دبي ـ العرب اليوم
كان لوالدها عبيد بن غانم بن غباش مجلسه ولوالدتها عوشة بنت حسين مجلس آخر نسائي، ويستقبل المجلسان كل يوم الأقارب والجيران والضيوف والمعارف، حيث الأبواب مشرعة يهب منها عبق العلم والثقافة، في أمسيات تسودها حوارات واجتماعية وطنية وقومية، تتناول قضايا القومية العربية وخروج الاستعمار البريطاني من الوطن العربي، ووسط هذه الأجواء ولدت موزة غباش- وانطلقت إلي رحاب التعليم وواصلت المرحلتين الجامعية والدراسات العليا خارج الدولة، في رحلة طويلة مليئة بالتحديات والذكرياتحتى وصلت إلى رئيس رواق عوشة بنت حسين الثقافي والخيري وجمعية الدراسات الإنسانية، ورئيسة مجلس أمناء جائزة شمسة بنت سهيل للنساء المبدعات،.
تقول ة موزة غباش:" كنت أشاهد كل يوم الداخل والخارج من بيتنا طلبًا للمشورة أو النصح أو الصلح مع شخص ما، ولا تزال غباش تذكر حتى اليوم ذلك البيت الكبير في منطقة الرأس التي تعد من أشهر وأعرق مناطق إمارة دبي، وتعد اليوم من أغلى المناطق لأنها مباشرة تقع عند قلب التجارة في الإمارة، وهي منطقة سوق الذهب ،فالبيت مبني على طراز العمارة الإسلامية بأعمدته ونقوشه وزخارفه المميزة ، كما تذكر الدفء الإنساني الذي يعمه حيث كان بالبيت عدد الكبير من أفراد الأسرة".
وتؤكد غباش تأثرها الشديد بوالدتها وروحها المجتهد، وتقول: "أمي رحمة الله عليها لم تجد من كان يمكنه أن يؤثر فيها كي تكون على ماكانت عليه إلا ذاتها، وحين تتأمل محيطها لا تري أحد، فوالدها وهو جدي الشاعر حسين بن ناصر كان قد توفي، وزوجها والدي رحمه الله- لم يكن يقرأ أو يكتب، وكان يعمل مع حكومة دبي، وقد عاشت ضمن مجتمع محافظ، ومارست دورها ضمن مجتمع خليجي، وحررت عقلها بإرادة حرة ورسخت في نفسها ومن حولها احترام ذاتهم سواء كانوا نساء أو رجالًا".
وتوضح أن علاقة عوشة بنت حسين مع آبنائها كانت قوية ومحفزة على التفوق، حيث حصل أربعة منهم على درجة الدكتوراة، وكانت بالنسبة لهم أم شمولية في التربية، ومتعمقة في القراءة لنفسها ولأبنائها ومن حولها، وقد اعتمدت في حياتها على نفسها حين كان بيتها مفتوحا للأبناء ومن ثم للحفدة، وكانت تنفق على تعليم أبنائها في الخارج من مدخراتها ومن دخل العقار الذي كانت تملكة، ولم تكن بمعزل عن من كان يقصدها لطلب المساعدة.
وتؤكد أن رحيل والدها كان علامة فارقة حزينة في حياتها، لأنه كان يدعمها ويشجعها على البحث والتميز العلمي، وهي الرسالة التي تولتها من بعده والدتها، فواصلت طريق العلم والإطلاع وتنمية المعرفة.
وتعود موزة بذاكرتها إلى مرحلة التعليم الأولى ، فتقول عندما تم فتح أول مدرسة كانت الأسرة قد استوعبت المعنى الكبير لأهمية التعليم، وتعد تلك المرحلة أهم ذكرى لي في بداية التعلم، حيث كنت قد ارتبطت بالعلم، وكنت دائما ما أفكر في ما سأكون عليه من العلم مستقبلا، وزاد من ذلك الحب والارتباط في وجداني زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم- طيب الله ثراهما- لمدرستي عندما كنت طالبة، وتشجيعهما لنا على مواصلة التعليم والتفوق.
وقد حلمت منذ كنت صغيرة بأن أصل إلى أعلى مراتب التعليم، ولذلك عندما قررت الإمارات ابتعاث طلبتها لإكمال تعليمهم الجامعي في الخارج، لم يكن بها جامعة، في تلك الفترة كنت ضمن 15 فتاة تم ابتعاثهن للكويت.
