كوالالمبور ـ كونا
تختلف أساليب الترغيب في تعلم وممارسة لغة ما على هذه البسيطة باختلاف المكونات الثقافية والفكرية لدى المجتمع وبما أن العربية تعد من اللغات الحية في العالم بات من الضروري انتشارها في العالم الإسلامي كلغة دين وفي العالم أجمع كلغة تجارة وتواصل بين الشعوب.
ويرى العديد من الأكاديميين في ماليزيا أن فن المناظرة هو الأسلوب الأمثل لنشر اللغة العربية وتعميمها في البلاد إذ يتعين على الطالب امتلاك ناصية اللغة.
ويلاحظ أن أغلب الطلبة المنخرطين في نشاطات المناظرة ينالون مراتب عليا في دراستهم ويحتلون مناصب مرموقة في المؤسسات العلمية والفكرية سواء الحكومية منها أو الخاصة.
وبما أن المناظرة تهدف بالدرجة الأولى إلى تنمية الفكر وصقل مواهب الخطابة وإثبات الرأي وتفنيده فقد وظفت في الجامعات الماليزية بشكل مناسب لتكون وسيلة فاعلة لإثراء قدرات متعلمي اللغة العربية وتنمية قدراتهم الإبداعية والفكرية وصقل مواهبهم وذلك من خلال تفعيل دور الأنشطة الطلابية التي يقوم بها الطلاب ليحققوا بذلك التكامل المعرفي بين الجانبين الأكاديمي الدراسي والتطبيقي.
واوضح المحاضر في معهد اللغة العربية إبراهيم الفارسي في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) أنه من خلال المناظرة يستطيع الطالب تحسين لغته وادائه بتطبيق القواعد النحوية التي درسها وتوظيف المفردات والألفاظ العربية في مواقف مناسبة لها كما تبني فيه روح القراءة خارج نصوص الكتب المقررة وذلك كله يؤدي إلى طلاقة لسان الطالب وخلق بيئة طبيعة للنقاش والحوار.
وأفاد الفارسي بأن بعض الجامعات قررت أن تكون المناظرة مقررة في الأقسام التي تدرس باللغة العربية كمادة غير منهجية معربا عن أمله بأن تكون مادة مقررة على الطلبة في أقسام اللغة العربية "لأنهم بحاجة إليها في أعمالهم المستقبلية وهم أولى بها من غيرهم من الطلبة".
وأشار إلى أن تعليم ونشر فن المناظرة في البيئة الماليزية أجدى وأنفع من فن الخطابة والذي يعد من الفنون المهمة في تعليم اللغة العربية حيث تعتمد على تنمية الحماسة والعاطفة والإثارة الوجدانية والحفظ وليس فيها ابتكار إلا في طريقة الأداء إضافة إلى اختفاء عنصر المداخلات والتفاعل.
ورأى أن "المناظرة تجمع مابين الطلاقة والإبداع في التفكير وتفنيد الحجج ولا تقتصر على طرح الحجج والأدلة والبراهين فحسب إنما تتعدى لتشمل التفاعل الديناميكي والإثارة والقدرة على إبطال الحجج وذلك يعطي المتناظرين الفرصة الحقيقة لإبراز قدراتهم الفعلية في اللغة العربية".
وذكر أن مسابقات ونوادي المناظرة في ماليزيا أنشأت جيلا من الماليزيين يمسكون حاليا بمبادرة المناظرة في الجامعات المختلفة حيث يقومون بتدريب طلبتها ما ساعد على انتشار فن المناظرة بين طلبة الجامعات وخلق جيل جديد من التفاعل في التحدث باللغة العربية.
من جهته أشار أستاذ اللغة العربية في جامعة (عزلان) شاه فواز عيسى قدح في تصريح مماثل ل(كونا) وهو أحد مدربي فن المناظرة إلى ضرورة نشر هذا الفن في أوساط الطلبة الماليزيين كونه يساعد على طلاقة اللسان وكسر حاجز الخوف والخجل لدى الطلاب كما يساعد على تفتح فهم واستيعاب الطلبة في أمور الحياة خارج الفصل الدارسي.
وأضاف قدح أنه لاحظ عمليا مدى توسع إدراك الطلبة والتفكير بشكل مختلف إلى حد ما في القضايا والموضوعات التي تثار أثناء المناظرات حيث يتعلم المناظرون كيفية التحليل والنقد والدفاع عن الأفكار والبرهنة بطريقة استقرائية واستنباطية كما تمكنهم المناظرات أيضا من الوصول إلى خلاصات وأحكام مبنية على حقائق أواستنتاجات سليمة مستقاة من معرفتهم وقناعاتهم.
