تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورًا هامًا في التغيير على الحلبة السياسية في إسرائيل، سواء على مستوى صناعة القرار، أو حزبيًا.واستشهد الكاتب الإسرائيلي مزال معلم بأحداث جرت في الساحة السياسية الإسرائيلية، دور مواقع التواصل الاجتماعي في تغيير السياسية، مشيرًا إلى أنه "في خريف العام 2010، وفي مكتبه الصغير في القدس؛ شرع ارييه درعي بتسخين المحركات، استعدادًا لرجوعه إلى عالم السياسة".
وأضاف "بنيامين نتنياهو، أقام قبل حوالي عام ونصف من ذلك حكومته الثانية، التي تمتعت بالاستقرار الائتلافي؛ إذ أنَّ رئيس حزب العمل يقف إلى جانبه، كوزير للجيش، ورئيس حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان (15 مقعدًا) كوزير للخارجية، وشاس (11 مقعدًا) برئاسة ايلي يشاي سيطر على وزارتي الداخلية والإسكان، أما المبادرة فقادتها تسيبي ليفني، والتي ترأست في حينه حزب كاديما، الحزب الأكبر، والذي يملك 28 مقعدًا".
وتابع معلم "درعي، الذي واصل في أعوام التشاور مع صديقيه المفضلين أفيغدور ليبرمان وحاييم رامون؛ بدأ يلتقي أيضًا مع جهات سياسية أخرى، وجدد اتصالاته الممتازة مع وسائل الإعلام العلمانية، كان حينها في الـ 51 من عمره، وتحدث عن إقامة حزب جديد ينافس به (شاس)، على الرغم من أنه خطط في المقابل ليسيطر على الحزب الذي اضطر إلى مغادرته من جديد، أثناء المحادثات التي لا تتوقف أبدًا، إذ ركّب وألف تحالفًا، ودحرج سيناريوهات سياسية مستقبلية، كان له في جميعها دورًا مركزيًا كأن يترأس حزبًا كبيرًا".
وأردف "بعد حوالي عامين، وعندما عاد إلى السياسة، وتمسمر في قيادة (شاس) قبيل انتخابات 2013؛ اكتشف أنّ السياسة التي يعرفها تغيرت، وأنّ السياسيين الجديدين الشابين، اللذين جاءا حديثًا إلى عالم السياسة، يائير لبيد ونفتالي بينيت، يتحدثون بلغة أخرى".
واعتبر معلم أنَّ "إيهود باراك، وايهود أولمرت وبنيامين بن اليعازر وداليا ايتسك ومائير شطريت، وشخصيات أخرى مركزية في السياسة الإسرائيلية في الأعوام العشرين الأخيرة؛ اكتشفوا جميعهم فيما بعد أنهم يجدون صعوبة في هذه المنظومة المتغيرة".
وأشار إلى أنَّ "انتخابات 2013 كانت بمثابة حوض يجمع المياه بين السياسة القديمة والسياسة الحديثة، وفي التعبير البالي (السياسة الجديدة)، وليس المقصود سياسة أفضل؛ وإنما سياسة من نوع آخر، لقد كانت تلك المعركة الانتخابية الأولى التي جاءت موازية لمصطلح (ثورة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي)، والتي حركت لعامين سابقين دواليب الاحتجاجات الاجتماعية؛ التي أخرجت مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع".
وأبرز أنَّ "السياسيين القدماء، مثل بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان، قدروا حينها خطئًا أنهما سينجحان معًا في حصد أكثر من أربعين مقعدًا، عبر رسالة (الزعماء الأقوياء لمواجهة الإرهاب وإيران)، إلا أنّ الواقع انفجر في وجهيهما، وتحالف الأخوين لبيد – بينيت، لرسم خارطة التركيبة الحكومية، التي ظل درعي و(شاس) خارجها".
ورأى أنه "على الرغم من أنَّ اتحاد لبيد – بينيت متفكك، في المرحلة الراهنة، إلا أنّه مهم لفهم التغيير العميق في السياسة الإسرائيلية، شخصيتان شابتان وصلتا إلى العلية السياسية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما (فيسبوك)، تقاسما فيما بينهما اتحادًا غريبًا، اعتبر بحق غير طبيعي، ولكنهما ببساطة تحدثا اللغة نفسها، وفهما بعضهما، بمجرد تبادل النظرات، تمامًا كما فهم درعي بنظرة خاطفة صديقيه ليبرمان ورامون قبل عشرين عامًا".
وأوضح أنَّ "ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، والتي نشهد الآن ذروتها، هي ثورة قوية وتاريخية، غيّرت أيضًا وجه السياسة الإسرائيلية، في الانتخابات الأخيرة، حوالي ربع أعضاء الكنيست كانوا جددًا، وفي الكنيسيت المقبل ستتواصل هذه الظاهرة، مواقع التواصل الاجتماعي تستقطب الشفافية؛ الأمر الذي يحدث تغييرًا عميقًا في السياسة، على سبيل المثال القضايا التي كان ممكن إخفاؤها في الماضي عن أعين الجمهور تفتضح الآن وبضجة مجلجلة، ولقد حدث الأمر أكثر من مرة عبر الإعلام التقليدي مثل النشرات الإخبارية في التلفزيون، وإن كان الأمر كذلك فإن فضح هذه القضايا الآن يتسارع إلى جدل جماهيري واسع، غير واقعي، يدور على صفحات (فيسبوك) و(تويتر)".
