انطلقت الانتخابات الأميركية، الثلاثاء بين الرئيس دونالد ترامب الساعي لولاية ثانية وبين منافسه الديمقراطي جو بايدن، ما يثير التساؤل بشأن تأثير نتائج الإقتراع على العلاقات مع الجزائر حيث تمتد العلاقات الجزائرية الأميركية إلى مرحلة الوجود العثماني، بعد توقيع الولايات المتحدة على معاهدة حفاظاً على سلامة السفن التجارية الأميركية في البحر المتوسط، لتتطور بعدها ابان اندلاع الثورة التحريرية، عندما ساندت حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره.
وقبل أيام أحيت السفارة الأميركية بالجزائر الذكرى الــ 225 للتوقيع على معاهدة السلام والصداقة بين الولايات المتحدة الأميركية والجزائر في 5 سبتمبر 1795، مؤكدة أن العلاقات المتميزة بين الولايات المتحدة الأميركية والجزائر “شهدت العديد من المحطات البارزة التي أسهمت في تعزيز أواصر الصداقة بين الشعبين”.
علاقات معقدة بين واشنطن والجزائر
وبعيدا عن الشق التاريخي في العلاقات، فإن العلاقات الأميركية الجزائرية تحكمها خلال السنوات الماضية وفق مراكز دراسات، تقاطعات معقدة بين الشراكة الأمنية في مكافحة الإرهاب وسياسية في معالجة ملفات المنطقة، على غرار أزمات ليبيا والساحل والصحراء الغربية مع ظهور لاعبين جدد كروسيا واقتصادية مع المد الصيني في القارة السمراء.
وقبل الانتخابات الأميركية، توالت زيارات لعدة مسؤولين أميركيين خلال الأشهر الأخيرة إلى الجزائر، وعلى رأسهم وزير الدفاع مارك إيسبر في أول زيارة لوزير دفاع أميركي منذ خمسة عشر عاما، وكانت الزيارة السابقة من طرف دونالد رامسفيلد في ظل الرئيس الجمهوري بوش الابن في ذروة أزمة غزو العراق.
وركزت التصريحات بعد هذه الزيارة، على اعتبار الجزائر شريكا مهما في مكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار بالمنطقة.
كما جاء التحرك الأميركي بالتزامن مع العهد الجديد في الجزائر بعد وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم، وظهور فتور في العلاقات مع فرنسا خلال الأشهر الماضية، بحكم أن باريس كانت تعتبر الجزائر أحد أهم مراكز نفوذها في القارة الإفريقية.
الانتخابات الأميركية
ليبيا والصحراء الغربية
وقبل يومين نشر مستشار الأمن القومي الأميركي، روبرت أوبراين، تغريدة يعرب فيها “عن تمنياتها القلبية للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون بالشفاء العاجل. دعواتنا له ولعائلته والشعب الجزائري”.
لكن التعامل مع الملف الليبي أظهر عدم وجود دعم صريح للجانب الأميركي للدور الجزائري، بعد تداول معلومات عن أن واشنطن وراء إسقاط تعيين وزير الخارجية الأسبق رمطان لعمامرة كمبعوث خاص إلى ليبيا.
وفي ملف الصحراء الغربية، كانت بداية دونالد ترامب في البيت الأبيض، بمثابة دعم دبلوماسي للقضية،وخاصة بعد تعيين جون بولتون الداعم لحق تقرير المصير في منصب مستشار الأمن القومي قبل إقالته، إلى جانب دعم الرباط لهيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة السابقة.
لكن الأشهر الأخيرة شهدت تحول سياسة إدارة ترامب حسب تقارير إلى لعب ورقة البراغماتية، وذكرت وسائل إعلام أميركية أن الرئيس الأميركي في حال انتخابه لولاية ثانية سيقدم عرضا للرباط يقضي بالتطبيع الرسمي مع تل أبيب مقابل دعمه لمخطط الحكم الذاتي على كما حدث مع السودان.
وعام 2017 نشر معهد واشنطن للدراسات، دراسة بحثية أوصى فيها بأنه “لتقوية التعاون مع الجزائر يتعين على الولايات المتحدة تطوير علاقات أكثر توازنا في منطقة دول شمال أفريقيا، وعلى وجه التحديد دفع المغرب إلى حل نزاعه مع الصحراء الغربية، من خلال الاعتراف بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. وبعيدا عن مشكل الصحراء الغربية، على أميركا أن تأخذ بعين الاعتبار أهمية الجزائر بالنسبة للمنطقة. الجزائر محورية بالنسبة للاستراتيجية الأميركية في منطقة شمال أفريقيا والساحل”.
الجزائر والتطبيع
كما تعد الضغوط الأميركية على دول عربية من أجل الذهاب نحو تطبيع للعلاقات مع الكيان الصهيوني في عهد ترامب والتي تسارعت بالتزامن مع سباق الانتخابات الأميركية، “نقطة” سوداء في العلاقات مع الجزائر، التي أعلن الرئيس عبد المجيد تبون “ان قضية فلسطين مبدئية لديها ولن تقبل الهرولة نحو التطبيع”.
وذكر خبراء في الشان الأميركي، أنه في حال فوز بايدن بالرئاسة، فلن يحوز ملف السلام بين إسرائيل والدول العربية على جانب كبير من الاهتمام، خاصة مع غياب أشخاص من نوعية غاريد كوشنر صهر ترامب، الذي يتحرك في الأمر حسبهم من منطلق عقائدي بصورة أكبر مما تحركه المصالح السياسية للولايات المتحدة.
