قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن القرآن الكريم قدّم قبل أكثر من 1400 سنة، فكرة "التقويم الفلكي" الذي يحدد من خلاله عمر الكون، وقبل أن يتوصل إليها العالم الفيزيائى الشهير "كارل ساجان" في العام 1996، مع اختلاف أن القرآن حددها في 6 أيام، بينما الثاني ضغطها في سنة واحدة، لكن يبقى هناك الكثير من أوجه الشبه بينهما التي أوردها في سياق المحاولات لتحديد عمر الكون منذ نشأته.
ويستهل عمرو خالد في عاشر حلقات برنامجه "بالحرف الواحد"، الذي يربط بين الدين والحياة والعلم كمثلث متكامل، بالتساؤل: ما هو عمر الكون الذي نعيش فيه؟، ليجيب قائلًا: في الحقيقة لا أحد يعرف بالضبط، لكن قدره العلماء بناءً على وصول الضوء من أبعد نقطة في الفضاء - أي منذ لحظة بداية الانفجار العظيم، أو ما يسمونه "فلاش البيج بانج" - إلى الأرض، بأنه نحو 13.8 مليار سنة أو 14 مليار سنة.
وأوضح أنه "في نشأة الكون، وقعت أحداث تفصلها مسافات زمنية هائلة بين تكوين النجوم والكواكب، مثل كوكب الأرض، وبين لحظة الانفجار العظيم، قدرها العلم بأنها تصل إلى مليارات السنين، ومن الصعب على العقل البشرى أن يتخيل بسهولة ما حدث، ليس فقط لأن الأرقام كلها في نشأة الكون هي مسافات زمنية هائلة، ولكن لأنها تمت أيضًا بشكل زمني وبتوقيت غير الذي يعرفه الإنسان واعتاد عليه".
وأشار خالد إلى أنه "لم يكن هناك قبل تكون الأرض، التي تدور حول الشمس، وتعاقب الليل والنهار يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا أو سنةً كما نعرف الآن، فلم نعرف ذلك إلا بعد أن أصبح هناك أرض تدور حول الشمس، وتعاقب الليل والنهار، لكن أثناء نشأة الكون، (تكون السماء والأرض)، كان معيار الزمن غير ما نعرف الآن، إنه زمن لن يعرف العلماء معياره؛ لأن الإنسان لم يعشه أصلاً ولم يكن الإنسان موجودًا من الأساس؛ لذلك أطلقوا عليه اسم معيار الزمن غير الإنساني (non-human scale )، أي: لم يعشه الإنسان".
ولفت إلى أن العالم الفيزيائى الشهير "كارل ساجان" الذي اشتهر بين علماء فيزياء الفلك بأنه كان مغرمًا بتبسيط العلم وتقريبه للناس العاديين، كان له أسلوب مميز ومنهج مميز في عرض الحقائق العلمية والتاريخية، فأراد أن يبسط ويسهل للناس قصة نشأة الكون بشكل بسيط وسهل.. حيث إن عمر الكون الذي يقدر بمليارات السنين (13.8 سنة مثلاً) هو مجرد أصفار لا تعبر عن شيء عنده، فقام بضغط الأرقام الكبيرة رياضيًا، مع الحفاظ على نسب المسافات الزمنية ولكن بشكل أقصر، وابتكر بذلك ما يسمى التقويم الفلكي (Cosmic Calendar) (الكونى) في عام 1996 في كتابه "تنانين عدن"، أو The Dragons of Eden، عبر ضغط جميع أحداث نشأة الكون وما عليه في سنة أرضية واحدة".
وأوضح خالد أن "الأمر قوبل بترحاب كبير جدًا من كل علماء فيزياء الفلك على مستوى العالم، إذ أجمعوا على أن الفكرة ستسهل على الدارسين تصور نشأة الكون ودراستها بكل يسر، وإلى الآن فإن التقويم الفلكي الذي وضعه، أو ضغط عمر الكون في سنة أرضية واحدة، هو المعيار الزمني الذي يسير عليه كل دارسي ومدرسي الفيزياء وفيزياء الفلك.
