لا يتردّد محسن بلعباس، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الجزائري، في الرد بـ"لا" عند سؤاله إن كان يقبل تلبية دعوة الرئاسة لحضور المشاورات التي يجريها عبد المجيد تبون. ومن منظور الرجل الأول في "الأرسيدي"، فإن حلّ الأزمة الراهنة يتطلب تنظيم ندوة وطنية علنية يحضرها الجميع دون إقصاء بما في ذلك السلطة، وفي السطر التالية كشف آراءه في العديد من القضايا المطروحة على الساحل في حوار هذا نصّه:
هناك رأي ظهر في الأيام الأخيرة، يرى بأن تنظيم الانتخابات الرئاسية هو بمثابة فشل للحراك الشعبي. هل تقاسمون هذه النظرة؟
أعتقد أن هذه النظرة مجحفة، لأن الحراك منذ البداية لم ير هذه الانتخابات محطة مهمة، فالكل كان يعلم بأن السلطة ستقوم بتعيين رئيس في انتخابات مزعومة، شبيهة بكل المهازل التي عوّدنا النظام عليها منذ 1962 لإعطاء الدولة واجهة سياسية ونوعا من الشرعية المؤسساتية.
كيف تنظرون في الأرسيدي إلى تبون اليوم.. هل هو رئيس شرعي أو منقوص الشرعية أم غير شرعي؟
ن نعتقد أن تبون هو رئيس دولة مثل الذين سبقوه منذ 1962. نرى بأنه رئيس ناقص للشرعية، لأنه تم تعيينه ولم ينتخب عليه الشعب الجزائري. عندما لا تبلغ نسبة المشاركة 8 بالمائة، هذا يعني أن تبون من الناحية السياسية ليس رئيسا للجمهورية، بل هو رئيس للدولة معيّن. يمكن وصفه بوال فوق العادة معيّن أيضا. وبطبيعة الحال، هناك قوى سياسية ستتعامل معه والقوى الخارجية كذلك، لكن يبقى هذا رئيس الأمر الواقع فقط. رئيس الجمهورية الحقيقي هو الذي ينتخب عليه الشعب، ويستطيع أن يخلق ديناميكية بمجرد انتخابه، وهو ما لا نلاحظه اليوم مع تبون.
كيف تنظر للأسابيع الأولى لتولي تبون رئاسة الجمهورية؟
من جهتنا، لم نلاحظ تطورا في طريقة تعامل السلطة مع الحراك مثلا، فالقمع لا يزال متواصلا كل يوم جمعة والاعتقالات كذلك. حتى سجناء الرأي الذين أطلق سراحهم، بعضهم قضى محكوميته ومنهم من تم تسريع محاكمتهم فقط، في حين المطلوب هو رفع كل التهم عنهم لأنهم اعتقلوا دون وجه حق وبطريقة مخالفة للدستور والقوانين. نحن نرى أنه على السلطة أن تعتذر على سجن هؤلاء وتقوم بتعويضهم.
الرئاسة فتحت الباب لمشاورات مع شخصيات وطنية وأحزاب. ما هي رؤيتكم لهذه العملية؟
لا أعتقد أن ما يجري يصح أن نطلق عليه حوار أو حتى مشاورات. ما نعيشه اليوم هو عودة لبعض ممارسات الماضي. ففي السنوات العشر الأخيرة لرئاسة عبد العزيز بوتفليقة، كانت هناك شخصية وطنية معروفة أُسند لها مهمة لقاء الرئيس حتى تظهر الرئاسة للرأي العام بأن بوتفليقة لا يزال على قيد الحياة من أجل الردّ على إشاعات وفاته وإثبات بأن الرئيس لا يزال يتمتع بقدرته العقلية في لقاء ومحاورة الآخرين. ما يحدث اليوم، أن هذه المهمة أسندت لشخصيات أخرى، مع الفارق في الأسباب فقط. فاليوم يراد إيهامنا من خلال هذه اللقاءات، أن هناك حوار، بينما الحقيقة غير ذلك. هذه اللقاءات عند التدقيق فيها، هي مجرد تبادل للحديث بروتوكولي داخل قاعات مغلقة حتى الصحافة ممنوعة من حضورها.
نحن نعتقد أن الحوار الحقيقي في سياق الثورة التي نعيشها، هو الذي يكون منقولا على القنوات التلفزيونية يشاهده كل الجزائريين، وهو الذي لا يقصي أحدا ويكون له هدف وجدول أعمال وصدى داخل المجتمع. ما نشهده اليوم هو عكس ذلك تماما، فوسائل الإعلام لا تزال مغلقة أمام كل الفاعلين في الحراك الذين يملكون رؤية وطرحا للخروج من الأزمة.
و اليوم فرضا تتصل بك الرئاسة وتدعوك للقاء مع تبون لإسماعه رأيك. ماذا سيكون جوابك؟
سأجيب بـ"لا".