من جهة أخرى أفاد تقرير لمعهد كارنيغي، أنه في حال فاز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، سيكون المغرب العربي والجزائر تحديدا، وجهة مثالية لتعزيز الانخراط الأميركي.
وبحسب المعهد “يمكن دعم المجموعات والأفراد الذين يعملون من أجل الإصلاح الديمقراطي في الجزائر التي تشهد إصلاحات سياسية واقتصادية واسعة”.
ويؤكد التقرير أن الرئيس ترامب، تجاهل منطقة شمال إفريقيا، وهو الأمر الذي قامت به حملة بايدن، لكن الوثيقة تقول إن المرشح الديمقراطي يمكن أن يستدرك ما حصل، على اعتبار أن” بايدن نفسه لديه خبرة في شؤون المنطقة، إذ كان نائباً للرئيس الأميركي إبّان اندلاع الربيع العربي في 2010-2011
الزحف الروسي والصيني
ويقول أرسلان شيخاوي المتخصص في العلاقات الجزائرية بأن الولايات المتحدة الأميركية التي “تقوم خارطة طريقها على سياسة نشطة في إفريقيا تعتبر الجزائر شريكا استراتيجيا موثوقا به وقويا في مجال مكافحة الارهاب بالقارة السمراء وفي تسوية ما يسمى بالصراعات المنخفضة الحدة”.
وأوضح في حوار مع وكالة الأنباء الجزائرية أن “الرئيس الأميركي المقبل، سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا، سيعمل على استعادة مكانة الريادة كشريك تجاري التي انتزعتها الصين منذ أزيد من خمس سنوات في القارة”.
وسابقا نشر معهد واشنطن، دراسة أعدها تحت عنوان “روسيا تشق طريقها في شمال إفريقيا” عام 2019، حيث أوصى إدارة دونالد ترامب بضرورة “منح الجزائر أولوية من ناحية تحقيق انفتاح اقتصادي وسياسي”، ودعاها إلى التخلي عن الحذر التقليدي في علاقات واشنطن مع الجزائر.
وبالمقابل حذر المعهد إدارة الرئيس الأميركي، مما أسماه “غياب موقف حازم من طرف الولايات المتحدة الأميركية تجاه التوسع الروسي، المتنامي في جميع دول المغرب العربي”، واعتبر المعهد ذلك “تحديًا كبيرًا للمصالح الأميركية الإستراتيجية”.
وحسبه فقد تحولت الجزائر في السنوات الأخيرة إلى حليف إستراتيجي لروسيا في مجال التعاون العسكري، حيث تصنف في خانة المشترين الخمس الأوائل للأسلحة الروسية، رغم أن الولايات المتحدة الأميركية احتلت المرتبة الأولى من حيث مصدري الأسلحة في العالم، وتفوق نسبة المعدات التي تتلقاها الجزائر من روسيا 80% من احتياجاتها.
ويقول الباحث سامويل راماني بجامعة أوكسفورد، في مقال له بمجلة “فورين أفيرز” الأميركية المتخصصة في السياسة الخارجية، في عددها لشهر سبتمبر 2020 “يدرك صانعو القرار الأميركي، أن مشكلتهم الكبرى بدأت برد فعلهم المتردد والمتأخر وثانيا بضعف تنسيق استراتيجيتهم مع الشركاء الأوروبيين فسياسة فرنسا الأُحادية وتذبذب السياسة الأميركية ساهمت في خلق وضع أمني سيء في منطقة غرب أفريقيا وعدم استقرار دولها. وفتحت الباب لروسيا والصين”.
وحسب نفس التقرير “للجزائر علاقات قوية مع روسيا والصين، حيث تعتبر روسيا المزود الأول بالسلاح للجيش، والصين هي الشريك التجاري الأول للجزائر وتتجاوز قيمة صادراتها السنوية لها 6 مليارات دولار”.
الانتخابات الأميركية
وكانت العلاقات الجزائرية الأميركية، في عهد حكم الرئيس الديمقراطي باراك اوباما والذي كان جو بايدن يشغل منصب نائبه تشهد استقرارا لكنها كانت منحصرة أساسا في دائرة الشريك في مكافحة الإرهاب فقط.
وخلصت نتائج استطلاع رأي لشبكة البارومتر العربي، لآراء مواطني لبنان وتونس والمغرب والجزائر والأردن، حول الانتخابات الأميركية والذي شمل 5 آلاف شخص بالدول الخمس وجرى عن طريق الهواتف المحمولة، أن التونسيين الأكثر تأييدا لسياسات المرشح بايدن (52%) يليهم الجزائريون (43%) فالمغاربة (39%) ثم الأردنيين (23%) وفي المرتبة الخامسة اللبنانيون بنسبة 17%.
بالمقابل، بلغت أعلى نسبة التأييد لترامب، في الدول المشمولة باستطلاع الرأي، 18% في لبنان، يليها تونس (12%) فالمغرب (9%) ثم الجزائر (7%) فالأردن (3%).
قد يهمك ايضا:
روسيا لا تفقد الأمل بعودة الفكر السليم لواشنطن في علاقتها مع موسكو بعد الانتخابات الأميركية
بايدن وترامب يتبادلان الانتقادات بسبب التعامل مع كورونا قبل الانتخابات الأميركية
أرسل تعليقك