واستعرض خالد فكرة التقويم الفلكي الآتي:
أولًا: الانفجار العظيمBig Bang:
حصل قبل 13.7 مليار سنة تقريبًا، ويصادف اليوم الأول من يناير تقريبًا في الساعة 1.12 دقيقة صباحًا.
ثانيًا: بداية تشكُّل المجرات:
تكونت أولى المجرات قبل 13 مليار سنة تقريبًا.. ويصادف اليوم الثاني والعشرين من يناير.
وتشكَّلت مجرتنا "درب اللبانة" أو "درب التبانة، قبل 9 مليارات سنة.. ويصادف اليوم السادس من شهر مايو/آيار، أما الأرض والشمس وتليها المجموعة الشمسية وكواكبها، فقد تشكلت قبل 4.56 مليار سنة ويصادف اليوم الأول من سبتمبر/أيلول .
كما ظهرت أولى الديناصورات على وجه الأرض قبل 230 مليون سنة، ويصادف اليوم السادس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول، وظهرت أولى الثدييات قبل 200 مليون سنة، ويصادف ظهورها اليوم السابع والعشرين من ديسمبر، واختفت الديناصورات قبل 65 مليون سنة في اليوم الثلاثين من الشهرنفسه.
ظهر الإنسان قبل 8 دقائق فقط من نهاية العام، وظهر المسيح قبل 4 ثوانٍ فقط من نهاية العام، أي قبل 2000 عام، وبدأت الرسالة المحمدية قبل 3 ثوانٍ فقط من نهاية العام.
أما الحملات الصليبية، وظهور المغول، وخروج المسلمين من الأندلس، وتأسيس وانتشار الإمبراطورية العثمانية، والنهضة في أوروبا، والثورة الفرنسية، والحربان العالميتان، وغزو الفضاء، وعصر الإنترنت، ودونالد ترامب رئيسا لأمريكا... وحتى وقت قراءتك لهذا الكلام.. كل هذه الأحداث حدثت فى آخر ثانيتين من العام!! هذا هو التقويم الفلكي.
ومضى خالد شارحًا: "هل لاحظت شيئا مثيرًا للدهشة: "ظهر الإنسان قبل 8 دقائق فقط من نهاية العام"، ليقول على ضوء ذلك: "من السهل جدًا أن تفهم معنى هذه الآية: "هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا"، بالفعل هناك حقبة زمنية رهيبة جدًا من عمر الكون لم يكن الإنسان قد ظهر فيها أصلًا، وأظن أيضًا أنه من السهل جدًا عليك الآن أن تفهم معنى الآية: "لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".
وأشار إلى أن "القرآن الكريم قدم إلينا فكرة التقويم الفلكي قبل "كارل ساجان" منذ ما يزيد على 1400 سنة، وإن كان هناك أوجه شبه بينهما تتمثل في الآتي:
أولًا: اعتمدت فكرة التقويم الفلكي لـ "كارل ساجان" على ضغط عمر الكون كله في 365 يومًا، واعتمدت فكرة التقويم الفلكي للقرآن الكريم على ضغط عمر الكون أيضًا ولكن في ستة أيام فقط.
ثانيًا: اعتمدت فكرة التقويم الفلكي لـ "كارل ساجان" على استعداد العقل البشرى لتصور مسافات زمنية حدثت بمعيار زمني غير معروف للإنسان Non-human Scale، عن طريق استخدام معيار زمني يستطيع الإنسان فهمه وهو Human Scale مثل السنة الأرضية، أما فكرة التقويم الفلكي للقرآن الكريم فقد اعتمدت على استعداد العقل البشري لتصور مسافات زمنية حدثت بمعيار زمني غير معروف للإنسان Non-human Scale عن طريق استخدام معيار زمني يستطيع الإنسان فهمه وهو Human Scale مثل ستة أيام أرضية مثلًا.
ثالثًا: فكرة التقويم الفلكي لـ "كارل ساجان" توضح لنا بشكل أسهل المسافات الزمنية الهائلة التى تفصل بين نشأة الأرض ولحظة الانفجار العظيم، أو بداية الكون، ويوضح لنا أن الأرض تكونت عند ثلثي عمر الكون، فهو يقول إن الأرض تكونت في بداية شهر سبتمبر، بمعنى أنه عندما وصل عمر الكون إلى ثلثيه، أى عند 8 شهور من إجمالى 12 شهرًا، أما التقويم الفلكي للقرآن الكريم فيقول إن الأرض تكونت عند ثلثي عمر الكون، عند أربعة أيام من إجمالى ستة أيام، قال تعالى: "وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِى مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِى دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِى يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِى كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ"، القرآن يقول لنا بكل وضوح إن الأرض تكونت عند ثلثي عمر الكون.