هل لديك شروط معينة للقاء تبون، أم الأمر محسوم بالنسبة لك بالرفض في ظل الظروف؟
هناك فرق بين نظرتنا للحوار ونظرتهم له. هم يبحثون الحصول على بعض الشرعية عبر لقاءات ثنائية وهي مناورة مكشوفة. الحوار في اعتقادنا يجب أن يكون علنيا. هناك أمثلة في الماضي القريب يمكن الاستفادة منها، مثل تجربة ندوة مازافران سنة 2014 والتي التقى فيها الفاعلون السياسيون على اختلاف إيديولوجياتهم علانية. أنا ليس لي ما أقوله في السرية مع تبون. نحن حزب يطرح حلولا لكل المسائل، وكنا السباقين في تغذية النقاش السياسي في الساحة منذ 2012. كل ما قلناه مكتوب وموثّق ومعروف، إذا ماذا سأقول لتبون؟ نحن نخاطب الرأي العام بآرائنا ونقول بأنه ليست لنا الحقيقة المطلقة، ونحن نطالب بلقاءات تحضرها كل القوى السياسية لتقريب وجهات النظر والخروج بورقة طريق تكون محلّ إجماع.
لكن هل هذه اللقاءات أو الحوار العلني الذي تدعون إليه تكون السلطة حاضرة فيه؟
في تجارب الدول التي مرت بنفس الظروف، يتم تنظيم ما يعرف بـ"الندوة الوطنية"، تحضرها كل القوى السياسية بما فيها السلطة، لكن هذا يجب أن يكون بعلانية.
هل أفهم من كلامك، أنه في حال دعت الرئاسة لندوة وطنية علنية دون إقصاء، لن تمانعوا في الحضور؟
معظم القوى السياسية التي تخندقت مع الحراك الشعبي منذ 22 فيفري تتكلم عن الندوة الوطنية كلّ بطريقته وأطروحته، لكن دون إقصاء أحد. الندوة الوطنية يجب أن تكون بجدول أعمال يتضمن كل المسائل التي سيتم التطرق إليها وينبغي تحديد مدتها وتجنّب أن تكون بالطريقة التي جرت بها "ندوة الوفاق الوطني" في التسعينيات. ينبغي أن يكون جوهر هذه الندوة هو كيفية الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد منذ 1962، أي حلّ مسألة الشرعية من الأساس، ونعتقد أن مخرجات هذه الندوة يجب أن تكون المصادقة عليها عبر استفتاء شعبي.
هناك من يرى أن فكرة المرحلة الانتقالية لم تعد ممكنة اليوم مع وجود رئيس، والبعض يطرح فكرة هذه العهدة إلى عهدة انتقالية أو تأسيسية.. هل هذا ممكن في اعتقادكم؟
لا أتفهّم التخوف من المراحل الانتقالية، والحقيقة أن الجزائر تعيش مراحل انتقالية دون توقف منذ 1962. من بن بلة إلى بومدين إلى الشاذلي إلى اليوم. ما نطالب به هو الذهاب إلى مرحلة انتقالية تأسيسية أو ما سميناه في مازافران بانتقال ديمقراطي. المشكل في بعض السياسيين أنهم ليس لهم تنسيق في مواقفهم، فأنا لا أفهم التراجع عما اتفقنا عليه في مازافران، بعد أن أصبح هناك من يتخوف حتى من مصطلح "الانتقال". لو دققنا جيدا، سنجد أنه حتى الرئيس الحالي عبر المصطلحات التي يستعملها يتحدث عن مرحلة انتقالية. يجب في اعتقادي أن نكون واضحين فيما نريد، فالمرحلة الانتقالية التأسيسية هي التي عن طريقها يتم تغيير الدستور.
هل يمكن أن تكون هذه المرحلة تحت إشراف تبون؟
ليس المهم أن تكون تحت إشراف من. ما يهمنا من يشارك في هذه المرحلة الانتقالية وما هي المؤشرات التي تظهر وجود نية للذهاب لعهد جديد في الدولة الجزائرية وهو ما لم نلمسه اليوم.
الرئيس الجديد أطلق مسارا لتعديل الدستور عبر تشكيل لجنة خبراء ومنحها محاور التعديل. كيف ترى هذه العملية؟
هي نفس طريقة عبد العزيز بوتفليقة. وضع مختصين من الجامعة لصياغة مشروع دستور، ثم عرضه على البرلمان أو الاستفتاء. نحن نتكلم على مرحلة تأسيسية، وهي تمر عبر طريقتين إما المجلس التأسيسي الذي يتم انتخابه أو مجلس الخبراء. وفي الحالتين يجب أن يسبق ذلك مشاورات واسعة، خاصة في حالة مجلس الخبراء من أجل التوافق على من يتم تعيينهم فيه. وعلى الخبراء أن يناقشوا مع الطبقة السياسية وكل الفاعلين، التعديلات لأن الدستور عملية سياسية بالأساس. وفي حالتي المجلس التأسيسي أو مجلس الخبراء، يجب الذهاب لاستفتاء شعبي بعد إعداد مشروع الدستور. السلطة عكس ذلك اليوم، ماضية في الطريق الذي عرفته مع بوتفليقة، عبر مشاورات وهمية ثم وضع "مجموعة تأسيسية" تقوم تشكيلتها على التوازن الجهوي وكأن الإشكال في المنطقة التي ينتمي إليها الخبراء. كل ذلك يجري بشكل غير علني، وهو ما يبيّن بأن السلطة ليس لديها النية للقطيعة مع سلوكات الماضي.
