دمشق - سانا
يشكل الإخراج المسرحي لدى المخرج مأمون الخطيب المتعة الأكبر لكونه اختصاصه الذي اختاره عن حب وقناعة وهو الأقرب إلى قلبه وعقله لما فيه من متعة التواصل اليومي مع عوالم النفس البشرية وخلق لحظات إبداعية مثيرة وخاصة في أوقات البروفة اليومية ومتعة تقديم العمل للمشاهد مباشرة.
وكان المخرج الخطيب قدم للجمهور السوري مؤخرا مسرحية نبض التي تطرقت إلى الأزمة في سورية بأسلوب بعيد عن التقريرية فكان مفسرا ومحللا للأسباب والظواهر التي أدت إلى نشوب هذه الأزمة الفكرية والإنسانية.
ويعتبر الخطيب في حديث لـ سانا أن أي مجتمع إنساني بحاجة للمسرح بما يحمله هذا الفن من تنوير معرفي في كل مناحي الحياة ولكن في وقت الأزمات تصبح الحاجة له أكثر إلحاحا لأنه يساهم في تشكيل وعي ثقافي وسياسي ومعرفي.
ويوضح صاحب عرض نبض أن المجتمع السوري بحاجة الآن لمسرح يفسر ويحلل له الأسباب والظواهر التي أدت إلى نشوب هذه الأزمة الفكرية والإنسانية مبينا أن هذه المهمة كان يجب أن يضطلع بها المسرح في فترة ما قبل الأزمة كي لا نصل لما وصلنا إليه الآن.
ويؤكد الخطيب أنه ليس من الصواب طرح الأزمة التي تعيشها سورية في المسرح بشكل تقريري أو انفعالي فهذا النمط يصلح لفنون أخرى غير المسرح مبينا أن مرور أكثر من ثلاث سنوات على الأزمة يمكننا من تلمس الآثار الإنسانية التي أحدثتها هذه الأزمة على البشر من فقدان وخوف وألم إنساني.
ويشير إلى أن تقديم صورة الشرخ الإنساني الذي وجد في كينونة الإنسان السوري ومقاربة الواقع المتشظي والأليم في المجتمع جراء الأزمة يأتي في المسرح عن طريق طرح هذا الواقع بشفافية وسوية فكرية عالية بعيدا عن الانطباع والموقف الشخصي.
وأكد صاحب عرض "بئرالقديسين" أن على المسرح أن يبتعد عن العمل الدعائي في ظل الأزمات وعليه العمل ضمن الفكر الإنساني بعيدا عن الشخصنة مبينا أنه عندما يتم التكلم عن آلام البشر من دون تحيز يكون المسرح قد قارب الواقع الأليم للمجتمع.
وأشار إلى أنه اعتمد في نسج عرض نبض على الحالة الإنسانية العالية للخاسر الأكبر في هذه الحرب العبثية وهي الأم السورية بما تحمله من رمزية لسورية الوطن فهي الشهيد الحي الذي بقي ليروي مأساة وهول هذه الحرب القذرة.
وأضاف من ناحية الحدث في عرض نبض اعتمدت الواقع المرير الذي لم نستطع مجاراته بشكل دقيق وذلك لشدة قسوته وامتلائه بأحداث أقسى مما يتصوره أي عقل بشري أما الرؤية الإخراجية فقد ساعد الحدث على تكوينها بالإضافة إلى طريقة العمل الجماعية مع كل العناصر الفنية المتممة للعرض المسرحي.
ويوضح كاتب ومخرج عرض نبض أن النجاح الذي يلاقيه العمل يأتي من خلال ملامسة الألم الإنساني الذي نعيشه والحزن الكبير والألم والفقدان والخسارة لكل سوري مبينا أن فكرة النص إنسانية بحتة وتصلح لكل وقت يحمل الأزمات والمآسي والحرب وليست مخصصة لهذه الأزمة فقط.
وعن دلالة اسم فادي كابن لسيدتين في العرض من بين الأمهات الثلاث قال الخطيب إن دلالة الاسم لا تخفى على أحد وأردت منه الدلالة على أن كل أبناء سورية يجب أن يكونوا فداء للبلد ولذلك تتكرر الكلمة على لسان الأم "فدا.. فدا" فإحداهما تخسر أبناءها الثلاثة والأخرى تفقد ابنها الوحيد ومع ذلك استمر النبض.
ويشير الخطيب إلى أن العمل في المسرح أثناء الأزمة كان أمرا صعبا جدا بسبب الظرف الاستثنائي الذي نعيشه مبينا أن المسرح القومي كمؤسسة لم يتوقف تقريبا عن العمل رغم صعوبة تقديم عمل مسرحي متكامل مبينا أن كل من قدم عملا مسرحيا وقال ما لديه في هذه الظروف يستحق التحية.
ويعترف صاحب عرض "الأقوى" أن المسرح السوري الآن ليس بخير فالمسرح مؤسسة ثقافية متطورة يجب أن تتبع قوانين دينامية تحاكي تطورالحياة وهناك معاناة من أزمة قوانين قديمة بالية في آلية إنتاج العرض المسرحي وطريقة التعاطي مع العاملين في هذا الفن الراقي.
ويشكك بوجود آفاق مستقبلية للمسرح السوري ما لم يتخذ قرارا واضحا وصريحا بأن الثقافة كالخبز وأن المسرح من أهم أركان هذه الثقافة مبينا أن الجميع بانتظار قرار لدعم المسرح يساوي ذلك القرار الذي رفع الدراما السورية إلى سويات متطورة.
واعتبر أن المسرح في سورية يفتقد إلى وجود نقاد مسرحيين يعملون بشكل علمي وباسلوب نقدي فني وموضوعي بعيدا عن الحكم الانطباعي أوتقييم عام على حد تعبير الخطيب.
وأشار صاحب عرض "كلهم أبنائي" إلى أنه ما زال يعمل بشغف وكأنه يقدم في كل عرض جديد تجربته الأولى وأن لديه الكثير ليقدمه ويقوله مبينا أنه اكتسب تجربة غنية على الصعيد الإنساني والمعرفي من كل التجارب المختلفة التي عمل عليها وقدمها سواء في المسرح أو السينما أو التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية.
واعتبر أن تدريس طلاب التمثيل يساعد على التواصل مع الفكر الجديد الطازج لدى الشباب ويحفز على متابعة المعرفة من خلال البحث المستمر عن الأفضل في الأفكار والكتب والمراجع الجديدة.
يذكر أن مأمون الخطيب حاصل على دبلوم إخراج مسرحي من جامعة الثقافة الروسية عام 1994 وهو مخرج في المسرح القومي الذي قدم عبره العديد من العروض منها "بئر القديسين-العنزة العنزوية-الأقوى-خواطر-زنوبيا-تلاميذ الخوف-ليلة القتلة-كلهم أبنائي-نبض".
وهو مدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية وشغل منصب رئيس قسم التمثيل ما بين عامي 2011-2012 وله مشاركات تمثيلية في السينما منها فيلمي ما يطلبه المستمعون وصديقي الأخير بالإضافة إلى إدارة وقيادة عدد من المهرجانات العربية والدولية والمشاركة فيها.
أرسل تعليقك