دمشق - سانا
يحاول المؤلف والباحث والناشر رسلان علاء الدين أن يقدم نمطا جديدا في البحث الثقافي والعلمي في إطار اهتمامه في مسألة التنظيم الإداري وسبل تطويره وآليات تجاوز التخلف في هذا المجال هذا إلى جانب عمله كناشر للكتب ومهتم بالشأن التوعوي والثقافي في المجتمع.
ويرى علاء الدين أن البحث العلمي وخاصة في العلوم الإنسانية يتضمن جوانب وثيقة الصلة بالنفس الإنسانية ومكنوناتها وبالمجتمع البشري والقوى الفاعلة فيه وبما أن الإدارة علم وثيق الصلة بالإنسان والمجتمع فقد بات هذا البحث في العلوم الإدارية في صلب مشكلات وهموم الإنسان مبينا أن الأسلوب الأكاديمي في البحث والتأليف يحمل صفات الصرامة العلمية أكثر من الميل الأدبي.
وأوضح علاء الدين في حديث لسانا حول مشروعه أن هذا البحث هو محاولة متواضعة للتأطير النظري لتطوير نظريات التنظيم تاريخيا من جهة واظهار أحدث ما توصل إليه علم الإدارة في مجال التطوير التنظيمي من جهة ثانية كما هو محاولة لمواجهة حالات الفساد والتخلف الإداري بالسلاح الأقوى الذي نمتلكه ألا وهو العلم.
وفي هذا الإطار اعتقد أن المشكلة ليست في الأشخاص فقد نأتي بشخص تاريخه نزيه ونضعه في منصب إداري معين فإذا به ينجر نحو سلوكيات الفساد الإداري حيث ان خصائص التنظيم الإداري هي التي تحدد إلى حد بعيد سلوكيات الأفراد في المؤسسات فالتنظيم الإداري الحديث والعلمي يحارب الفساد بشكل منهجي مستمر ويلغي معظم مفاعيله وذلك بشكل عميق ومتدرج بعيداً عن الحلول الراديكالية وردود الأفعال.
وأوضح علاء الدين أن الابتكار والابداع سمة مرافقة لأي نشاط إنساني حيث يبدأ السلوك الإنساني بالتقليد فالتجريب فالابتكار وفي أغلب العلوم يسعى الباحث إلى جمع التجارب السابقة في حقله أو مجال بحثه ودراستها ومن ثم مقارنتها مع الواقع ومحاولة الإضافة إليها "وباعتقادي لو أن كل بحث علمي أضاف اليسير إلى المعرفة الإنسانية فسيكون قد حقق الغايات المرجوة منه".
وعن رأيه في تداول ورواج الكتاب قال مدير دار رسلان للطباعة والنشر والتوزيع يمكن أن نميز عدة اتجاهات تلقى رواجاً في عالم الكتاب وأهمها الكتاب الأدبي والكتاب العلمي الأكاديمي وكتاب الأطفال وغيرها وكل من هذه الاتجاهات لها أسباب رواجها ويمكن أن نحدد حقل الرواية وخاصة الرواية المترجمة ضمن حقل الكتاب الأدبي الأكثر طلباً.
ولعل من أسباب زيادة الاهتمام بالكتب العلمية الأكاديمية بحسب رسلان هو تطور وزيادة أعداد الجامعات وطلاب الدراسات العليا في العالم العربي ما ساهم في الإقبال على الكتب العلمية المتخصصة كما أن زيادة وعي الأسرة بأهمية تعلق الأطفال بالقراءة ساهم في زيادة الإقبال على كتاب الطفل أما الكتاب الديني فإن رواجه لم يكن نتيجة أسباب إيجابية كالتي ذكرناها سابقاً بل بسبب ردة فكرية حصلت في التسعينيات من القرن الماضي بسبب انهيار التجارب الاشتراكية.
