أوروك المدينة الاولى
بغداد – عبداللطيف العجيل
أصدر "مشروع كلمة" الإماراتي مؤلفًا إيطاليًا جديدًا، حمل عنوان "أوروك: أولى المدن على وجه البسيطة"، وهو كتاب تاريخي أثري قيّم، من تأليف عالم الآثار الإيطالي ماريو ليفِراني، وترجمة الجامعي التونسي عزالدين عناية.
يعالج الباحث وعالم الآثار ليفراني مسألة أصل المدينة والدولة، وذلك استنادًا إلى معطيات
أثرية وتاريخية موغلة في القدم، لاعتبار الحدث شكّل فعلاً ثورة حضارية، قلبت مسار البشرية جمعاء.
واطلع "العرب اليوم" على الكتاب القيم، الذي أنصف الوركاء (30 كيلومترًا شرق مدينة السماوة)، مركز محافظة المثنى، والتي لازالت أطلالها تصارع الزمن، وتصدح بابتهالات "كلكامش"، ورحلة الحياة الأبدية.
ويؤكد ليفراني في كتابه "جاء اختيار حالة أوروك (مدينة الوركاء العراقية)، بموجب طابع القِدم الذي لفّها، ولكونها الأعرق في هذا المجال، إذ تعد مصر ومنطقة وادي السند في مقام ثان بعد أوروك، بل حتى الحالة الصينية النائية أيضًا"، ويضيف "ومن تلك البؤرة الأصلية، من أوروك، كان انتشار أنموذج الدولة في شتى أرجاء البسيطة، تارة مقلَّدًا وأخرى محوَّرًا، حتى يتكيّف مع أوضاع مغايرة"، ويتابع "في أعقاب المسار الطويل لحضارات العصر الحجري الحديث، من الألف التاسع إلى الألف الرابع قبل الميلاد، شهدت أوروك أول ظهور للمجتمع المتكامل في أحضانها، على هيئة دولة، ومع المراحل المتقدّمة من هذا التطوّر (عصر أوروك المتأخّر، 3500-3000 قبل الميلاد تقريبًا) لاح الاكتمال النهائي لسياق التطوّر، حيث رافقته تكتّلات عمرانية بمستويات غير مسبوقة، وبهندسة معمارية ضخمة، وبرونق فخم، وكذلك مع انطلاق الكتابة، التي تبعها ميلاد إدارة متطوّرة وعامة، فكان لا بد من رابط تتماسك بموجبه أركان الدولة، استندت فيه أوروك إلى إيديولوجيا ذات طابع ديني، فالدولة، وفق الأنموذج المنبثق مع الثورة الحضارية، كانت في جوهرها دولة مكافأة، منتظمة ضمن دائرتين، داخلية وخارجية، تحصل فيها الأولى من الثانية، على فوائض العمل، وهو ما يتمّ صرفه في المحافظة على الحِرفيين، وعلى سير أشغال جهازي التنفيذ والتوجيه، وعلى تسيير مقاليد الدولة بلغتنا الراهنة"، مبينًا أن" تلك الثورة حفزت الإبداع التقني، حيث نشط تصنيع واستعمال أدوات البذر، وآلات الدريسة، ومناجل الحصاد، فضلاً عن مدّ قنوات الري، واعتماد أساليب متنوعة في السقاية، وإنتاج الشعير والصوف، فضلاً عن المعاملات التجارية الخارجية، والصناعات الحرفية التي ترعاها الدولة، والتي لعبت دورًا مهمًا في تلك التطورات، وهو ما أرسى بالفعل دعائم نوع من الاقتصاد المتكامل".
وتابع ليفراني أن" الأشغال لم تكن لتتوسع لولا استنادها إلى نظام تسجيل عماده الكتابة، وهو ما أفرز نظام خدمات إدارية، عضدته مهارات تسيير وقدرات حسابية دقيقة، استوجبها الاقتصاد النشيط، تولى شأنها خبراء في التسجيل والحساب والتصرّف، وظّفوا أثناءها رُقُما صغيرة من الطين، لضبط الأعداد والأمتعة والأسماء والسندات العائدة إلى خزينة الدولة"، مؤكدًا أن" أوروك مثلت تحوّلاً من مجتمع اللادولة إلى مجتمع الدولة، فشَتْ عدواه الحضارية شرقًا وغربًا، وامتدّ إلى أقاصي المعمورة".
مؤلّف الكتاب هو عالم الآثار الإيطالي ماريو ليفِراني، المرجع البارز في تاريخ الشرق القديم، هو من مواليد روما عام 1939، وهو أستاذ في جامعة "لاسابيينسا"، وأستاذ زائر في جامعة "شيكاغو"، شارك في العديد من أعمال التنقيب الأثرية في سورية وتركيا وليبيا.
أما المترجم عزالدين عناية، فهو أستاذ تونسي إيطالي، يدرّس، سويًا مع مؤلّف الكتاب في جامعة "لاسابيينسا" في روما.
أرسل تعليقك