دمشق - سانا
تساهم دراسة الشاعر ناقدا للدكتور فاروق اسليم في إبراز رؤية أبي العلاء المعري ولسان الدين بن الخطيب في الإبداع الشعري ووظيفته حيث ربط وطابق بين وجهات النظر القديمة عند كل منهما في حقيقة الإبداع الشعري ليثير حول هاتين الشخصيتين كثيرا من الأسئلة التي تكشف مدى قدرتهما على الشعر والنقد معا.
يرى الدكتور اسليم وهو رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في إدلب وعميد كلية الآداب أن الشعر هو شكل تعبيري أكثر أولية من النثر ومن هنا تبدو نشأة لغة الشعوب البدائية شعرية غالبا وأن الإنسان قبل استخدام المصطلحات التقنية يستخدم المجازات وهذا يعني أن ما أصبح يعد تعبيرا فنيا شعريا كان في الزمن القديم جدا ضربا من لغة الحياة المعيشة لذلك يمكن أن نقول إن نقد الشاعر لنفسه أو لشعر غيره كان في مراحله الأولى نقدا إبداعيا شعريا وشفويا.
يعتبر اسليم أن النظر في تاريخ الإبداع الشعري ونقده يبرز وجود مبدعين متفوقين في إبداع الشعر ونقده معا ولا سيما في العصر الحديث إذ يمكن القول ان كل شاعر متفوق هو ناقد للشعر وذلك لأن التميز في الإبداع الشعري لا يتأتى لشاعر معاصر إن لم يكن مثقفا ثقافة موسوعية عامة وشعرية خاصة إضافة إلى التفاعل مع المجتمع الذي ينتمي إليه.
وفي مقابل ذلك بحسب اسليم ربما يكون ذو الموهبة الشعرية اليسيرة إذا امتلك مؤهلات النقد الفكرية والذوقية أكثر قدرة على نقد الشعر من ذلك الفنان العظيم فقد نجد عالما في الشعر غير أنه لا يمتلك إلا قدرا يسيرا من الموهبة لا يتجاوز دائرة النظم العقلي كالخليل بن أحمد الفراهيدي وهو واضع علم العروض للشعر العربي وعالم في اللغة والنحو كان عندما يحاول أن يكتب شعرا يأتي متكلفا رديء الصنعة كما قال عنه ابن قتيبة.
إلى أن جاء العصر العباسي يقول الدكتور فاروق اسليم في كتابه حيث تنامت ظاهرة اهتمام الشعراء بنقد الشعر كثيرا إلى جانب استمرارية بروز ظاهرة نقد الشعر بالشعر وقد كان لأبي تمام قصب السبق في ذلك ثم تلاه تلميذه البحتري لكن الظاهرة الأكثر أهمية في مجال نقد الشعر تمثلت في ظهور الشاعر المثقف الموسوعي الذي تجاوز ظاهرة نقد الشعر بالشعر كما كان عند أبي تمام والبحتري إلى الكتابة في قضايا الشعر ونقده وقد برز في هذا المجال أبو العلاء المعري على نحو لا يجاريه أحد من جهة اقتداره شعرا ونقدا.
كما برز في المغرب العربي لسان الدين بن الخطيب الذي قارب المعري من جهة الثقافة الموسوعية غير أن لكل منهما موقف حياة مغايرا للأخر فانصراف المعري عن شوءون السياسة يقابله انصراف ابن الخطيب إليها حتى احترق بنارها حيا وميتا.
ولفت اسليم إلى أن المعري وابن الخطيب من العلامات الفارقة في تاريخ الثقافة العربية وأن في موقف كل منهما من الشعر ما يضيء جوانب من شخصيته وما نتعرف به إلى بعض جوانب الثقافة العربية الذي تبوء فيها الشعر مكان الصدارة حتى وصفت بأنها ثقافة شعرية.
وفي الكتاب بدأ ظهور الشاعر الناقد عند العرب بأحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي أبي العلاء المعري ومن المعالم البارزة في نقد المعري للشعر شرحه لديوان المتنبي المسمى معجز أحمد ولديوان البحتري المسمى عبث الوليد إضافة إلى الآراء النقدية المهمة جدا التي بثها في رسالة الغفران وما صنعه في شرح لديوانه سقط الزند وسماح ضوء السقط إضافة إلى مقدمة نقدية لهذا الديوان تتضمن أيضا كثيرا من الآراء النقدية شعرا.
كما شهد الزمن العربي ولادة مبدع مهم في مجال الشعر ونقده إضافة إلى ثقافته الموسوعية الواسعة هو محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني الأنصاري الشهير بلسان الدين بن الخطيب فهو واحد من الأدباء والشعراء المتفوقين وكانت له منزلة هامة في عصره على صعيد السياسة والفكر والتاريخ وتصنيفه شاعرا وناقدا .
وأشار اسليم في كتابه إلى أن لسان الدين بن الخطيب من أسرة عرفت بالاشتغال بالسياسة فكانوا يعرفون ببني الوزير ولقب الخطيب بذي الوزارتين السيف والقلم وبذي العمرين لاشتغاله بالتصنيف في ليله وبتدبير المملكة في نهاره وقد ترك لنا أكثر من خمسين كتابا في صنوف مختلفة من العلوم وإبداع الشعر ونقده.
أما أبرز مؤلفات ابن الخطيب في العلوم فله في التاريخ الإحاطة في أخبار غرناطة وفي مجال الشعر ونقده فأبرز ما ترك من الآثار كتاب السحر والشعر وديوانه الصيب الجهام والماضي والكهام حيث حظيت اثاره بعدد من البحوث والدراسات المهمة.
ورأى اسليم أنه ثمة مشترك بين المعري وابن الخطيب فالمعري بسط في ديوانه سقط الزند كثيرا من الآراء النقدية للشعر شعرا كما أنه صنع للسقط مقدمة نقدية وخص كثيرا من نصوصه بمقدمات تسهم في إضاءتها ونقدها ونجد مثل ذلك في ديوان لسان الدين ابن الخطيب مع ملاحظة أن كليهما قد أخضع ديوانه للتهذيب وأنه ضمنه نتاج عشرات السنوات من الإبداع الشعري.
يضيف اسليم أن صنعة ابن الخطيب لديوانه هي جهد نقدي وتاريخي من جهة الاختيار والترتيب إضافة إلى الاضاءات التي تقدمها ديباجات النصوص الشعرية فقد تضمنت إشارات تاريخية وأحكاما نقدية محددة بمصطلحات البلاغة غالبا بينما أشارت مقدمة الديوان إلى بواعث صنعته ومراحلها.
يذكر أن الدكتور اسليم من مواليد إدلب سنة 1953 عضو جمعية البحوث والدراسات حصل على تعليمه الأولي في ادلب والعالي في جامعة حلب كتب العديد من المقالات والدراسات الأدبية والفكرية ونشرها في الصحف والدوريات العربية في سورية وخارجها.
من مؤلفاته وتحقيقاته شعر ضرار بن الخطاب الفهري 1990- الإدغام الكبير لأبي عمرو بن العلاء تحقيق- شعر قريش في الجاهلية وصدر الإسلام 1997- شرح ديوان ابن الرومي الجزء الثاني 1998 -الانتماء في الشعر الجاهلي اتحاد الكتاب العرب 1998 -الفروسية والمناصب الحربية تحقيق عام 2007 وغيرها.
أرسل تعليقك