وتابع علاء الدين.. نلاحظ من خلال نشاطنا في النشر في أغلب الدول العربية ومشاركتنا بشكل مباشر ودائم في معارض الكتاب المقامة فيها أن هناك نخباً ثقافية عربية بدأت بالتشكل والتبلور في كافة الدول العربية ونلاحظ أنها تتشارك نفس التطلعات والهموم ما يدفعنا للقول ان المشهد الثقافي العربي مع خصوصية كل دولة هو مشهد واحد وإن "الواقع الاقتصادي في بعض الدول العربية وبخاصة الخليج العربي ساهم في زيادة اقتناء الكتاب وظهور فئة من المؤلفين هناك خاصة في مجال الرواية والشعر الشعبي كما أن تأسيس عدد كبير من الجوائز والمسابقات والبرامج في هذه الدول ساهم في إنعاش النشاط الثقافي "مع تحفظي الكبير على طريقة "إدارة هذا النشاط ومدى الموضوعية والمهنية في تكريم بعض الأعمال والكتاب " ولعل الزمن خير اختبار لها، حيث تلمع الأسماء في هكذا مناسبات ثم لا تلبث أن تختفي ولا تعود تظهر وهذا بسبب عدم أصالة العديد من التجارب الابداعية التي تم تكريمها.
وعن متابعته لطباعة روايات وكتب بلغة مزدوجة قال علاء الدين إن التوجه نحو فئة الناشئة لم يأت بالصدفة فهناك نقص كبير في المكتبة العربية ضمن فئة كتب الناشئة مقابل الاهتمام بكتب الأطفال وكتب الكبار وإن سلسلة الروايات العالمية المبسطة التي قمنا بطباعتها تندرج ضمن هذا التوجه هذا من جهة ومن جهة أخرى لدي قناعة بأهمية تطوير اللغة العربية واللغات الأجنبية بشكل متوازن لدى القارئء العربي حيث نلاحظ أن الاهتمام باللغة العربية على حساب اللغات الأجنبية أو العكس له نتائج سلبية.
ومن هذه النتائج السلبية ما نلاحظه من طغيان اللغة الفرنسية على الحقول العلمية في دول المغرب العربي وطغيان اللغة الانكليزية على الحقول العلمية في دول الخليج العربي و "لايوجد في الوطن العربي دولة واحدة تدرس كل العلوم باللغة العربية سوى سورية "موضحا أنه رغم إيجابية هذا التوجه يعاب على الخريجين من الجامعات السورية الضعف في اللغات الأجنبية وبالأخص الإنكليزية والفرنسية ومن هنا توجهنا لتطوير اللغة العربية واللغات الأجنبية لدى القارئ بشكل متوازن.
أما عن كتب التاريخ والتراث بين مدير دار رسلان إن طباعة كتب التراث في الأغلب يكون موجهاً إلى مناطق محددة أو فئات معينة فقد طبعنا كتباً عن تاريخ دمشق وحمص وجبل العرب ومناطق سورية عديدة أخرى إضافة إلى كتب عن حقب تاريخية مختلفة كمرحلة العثمانيين أو المماليك أو التاريخ القديم في حقبتي الآشوريين والبابليين كما تطرقنا إلى تراث القوميات التي تغني واقع الشرق العربي بثقافاتها وتقاليدها المتنوعة.
ولفت علاء الدين إلى أن نجاح مشروع دار النشر يحتاج إلى مهنية عالية من قبل مالكيه والقائمين على إدارته بالإضافة إلى توظيف موارد كافية وتنميتها باستمرار إضافة إلى استقطاب النوعيات المميزة من الكتاب حيث لا يمكن لدار نشر عربية أن تنجح في سوقها المحلية فقط اذ لا بد من جودة عمليات الإنتاج وتكاملها من إخراج وتدقيق لغوي وتصميم فني وتجليد وطباعة راقية ولعل من أهم النقاط المؤدية للنجاح امتلاك القائمين على دار النشر رؤية استراتيجية على قاعدة تراكم التغيرات الكمية يؤدي إلى تغيرات نوعية.