كنا في شدة الحماس، فنحن نفكر كيف سينظر لنا حكامنا وكيف يترقب أهلنا عودتنا بالدرجات العلمية، خاصة أن الإمارات منذ قيامها شهدت نهضة تعليمية حيوية، فبناء الإنسان أهم ما يعني الحكومة، ولذلك ما إن أنهيت الثانوية حتى التحقت بالتعليم الجامعي في دولة الكويت، وأعتبر تلك المرحلة من أصعب المراحل، نظرا لأنني كنت أسافر لأول مرة وأبتعد عن حضن الأسرة، خاصة أن مجتمع الكويت آنذاك كان أكثر تطوراً وانفتاحاً من الإمارات، وفي دولة الكويت الحبيبة لم أحتك بشكل شخصي وبعيد عن التعليم إلا مع أسرتين بتوصية من والدي، وتفرغت تماما لمزيد من القراءة والبحث.
تكمل موزة عن رحلتها العلمية قائلة: خلال مراحل دراسة لم أكن مجرد طالبة تبحث عن شهادة جامعية، وإنما كنت طالبة باحثة عن مضمون الكتب لأبعد ما أستطيع، وفي عام 1977 كنت قد توظفت في جامعة الإمارات كمعيدة لمدة عام، ثم تم ابتعاثي إلى أميركا ضمن المعيدين للدراسات العليا، وفي واشنطن شعرت بمعاناة نفسية وفكرية رغم التطور في شخصيتي، ورغم وجود طلبة من مختلف أنحاء العالم، لأني أؤمن بأن من يملك عيناً سياسية يتعب، وهذا ما كان حالي عليه، وتلك المرحلة حملت صراعا أكبر مما أستوعب آنذاك بسبب قناعاتي، حيث وجدت أن غالب المجتمع هناك ضد العروبة، فخشيت أن أعيش ذلك الصراع طوال فترة الدراسة.
وتضيف في هذه الأجواء قررت الانتقال إلى مجتمع عربي يحمل مضامين العروبة، فكان جمهورية مصر العربية، فهي الأقرب لنا وأهلها جزء منا، وفي القاهرة درست الماجستير بمجال علم الاجتماع السياسي، ومن هناك أعددت رسالة حول الهجرة الأجنبية إلى دولة الإمارات- والتركيبة السكانية وآثارها الاجتماعية والثقافية والسياسية.
بعد ذلك أكملت الدراسات العليا للحصول على الدكتوراه في موضوع التغير الاجتماعي السياسي، وأثره في التشكيل الطبقي، وكنت أتمنى لو ترجم ذلك إلى استراتيجيات عمل تنفيذية، وبعد مناقشة رسالة الدكتوراه عادت للتعليم في جامعة الإمارات لمدة استمرت 13 سنة.
شعرت خلال تلك الفترة أني نجحت في إثارة الوعي الاجتماعي بالظواهر الاجتماعية، ونجحت كذلك في إنتاج جيل يشعر بمعنى الهوية الوطنية.
وتؤكد موزة غباش أن رواق عوشة بنت حسين الذي يحمل اسم والدتها، كان أول مؤسسة محلية يطلق عليها اسم امرأة في الدولة، موضحة أن الرواق اجتهد في تحريك المياه الثقافية، تضيف أحيانا يطغى اسم الرواق على اسمي وأحيانا يطغى اسمي على اسمه، لكننا ما زلنا جسدا وروحا وثقافة واحدة، وشاركنا من خلاله في العديد من المؤتمرات، إلى جانب الكثير من الأعمال والمساهمات التي تعالج قضايا جوهرية، مثل الإدمان على المخدرات وغيرها، بينما انصب اهتمامنا في البداية على القضية الفلسطينية، وأسسنا جامعة داخل الرواق اسمها جامعة القدس للتعليم المفتوح، وإلى جانب هذا طرح الرواق مجموعة من الجوائز، منها عشر جوائز للأمهات المثاليات وعشر جوائز للآباء المثاليين، وأكثر من ثلاثين جائزة للمعاقين المبدعين، وذلك في مجالات مختلفة منها الرسم والعمل المهني والرياضي، والكثيرون تميزوا من خلال هذه الجائزة.
تقول موزة غباش إنه تم تأسيس رواق عوشة بنت حسين الثقافي والأدبي، كمؤسسة وطنية إماراتية تعنى بشؤون الثقافة الوطنية، وغاية أهدافه الارتقاء بالحالة الإنسانية الإماراتية للوصول إلى مجتمع مثالي، تنمو فيه روح الانتماء والمحبة والإخلاص، وروح المبادرة هي أساس بنائه، وتأسس الرواق بجهود فردية لأجل تلك الأم التي عاشت في الفترة ما بين عام 1939 وحتى 1992.
وينظم الرواق الأمسيات الشعرية والمحاضرات الأدبية، وجائزة الأم المثالية وإلى جانب ذلك تقام الدورات المختلفة التي تخدم سوق العمل.
أرسل تعليقك