلف عادة عددًا كبيًرا من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين .
وطالب الصحافيون الجزائريون إدارة القناة "بإجراء تحقيق داخلي لتحديد المسؤوليات وتسليط العقوبات على المتسببين في هذه القضية "، و تم تمرير عريضة، وقعها عدد من الصحافيين الجزائريين والتونسيين ، وصحافيين من جنسيات أخرى ، للمطالبة بتقديم اعتذار رسمي مكتوب على صفحات " الجزيرة نت " للجزائريين في الجزائر ، وعدم الاكتفاء بالاعتراف بالخطأ. وأوقفت قناة الجزيرة استطلاعًا الكترونيًا مثيرًا كانت قد نشرته على موقعها على الأنترنت غداة التفجيرين الانتحاريين الأخيرين اللذين نفدهما تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بالجزائر العاصمة في ديسمبر/كانون الأول 2007.
وكان مضمون سبر الآراء الغريب يسأل المشاركين في التصويت " هل تؤيد هجمات القاعدة في الجزائر؟ " وقال أحمد الشيخ رئيس تحرير القناة وموقعها الالكتروني ( الجزيرة نت) في تصريح للشروق، أنه بصفته المسؤول المباشر عن محتوى الموقع الالكتروني أنه كان غائبًا عند نشره على الموقع وإلا لما سمح بذلك . وأضاف أن الجزيرة "تعترف بأنها ارتكبت خطأ جسيما وقامت بسحب الاستفتاء من موقعها الالكتروني وألغت نتائجه ، ثم عاقبت المشرفين على الاستفتاء ، وأوقفت المسؤول عن هدا الخطأ الكبير، وقال الشيخ " لا أحد يوافق على هذه الأعمال البربرية ، لكن يبدو أن جماعات موالية للقاعدة أو أطرافا لها مصلحة ما اتصلت ببعضها البعض من اجل التصويت المكثف لتوجيه النتائج لصالحها وتزكية أعمالها " وهو ما جعل نتيجة التصويت غريبة .
وقال أكثر من 54 في المائة من المصوتين أنهم مع العمليات الإرهابية، فيما رفضها أقل من 46 في المائة. وكان عدد المصوتين على الاستبيان قد وصل خلال ثلاثة أيام قبل توقيفه إلى 30 ألف مشارك أجاب أكثر من نصفهم ( 54 بالمائة ) أنهم يؤيدون الهجمات الانتحارية التي ضربت سنة 2007 مقر المجلس الدستوري ومكتب الأمم المتحدة بالجزائر العاصمة، مخلفة 41 قتيلاً وعشرات الجرحى وسط الأعوان الإداريين والمارة الذين ساقتهم الأقدار في تلك اللحظة إلى مكان الانفجار، وهو ما استغله تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي للدعاية لعملياته بإعادة نشر نتائج التصويت في صدارة الصفحة الأولى من موقعه على الانترنت، لتضفي نوعًا من الشرعية على ما قامت به وتزكية الاعتداءين الإرهابيين، خاصة انه صدر على موقع إحدى اكبر القنوات العربية مشاهدة في الجزائر والعالم العربي آنذاك .
وكان التلفزيون الجزائري قد انتقد بلهجة حادة قيام الجزيرة بإعداد ونشر استطلاع الكتروني من هذا النوع ، واعتبره استهانة بدماء الجزائريين بما لا يقبله الضمير المهني والأخلاقي لأي ممارسة إعلامية. وأكدت الفنانة العربية الكبيرة الراحلة وردة الجزائرية في تصريحات إعلامية منسوبة إليها سنة 2012 أن قناة الجزيرة القطرية وموظفيها وعامليها يتحملون مسؤولية قتل آلاف الليبيين، ومحاولة قتل أقصى ما يمكن من أرواح الأبرياء في سورية عبر استخدام الإعلام كوسيلة دمار شامل في إثارة الفتن ونشر الأكاذيب.
وخاطبت الفنانة العربية الكبيرة موظفي قناة الجزيرة في رسالة وجهتها اليهم نشرتها صحيفة "المغرب" التونسية: "لقد قتلتم آلاف الليبيين وما تزالون تحصدون أكثر ما يمكن من أرواح الأبرياء في سورية وستقسمون بأنكم لم تمسكوا سلاحًا أبدًا قطعًا، واجيبكم بأن لديكم أقوى سلاح دمار شامل هو سلاح الإعلام الذي استعملتموه أسوأ استعمال لقتل بني عروبتكم".
وأضافت الفنانة الجزائرية الكبيرة الراحلة "إذا كان أسيادكم يقبضون من البترول فأنتم تقبضون من الدم العربي، لأنكم لعبة في أيديهم القذرة وبقدر ما تفتون وتكذبون وتوهمون وتزهقون أرواحا لتنجح أجندة رؤسائكم يكون أجركم". وكانت قناة الجزيرة على رأس قائمة القنوات العربية التي منعتها السلطات الجزائرية من تغطية الانتخابات النيابية التي جرت في 4 مايو/أيار الماضي، لمواقفها السلبية والمشبوهة تجاه كثير من القضايا العربية وعدم حيادتها، في الوقت الذى سبق فيه للجزائر الإعلان عن استقبال آلاف الصحافيين لتغطية الحدث، لكن تم إبقاء بعض القنوات في قائمة الممنوعين، وفي مقدمتهم قناة الجزيرة القطرية، التي ستغطي الحدث من الدوحة وليس من الجزائر.
وأطلقت قناة الجزيرة القطرية عشية الانتخابات النيابية الجزائرية صفحة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لنقل مختلف الأخبار المتعلقة في الجزائر. وهي الصفحة التي تحمل اسم "البقعة الزرقاء"، وتنقل الأخبار على مدار الساعة مما يدعو للاستغراب عن كيفية تمتعها بالمهنية في الوقت الذّي لا تملك القناة أي اعتماد لها بالجزائر. واغتنمت القناة الحملة الانتخابية للتشريعيات المرتقبة في الرابع من مايو/أيار، لإطلاق الصفحة التي خصّصت حيزا كبيرا لذلك مع التركيز على دعاة المقاطعة.
وساهمت قناة "الجزيرة"، التي أنشئت قبل عقدين من الزمن في الدوحة، على توسيع نفوذ قطر السياسي من خلال بث برامج باللغة العربية، تُشاهد في ملايين البيوت في جميع أنحاء المنطقة. وقامت "الجزيرة" بعد توسيع شبكتها الإعلامية بإطلاق برامج باللغة الإنجليزية، استهدفت الأسواق العالمية بما فيها الولايات المتحدة.
ولكن المنهج والخط الصحافي الذي انتهجته القناة جعلها تكسب الأعداء بسرعة. ويقول المحللون إنها أعطت صوتاً للانتقادات الموجهة للحكومات المتسلطة، في منطقة كان فيها ذلك الحديث غير معتاد على الإطلاق.
أرسل تعليقك