ولفت إلى أن المناظرة فن مرغوب لدى الماليزيين في دولة تمارس الديمقراطية لاسيما في جلسات البرلمان المحلية حيث تنقل القنوات التلفزيونية تلك المناظرات مباشرة الهواء مضيفا بأن هذا الشعب متأثر بثقافة المناظرة باللغة الماليزية ويجب أن نستفيد من هذه النقطة في تنمية مواهب الطلبة وإمكانياتهمفي المناظرة باللغة العربية.
وأشار إلى أن وجود الطلبة العرب في الجامعات الماليزية وانخراطهم مع الماليزيين يساعد كثيرا في تنمية مهارات اللغة العربية مطالبا العرب المتقنين للحديث بالفصحى ممارسة اللغة مع الماليزيين والبعد عن العامية قدر المستطاع معتبرا العربية لغة المسلمين في جميع أصقاع هذا الأرض وليس العرب فقط وهي لغة القرآن.
من جانبها قالت الطالبة سيري روهايو وهي عضو نادي المناظرة باللغة العربية في ماليزيا ل(كونا) بأنها استفادت من فن المناظرة في كيفية استقراء وتمحيص الافتراضات والإعراب عن وجهات النظر بطريقة علمية ومدروسة وبصورة صريحة وواضحة وبثقة مطلقة بالنفس.
وقالت روهايو "لقد تحسنت لغتي العربية كثيرا لأن الدراسة داخل الفصول مختلفة تماما عن أجواء التدريب في المناظرة حيث نقوم بممارسة اللغة العربية بعفوية تامة ومن دون تكلف ونقوم بتوظيف مفرداتنا بالشكل الصحيح إضافة إلى ذلك تشجعنا المناظرة على الرد والتفكير الإبداعي بشكل عفوي ومباشر ونحاول بقدر إمكانياتنا إيصال رسالتنا للجمهور وحكام المناظرة".
وأكدت أنها أصبحت الآن قادرة على الحوار والنقاش باللغة العربية مع زميلاتها وزملائها داخل الفصل وخارجه الأمر الذي زرع فيها روح فريق العمل من خلال تبادل الأفكار واحترام الآراء في حال ارتفاع حدة النقاش وكذلك التفاعل مع وجهات النظر المختلفة والرد عليها بطرق مدروسة.
وتعرف المناظرة بأنها كلمة مشتقة من (نظر في) بمعنى تمعن وأمعن النظر والمناظرة فن الحوار والقول القائم على البصيرة السليمة والفكر المنطقي حول موضوع قابل للجدل والقيام بمناقشته من خلال تقديم الحجج المقنعة والدفاع عن الرأي ومقارعة الحجة بالحجة.
والمناظرة فن قديم معروف عند العرب أحيت من جديد مع ظهور المعتزلة القديمة وهي طائفة جدلية ظهرت في العصر العباسي للرد على مناهضي الإسلام خصوصا أولئك الذين أسلموا حديثا فبدأت المناظرة بين هاتين الفئتين لكنها لم تأخذ حقها في الوقت الراهن على شكل مسابقات أكاديمية في بعض الدول.
واستمدت ماليزيا فكرة المناظرة باستراتيجياتها الحديثة والمعاصرة من مسابقات المناظرات التي كانت تقام في الجامعات البريطانية حيث بدأت الجامعات الماليزية في مستهل التسعينيات بالتناظر باللغة الإنجليزية ثم توسعت إلى اللغة الملايوية ومن ثم اللغة العربية.
وتجرى المناظرات في ماليزيا بوجود فريقين متناظرين وهما فريق المعارضة وفريق الحكومة داخل قاعة أشبه ببرلمان مصغر حيث يشمل أعضاء فريق الحكومة المكون من رئيس الوزراء ووزيرين في حين يشمل فريق المعارضة زعيم المعارضة ومعارضين آخرين.
ويشترط خلال المناظرة الالتزام بالوقت المحدد واستخدام اللغة العربية الفصحى المعاصرة وعدم الاعتماد على القراءة من نص مكتوب وعدم الخوض في القضايا الحساسة سياسيا والالتزام بالموضوعية والجدية وعدم استخدام الآيات القرآنية في الجدال أثناء التناظر ويكتفى بالاستدلال العقلي.
أرسل تعليقك