بیروت ـ إرنا
«الکبار یموتون والصغار ینسون»، مقولة أطلقها أول رئیس وزراء للکیان الصهیوني دافید بن غوریون، وعول علیها هو وآخرون ممن خططوا لانتزاع فلسطین من أصحابها وسلخ أبنائها عنها وتزویر تاریخها وتغییر هویتها وتدمیر معالمها وإقامة الکیان الصهیوني علی أنقاضها.
66 سنة علی نکبة فلسطین والفلسطینیون یزدادون تعلقًا بوطنهم
زوروا الحقائق زعموا أن موطن الأنبیاء ومهبط التوراة ومهد عیسی وقبلة المسلمین الأولی ومسری النبي محمد (ص)، وأرض الرسالات بکل تاریخها وحضارتها «أرض بلا شعب»، وأن الیهود شعب بلا أرض لیسوقوا مقولة زعمهم «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، تواطؤوا في بال بسویسرا حیث وضع لهم ثیودور هرتسل أسس عدوانهم منذ العام 1897، حصلوا من آرثر بلفور علی وعد مشؤوم ممن لا یملک لمن لا یستحق (1917).
کفافیش اللیل تسللوا إلی قلب العروبة ونبض الإسلام سرقوا موطئ قدم، زاحموا أهل الأرض وأصحابها علی موطنهم، انطلقوا في إجرامهم لاقتلاع شعب فلسطین بالمجازر والمذابح والترهیب والتهجیر والتفتیت.
تفننوا بسفك الدم، قتلوا شیوخًا نساءً أطفالاً.. بقروا نساء الحوامل ذبحوا الأطفال نحروا الکبار فکان مجدهم مذابح في: قریتی بلد الشیخ 31 كانون الأول 1947ـ قریة سعسع 14 ـ 15 فبرایر 1947، رحوفوت 27 شباط 1948، کفر حسینیة 13 آذار 1948، بنیامیناه 27 آذار 1948، دیر یاسـین 9 نيسان 1948، ناصر الدین 14 نيسان 1948، تل لتفنسکی 16 نيسان 1948، حیفا 22 نيسان 1948، بیت داراس 21 أيار 1948، اللد أوائل تموز 1948، الدوایمة 29 تشرين الأول 1948، یازور كانون الأول 1948.
ارتکبوا الفواحش، هتکوا الأعراض، نشروا الرعب کجثث الشهداء فی الشوارع، شعب فلسطین وحیدًا بین أخ متآمر وأخ تخلی عنه، لا خیار له إلا هذا المصیر أو الهجرة والرحیل.
فلسطین 1948 باتت یتیمة، صار سهل علی الوحش القادم من خلف البحار أن یستفرد بها یعیث فیها قتلاً فسادًا ودمارًا أعلن ولادة کیانه المسخ علی أرضها 15 أیار/مایو 1948 وسماه «إسرائیل».
ومع ولادة هذا المسخ بدأت سلطات الاحتلال الصهیوني مرحلة جدیدة فی فلسطین تقوم علی تدمیر المجتمع وبنیته وتقطیع أوصال الشعب والتفریق بین عائلاته استهدفت التاریخ والاجتماع والثقافة والحضارة وحتی اللغة دمرت مدنًا وقری أزالت مساجد وکنائس وشوارع ومیادین، وحتی المقابر، لتمحو من ذاکرة الفلسطینیین فلسطینه، لا شیء في فلسطین اسمه فلسطین حتی الفلسطینیین صار اسمهم «عرب 48».