وعن تردي الحالة الثقافية العربية بين علاء الدين إن عدم اهتمام الأسرة بثقافة الطفل والتركيز على تحصيل المناهج المدرسية فقط يؤدي إلى حالة من المتعلمين غير المثقفين فالبرغم من نيلهم شهادات عليا في تخصصاتهم يعانون من ضحالة الثقافة وبذلك يسهل غسل دماغهم بأي إيديولوجيا لعدم امتلاكهم الحصيلة الثقافية التي تحصن الإنسان في وجه الضغوط الفكرية لافتا إلى أن اعتماد المدارس على التلقين والحفظ الأوتوماتيكي وعدم التركيز على التنمية الشاملة لثقافة الطفل والتي تعتمد على مطالعاته الخاصة سواء في مكتبة الصف أو مكتبة المنزل أو مكتبة المدرسة والمكتبات العامة تجعل مخرجات المدارس ذا حصيلة ثقافية متدنية موضحا أن القراءة تصنع الخيال والخيال هو أساس الابداع فلا إبداع دون خيال.
وفي إطار التقنيات الحديثة يمكن أن نؤكد أن دار النشر تتخصص في إنتاج وبيع الوسائل المعرفية بغض النظر عن شكلها الورقي أو الإلكتروني أو المرئي أو السمعي ولا أتفق كثيراً مع مقولة أن الإنترنت قد أخذ دور الكتاب فالإنترنت أخذ وظيفة واحدة من وظائف الكتاب وهي الحصول على معلومة سريعة عن شيء ما ولكن وبعد تجارب عديدة اقتنع الباحثون بجدارة الكتاب الورقي وموثوقيته الأعلى في مجال البحث العلمي وفي مجال التعليم، كما أن عشاق قراءة الكتب الأدبية لم يتحولوا إلى الكتب الإلكترونية إلا بنسبة ضئيلة.
وإذا كان هناك تراجع في الطباعة والنشر والتوزيع خلال الأزمة أشار علاء الدين إلى أنه لا شك اننا نمر بواقع صعب.. أزمة إقليمية وصراع دولي اتخذ ذروته في هجمة الإمبريالية والرجعية على سورية منها صعوبات النقل المتزايدة وتأمين المواد اللازمة لنشاط دار النشر وتصدير الكتب والمشاركة في المعارض الخارجية وارتفاع تكاليفها إضافة إلى صعوبة الحصول على التأشيرات لسفر المندوبين.. لكن ما يؤسفنا موقف السعودية لأنها الدولة الوحيدة التي منعت الناشرين السوريين من المشاركة في معرض الكتاب لديها وذلك للسنة الثالثة على التوالي مع العلم أن كل الدول العربية الأخرى وبغض النظر عن مواقفها السياسية لم تمنع الناشرين السوريين من المشاركة في معارض الكتاب القائمة فيها.. ومع هذا الواقع الصعب فإن السياسة الهادفة في العمل وتوسيعه المستمر وتمكين أركانه سمحت لدار مؤسسة رسلان بتخطي الجزء الأكبر من صعوبات الأزمة وزيادة حجم نشاطها بشكل متسارع.
ولفت إلى أن الدار أصدرت في العام الفائت نحو خمسين عنوانا أبرزها موسوعتان مصورتان عن الحرب العالمية الأولى والثانية مع دراسة وتحليل قيم جداً اضافة إلى عدد من مجلدات موسوعة أعلام الشعر العربي الحديث التي بلغت أربعة عشر مجلدا كما صدر كتاب حواري مع المفكر والشاعر السوري أدونيس بعنوان "خطوة نحو أدونيس" والعديد من الدراسات الأدبية منها جمالية الخبر والإنشاء وتجليات النكبة والمقاومة للدكتور حسين جمعة وذلك في إطار مشروع الدار لإصدار الأعمال النقدية الكاملة للدكتور حسين جمعة.
يذكر أن الباحث رسلان علاء الدين حائز على شهادة إجازة في الاقتصاد ويحضر رسالة دكتوراه حاليا حول الإصلاح الإداري في المؤسسات وهو عضو اتحاد الناشرين العرب في القاهرة وعضو اتحاد الناشرين السوريين وعضو في غرفة الصناعة والتجارة بدمشق وله العديد من المؤلفات منها التنظيم الإداري وسبل تطويره.
أرسل تعليقك