رابعًا: التقويم الفلكي الذي ابتكره "كارل ساجان" في كتابه سوف يبقى عمر الكون دائمًا على أنه سنة واحدة، لن يعدله أحد، لن يأتي أحد يومًا ما بقلم أحمر ويفتح الكتاب كي يقوم بتعديل عمر الكون الذي افترضه، كي يغيره أو يزيده على كونه سنة واحدة، كلما تقدم عمر الكون، وذلك لأن التقويم الذي ابتكره هو تقويم ذكي، فلو دققت أنت فيما قلته أنا عندما كنت أسرد لك التقويم الفلكي وبالتحديد في آخر جملة.. للاحظت الآتي: فقد قلت: "................. و دونالد ترامب رئيسًا لأمريكا وحتى وقت قراءتك لهذا الكلام ".. وهل كان دونالد ترامب رئيسًا لأمريكا في أيام كارل ساجان (والذى مات في سنة 1996 ؟.
وقال إن "هنا يكمن ذكاء "كارل ساجان"، فقد ابتكر فكرة التقويم الفلكي في سنة، بحيث لا تعني أن الكون سوف ينتهي في آخر دقيقة في هذه السنة، لكنها اعتمدت على أن كل الأحداث الجديدة التي تحدث إلى وقتنا هذا تنضغط داخل هذه السنة، وتكون جزءًا من ثانية، بحيث تبقى السنة سنة".
وتابع: "نعم مات "ساجان" وكان التقويم الفلكي سنة، وما سردته لك الآن في 2018 هو أيضا سنة، ولو قرأ أحد التقويم الفلكي بعد آلاف السنين سيكون أيضًا سنة وسوف يختمه برئيس أمريكا بعد آلاف السنين، كمثال على آخر الأحداث الحديثة ليس إلا، إنه ذكاء "كارل ساجان"، فالأحداث التي تحدث على كوكب الأرض كل لحظة والمواليد التي تولد كل لحظة، والحروب التي سوف تحدث في المستقبل والحضارات التي سوف تبنى في المستقبل كلها سوف تضغط في السنة نفسها التي وضعها كمعيار آدمي لعمر الكون، فهكذا فقط يكتب عمر الكون في الفيزياء لمن يفهمون ويدرسون الفيزياء.. إنه الانضغاط".
واستطرد خالد شارحًا: "القرآن أيضًا قد وضع لنا التقويم الفلكي، بحيث يبقى ثابتًا على مر العصور لا يجرؤ أحد أن يعدل فيه، ستة أيام منذ أكثر من 1400 سنة، وسيبقى كما هو ستة أيام بعد آلاف آلاف السنين وإلى يوم القيامة، قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ"، وفى آية أخرى يقول تعالى: " الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ"، في القرآن الكريم مجموعة من الآيات ذكر فيها خلق السماوات والأرض في ستة أيام ومجموعة أخرى من الآيات ذكر فيها خلق السموات والأرض "ومابينهما" فى ستة أيام".
وخلص خالد قائلاً: "أعتقد أنه الآن فهمنا ما المقصود بـ "ما بينهما"، ففي كل لحظة حدث جديد يحدث بين السماوات والأرض، وفي كل لحظة مولود جديد وكائن جديد يظهر للوجود، فكل الأحداث التي ستحدث في المستقبل تضغط داخل الستة أيام، إنها فكرة الانضغاط تمامًا مثل التقويم الفلكي لـ "كارل ساجان"، كلمة "وما بينهما" تجعل التقويم الفلكي القرآني ثابتًا على مر العصور عند ستة أيام فقط"، وقال إنه "بذلك يكون قد اتفق التقويم الفلكي لـ "كارل ساجان" مع التقويم الفلكي للقرآن الكريم بالحرف الواحد".
أرسل تعليقك