رحل مئات الآلاف من الفلسطینیین بل الملایین تشتتوا في أصقاع الأرض وأربع ریاحها، حل قسم کبیر منهم ضیوفًا علی لبنان وسوریة والأردن وتوزع آخرون علی بقیة الدول غربًا شرقًا شمالاً وجنوبًا، أقاموا في مخیمات مؤقتة علی أمل العودة قریبًا ربما تطول مدة الإقامة المؤتقة أسابیع أو أشهرًا معدودات... سنوات تتبع سنوات، عشرة... عشرون... ثلاثون... ستون .. ستة وستون سنة.. مات الکبار وکبر الصغار، لکن أمل العودة لا یخبو، لا یزال یشع في أکواخ اللاجئین الفلسطینیین ومنازلهم المؤقتة في مخیمات: مار الیاس (بیروت) صبرا وشاتیلا وبرج البراجنة (الضاحیة الجنوبیة لبیروت) عین الحلوة، المیة ومیة، الرشیدیة، البرج الشمالي، والبص (الجنوب) الجلیل (بعلبك)، نهر البارد والبداوی (شمال).
بعض اللاجئین لا یزال یحتفظ بمفاتیح بیته ومستندات ملکیتها ووثائق وحجج بلدیة مخطوطة بخط الید اشتری بها أرضه، وآخرون یحتفظون بقصاصات ورقیة وبقایا وصیة تؤکد حقه في إرث والده أو جده في أرض أو بیت أو حتی شجرة.
نعم نجح الصهاینة بتدمیر المجتمع الفلسطیني هجروا شعبه وشتتوه في أصقاع الأرض، غیروا معالم الوطن سرقوا کل شیء، أتوا بهجین شعوبي من مختلف دول العالم لیستوطنوا مدن فلسطین علی أنقاض تاریخها وشعبها ، لکنهم لم یتمکنوا من کسر إرادة هذا الشعب، وصموده وبقیت الأرض هي الأرض، والصهیوني لا یزال مستعمر أو مستوطن، والفلسطیني لاجئ ینتظر العودة.
حین تدخل إلی مخیم فلسطیني تسأل بعض الشبان عن اسمائهم وهویاتهم، لا یتردد لحظة ابدًا یقول: فلسطیني من حیفا.. من یافا.. من اللد.. رغم أن هؤلاء ولدوا في المخیمات ولم یروا أرضهم ووطنهم ولو من بعید..
یحیی الشعب الفلسطیني في الـ15 من الشهر الجاري الذکری السنویة السادسة والستین لنکبة فلسطین في داخل الأراضي الفلسطینیة المحتلة وبلاد الشتات ومنها لبنان، عبر سلسلة نشاطات في مخیمات اللاجئین علی امتداد الأراضي اللبنانیة تشمل اعتصامات ومسیرات واحتفالات جماهیریة إضافة إلی نشاطات فنیة تتضمن عروضات تمثیلیة ومعارض صور ورسومات من وحي المناسبة تجسد واقع الاحتلال الصهیوني وجرائمه بحق الشعب الفلسطیني.
تعتبر «مسیرة العودة» إحدی أبرز هذه النشاطات، وقد أطلقتها الفصائل الفلسطینیة منذ عدة سنوات عبر تنظیم مسیرات شعبیة في بلاد الشتات لا سیما في لبنان وسوریة، کان أولها في العام 2011 عندما وصل آلاف الفلسطینیین معظمهم من الشبان إلی «حدیقة إیران» في بلدة مارون الراس المحاذیة للحدود الفلسطینیة في جنوب لبنان، حینها لم یتمالك الشبان أنفسهم عندما رأوا وطنهم محاطًا بالأسلاك الشائکة وخلفها دوریات لقوات الاحتلال الصهیوني وجنود ینتشرون في البساتین فاطلقوا یحاولون خلع الأسلاك الشائکة غیر آبهین برصاص العدو الذي انهمر علیهم، سقط 11 شهیدًا وأکثر من 112 جریحًا والنتیجة فشل مقولة بن غوریون «الکبار یموتون والصغار ینسون».
66 عامًا مرت علی نکبة فلسطین فیما ذاکرة الشعب الفلسطیني.. إرادته.. هویته.. علاقته بأرضه ووطنه.. لا تزال أقوی من مقولة بن غوریون.. فلسطین هي فلسطین، لم تتغیر هي قلب العروبة ونبض الإسلام وقضیة الأمة.
أرسل تعليقك