بقلم: عبد الحليم مخالفة
هي صلاة متأخرة على أرواح فتية آمنوا بربهم ...أعادهم البحر إلينا ذات مساء في توابيت مختومة...
" بكى صاحبي لمَّا رأى الحُلْمَ دونَهُ
من الموجِ بحرٌ قد تناءتْ سواحلُهْ
وأيقن أن لا أرض للرّوم تُرتجى
وهـاله أن يُنعى فيشمتَ عاذلُهْ
فقلتُ لهُ : لا تبكِ عينُك حسبُنا
بلغنا الذي كنَّا خرجنا نحـاولُهْ "
"... وماذا تُراكَ
تؤمِّلُ من بعد هذا...وماذا
تراكَ تريدْ...
وحولكَ هذا الضبابُ
وهذا العبابُ
وحولك هذا الهلاكُ الأكيدْ...
وما أنتَ "موسى"،
لينحسر الموجُ عنكَ
وعن يَبَسٍ تتلمَّسُ
فيه طريقكَ صوب الشَّمالْ...
وما أنتَ - رغم النّزيف
ورغم الجراح- مسيحاً
لتمشي على الماءِ
مستأنسا بضياء الهلالْ...
هو الموج يعلو
يصادرُ _ يا ساذجَ الحلم _ حلْمَكَ،
ما عاد في العمرِ
متّسع لبلوغ الضفافْ...
ستذبلُ في الأفْقِ
شمس تآكلَ عن جانبيها الضياءُ
لتذبلَ
في القلب سبعٌ
من الأمنيات العِذابِ العجافْ...
قناديلُ رومَا
تُضاءُ وتوقدُ ليلاً فقط
كي تنير الدّروبَ لأبناء رومَا...
وتلك النوافيرُ
حيث يعرِّش
ماء النّوافير نخلا طويلاً
بساحات رومَا...
تُعانق فيها المياهُ المياهَ
فقط كي يهبَّ النَّسيمُ عليلاً
على أهل روما...
وخبزُ الكنائسِ
إن خيَّرته الكنائسُ حتماً
سينحاز للفقراء برومَا
وللفقراء بأحياء رومَا..
فيا أيّها الوافد الأجنبيُّ
على أرض رومَا
يا أيُّهذا المضلّلُ بالعدلِ.. والأمنِ.. والحقِّ
في العيشِ تحتَ ظلالِ المساواةِ حرّاً كريماَ
يا من تركتَ (الجحيمَ) هناكَ،
لتلقى هنا...في (النّعيم) الجحيمَا...
إلى إيّ وهم تجرُّ خطاكْ ...؟
وماذا تراكَ
تؤمّلُ ...من بعد هذا
وماذا... تُراكَ...تريدْ...
وقد ضاقت الرِّئتان بملح أجاجْ...
وقد ضاقت الرِّئتان بماءٍ
تسرَّب في الحلق مثل الزّجاجْ...
تضيقُ وتُظلِمُ
حولكَ يا صاحبَ ( الياءِ ، والواوِ ،
والنُّونِ، والسِّينِ...)
لا... لستَ رغم التّشابه في الرّسمِ
والاسمِ " يُونُسَ"
كي ترقب الحل و الانفراجْ...
فحيتان بحر الشَّمالِ إذَا التقمتكَ
وأنتَ مُليمْ...
بغير جوازٍ،
ومن غير تأشيرة للعبورِ
ستنبُذُ روحك عارية
وحدها بالعراءِ وأنتَ سقيمْ ...
فماذا تراكَ
تؤمِّلُ من بعدِ
هذا المصيرِ الحزين الأليمْ... !
...وأعلمُ أنَّك ما كنتَ ترضى
لمثلك أن يحتسي مثل غيرهِ
كأس القناعةِ،
أن يرتضي الذُّل والقهرَ
والظلم والضيم والصمتَ حين يضامُ
وأعلمُ أني أطلتُ الكلامَ
وحُقَّ لمثلك
أن لا يعير كلامي اهتماما
فماذا يفيدُ الغريقَ الملامُ ...؟
وماذا يضيركَ يا شنفرى العصرِ
أن لا يكونَ لديك ضريحٌ ...
لترقد وسط الضريح العظامُ
وماذا يضيركَ
إن خلعتكَ القبيلةُ ما دمتَ
تصرخُ بالقومِ- والموج يزبدُ حولكَ-:
" لا تقبروني......فقبري عليكم حرامُ "
" ولحمي على الدُّودِ
أيضا بأرضكمُ يا لئامُ ..حرامٌ...حرامُ "
أحبُّ البلادَ ولستُ كما قيل عني وعنها...،
أحبُّ البلادَ
وإن جرَّمتني الدَّساتيرُ
و المدَّعونَ القضاةُ الزّناةُ الذينَ
تسلّوا بها،
ضاجعوها... وناموا...
وقد عشتُ أحلمُ
بالعدل يَنفُذُ حكمُه في الغيمِ صيفاً
وفي المطرِ الموسميِّ
فيهطلُ ( مَنًّا وسلوى) علينا
بكلِّ ربوع البلادِ الغمامُ...
...فماذا تريدون مني وقد صادرَ الغيمَ
غيمَ السّماءِ " النِّظامُ... ؟! "
وصادر أرضي،
وما تخرجُ الأرض من بقْلها في الفصولِ
وما تكتم الأرض من نفْطها في الحقولِ
وما ضمَّهُ في ثراها الظلامُ!!...
وجوَّع أهلي عقوداً..
وسيَّج وجه السماءِ،
فصار كئيب الملامح مثلي
وما عاد يسعدني أن أراهُ
هو البحرُ
ما من خلاص سواهُ....
فقل للذين أشاعوا بأنّي...
وداهمنا الموجُ... صحتُ به لم يجبني...
ولكن أجاب الصدى دونه...والحطامُ
* * *
بكى صاحبي ...
ربما كنتُ مثلَهُ أيضا بكيتُ
فما عدتُ أذكرُ...
إذ ساد صمت رهيبٌ.. وقد
أطبق اللَّيلُ حول السكون الظلامَا..
عرفتهُ من بعد يومينِ حينَ
تجشَّأهُ البحرُ فجراً
كلؤلؤةٍ لم تعرْها الحياةُ اهتمامَا...
لقد كان يرقد بين حطام القوارب
والرمل دون حراكْ...
فتى كالملاكْ ….
فيا وطن المترفينَ...،
ويا وطن المدَّعينَ...،
ويا وطن المتخمينَ...،
ويا وطن " الأثرياء القدامى"...
ويا وطناً قد ترامى حدوداً،
فكان بحجم المجرة عرضاً
وكان بحجم المجرَّة طولاً
أجبني: علامَ....؟
-إذا كان من يحكمونَ (نشامَى)...-
يموت ملاك كريمٌ كهذا
الملاك الكريمِ
ويسلم روحه فيكَ إلى البحرِ
يأساً
ولم يتجاوزْ به العمر عشرين عاما...؟ !
أرسل تعليقك