هناك من يلومكم في الأرسيدي بأنكم ابتعدتم عن روح مازافران التي جمعت كل الأطياف وذهبت لتكتل سياسي آخر "البديل الديمقراطي" يقوم على توجه إيديولوجي..؟
أنا تعلمت شيئا في السياسة، هو أن الكذب والنفاق مذمومان. الذين يلوموننا يعلمون أن الأرسيدي هو الحزب الوحيد ربما ممن شاركوا في مازافران الذي لا يزال يتحدث عن الانتقال الديمقراطي. أنا لا أحب الحديث عن السياسيين الذين التقيتهم في مكتبي حتى قبل بداية 2019، من أجل إعادة بعث مازافران، لكن البعض منهم كان مشغولا بالتموقع والتحضير للانتخابات الرئاسية لأفريل 2019، والتي كنا من جانبنا مقتنعين بأنها ستكون عملية تعيين لرئيس، وكنا مؤمنين أيضا بأن الجزائريين سيأتي يوم وينتفضون عكس بعض السياسيين الذين كانوا يقولون بأننا كنا نحلم.
وأؤكد ردا على من يلوموننا على عدم المشاركة في اجتماع عين البنيان، أننا حضرنا لقاء نظم في مقر حزب طلائع الحريات قبل ذلك، ووجدنا أن العديد من المسؤولين السياسيين بدأوا يتنصلون من مازافران ويحاولون إيجاد مواقف يوافقون بها ما كان يصدر عن رئيس أركان الجيش في ذلك الوقت. كل هذا جعلنا نعجل بإنشاء "البديل الديمقراطي" حول مسألة "الانتقال الديمقراطي"، وما ألاحظه أن التعددية الموجودة فيه لم تكن حتى في مازافران، فهناك تلونات من أقصى اليسار إلى اليسار المعتدل إلى غير ذلك.
هناك تساؤل يتكرر في كل مرة حول سبب بقاء نواب الأرسيدي في البرلمان رغم انخراطه في الحراك الشعبي ورفضه للمؤسسات الحالية؟
كنا من الأحزاب الأولى التي قدمت حلا مع بداية الحراك، تكلمنا فيه عن ضرورة إقالة رئيس الجمهورية وإقالة الحكومة وحلّ البرلمان بغرفتيه والذهاب إلى المشاورات حول المسار الانتقالي التأسيسي. لكن هذا الطرح هو رزمة من القرارات تطبّق معا. في تلك الفترة أي في مارس تحديدا، سرّبت مجموعة على مستوى رئاسة الجمهورية معلومة بأن البرلمان سيحل وطلبت قبل ذلك استقالة بعض الأحزاب. وعندما يتم تحليل من استقال في تلك الفترة يمكن فهم الخلفية. هناك إشكال آخر بخصوص هذه النقطة يجهله الكثيرون. الحزب لا يستطيع الاستقالة من البرلمان، بل النواب فقط من يستقيلون. وعند استقالتهم يتم تعويضهم من القوائم الانتخابية، وفي هذا إشكال كبير، لأن السلطة يمكنها أن تعوّض نواب الحزب المستقلين عبر إيجاد أشخاص في القوائم يقبلون تعويضهم، مما يجعل الحزب بقيادتين مختلفتين، وهذا ما وقع لبعض الأحزاب.
في خطابكم الأخير في المجلس الوطني للحزب، قلتم بأن هناك أطرافا تدفع الحزب للراديكالية. هل كنتم تقصدون الرئيس السابق للحزب سعيد سعدي؟
لم أقصده، هناك قوى كانت تحاول استغلال الأرسيدي في راديكاليتها، مثل الذين أتوا لمقر الحزب ورفعوا شعار العصيان المدني حتى يفهم بأن الأرسيدي هو الذي يتبناه. نحن لدينا قناعة بأن الراديكالية لن تحل المشاكل. العقلانية والنقاش وعدم الإقصاء هو ما يمكننا من الحلول.
قد يهمك ايضا:
الجزائر وايطاليا يتفقان على تكثيف الجهود ومضاعفة التنسيق لحل الأزمة الليبية
المشاورات السياسية مع مكونات الساحة الوطنية تشكل أولوية قصوى لدى الرئيس عبدالمجيد تبّون
أرسل تعليقك