واعتبر أنَّ "جوهر المقدرة على نشر خبر أو معلومة على الشبكة، في ثوانٍ معدودة، يسرع أيضًا نشرها عبر التلفزة، درعي مثلًا تفحص هذا الأسبوع طرقًا لوقف نشر (الشريط القنبلة) على المواقع، ولكنه تراجع عن الفكرة، بعد أن أدرك أنها حرب خاسرة، ناهيك عن الحديث عن القفزة التقنية التي مكنت أشرطة أخرى من تغيير جدول أعمال العالم، مثل ورشة التسجيلات الصوتية لمحادثات شولا زاكين الهاتفية، التي قضت على شعبية أولمرت".
وبيّن أنَّه، في أعوام معدودة، العملية السياسية الإسرائيلية غيرت وجهها، اللاعبان الجديدان لبيد وبينيت يستمدان قواهما من الجمهور مباشرة، ويجريان معه حوارًا مباشرًا، إلى جانب أحزاب "فيسبوك"، فيما تنهار أحزاب تقليدية، مثل "شاس" برئاسة درعي، ومستقبل "إسرائيل بيتنا" أيضًا، عقب قضية الفساد لا يبدو واعدًا.
وبيّن أنّه، في موازين القوى السياسية، والحال كذلك، تدور الكثير من الدراما، ومن الصعب إذًا التقدير في هذه النقطة مدى تأثير الضرر الذي ستتلقاه "شاس" وحزب ليبرمان، والأكيد أنها ستصبح أحزابًا صغيرة أكثر بكثير مما عهدناه، وليس واضحًا أبدًا أن توأمي الروح ليبرمان ودرعي يمكنهما الجلوس في المستقبل حول النضد الحكومي نفسه، وينسجون المآثر ويرسمون الخطط السياسية.
ولفت إلى أنَّ "نتنياهو أيضًا الناجي الأكبر في السياسة الإسرائيلية؛ يعيش فترة من التسوس، التي بدأت في أعقاب الاحتجاجات الاجتماعية، حتى وإن نجح في تشكيل الحكومة المقبلة، ففي النهاية يترأس حزبًا عجوزًا، معزولًا عن جماهير واسعة؛ في المقابل موشيه كحلون (حزب جميعنا)، الذي يتحدى (الليكود) نمى بالتزامن مع الاحتجاجات، ولكنه ترعرع في منظومة (الليكود) السياسية القديمة، ولكنه الشخص المختلف تمامًا، والذي يستمد قوته من متغيرات المرحلة، مثل لبيد وبينيت، كحلون أيضًا يستمد القوة من مواقع التواصل الاجتماعي، وبخلافهما فإنه لا يقيء على نفسه في صنابير الإعلام الحديث، ولكن أشخاصًا مثله ينجحون في اقتحام كلمة سر الشبكة".
واستطرد "لبيد، ومن كل الجهات، يعتبر معالجًا في هذا المجال منذ أن أقيل من وزارة المال، في الـ 2 من كانون الأول/ديسمبر، عاد ليكون أكثر نشاطًا على صفحة (فيسبوك)، عبر إجراء حوارات مباشرة مع المتواجدين على الموقع".
واستكمل "في الانتخابات السابقة أفلح لبيد في اختيار رسائله بطريقة دقيقة، عبر هذه المحادثات، الـ 19 مقعدًا التي حصدها كانت نتاجًا لهذا العمل، لذلك فشائعات انهيار (يوجد مستقبل) تعتبر سابقة جدًا لأوانها، فلبيد يعد إلى الآن لاعبًا مركزيًا، وحتى بعد الانتخابات المقبلة".
وأكّد معلم، في ختام مقاله أنَّ "بينيت على الأشرطة الفيروسية، وفي مقدمتها شريط الهواة، نجح هو أيضًا بهذه الطريقة في الوصول إلى الفئات الشبابية، في هذه الأثناء الثنائي هرتسوغ – ليفني أيضًا نجح في ركوب الموجة الجديدة، وبصورة معجزة، اعتبر هذا الثنائي القديم نسبيًا علامة تجارية حديثة، ولكن إذا فشل برنامجهم فمن غير المؤكد أنهما سينجوان بعدها بيوم، وفي شأن ليفني، التي كانت ما تزال تترأس حزبًا ذي 28 مقعدًا، فإن حزب (العمل) على ما يبدو هو المحطة الأخيرة لرحلتها، فالشبكات هي التي ستملي في الأعوام المقبلة الأبطال السياسيين الجدد".
أرسل تعليقك