واشنطن - الجزائر اليوم
تجتمع الثقافة مع الصناعة لتقدما للزوار معرضًا فنيًا فريدًا من نوعه، في قصر "بورت دوريه" في باريس يحتفي بالأحذية باعتبارها أعمالاً فنية. ويحمل المعرض المخصص لتصاميم الإسكافي الفرنسي كريستيان لوبوتان عنوان "الاستعراضي". وهو يركز على اللون الأحمر الذي منح صانعه شهرة عالمية حين صبغ أرضية الحذاء النسائي العالي الكعب بهذا اللون.
ولم يأت اختيار هذا القصر دون دلالة. فقد نشأ لوبوتان في الدائرة الثانية عشرة من باريس، وكانت محتويات القصر الواقع قريبًا من مدرسته هي أولى المعروضات الفنية التي جعلت الصبي ابن العاشرة يتذوق جمال الطبيعة والقطع المحار المصنوعة بأنامل خبيرة وماهرة. فالقصر الذي كان قد جرى تشييده عام 1931 بمناسبة المعرض الكولونيالي، تحول فيما بعد إلى متحف لتاريخ الهجرة، مع تخصيص جانب منه ليكون حوضًا كبيرًا للكائنات البحرية "أكواريوم". وهو قد رأى في ذلك المكان معروضات غرائبية متجددة تختلف عن تلك اللوحات والتماثيل الموجودة في المتاحف العريقة. إن فيها روحاً شبابية تحرض على المغامرة والابتكار.
حين بلغ لوبوتان سن الشباب تملكته رغبتان: الأولى هي أن يسافر للتعرف على بلاد العالم والثانية أن يبتكر تصاميم جميلة. وقد بدأ كل شيء بتخطيطات بسيطة بقلم الرصاص على قطعة خشب. لكن ذلك كان المستهل لمهنة برع فيها وأعطاها من جهده وبالمقابل أعطته الكثير. كان مسحوراً بالأسماك البراقة وثمار البحر وشباك الصيادين والشخصيات الخرافية التي ورد ذكرها في الأساطير، مثل السندباد البحري. ومنذ تلك البداية سكنت رأسه الكائنات التي تنفصل وتعلو عن الأرض وتمشي كأنها تبحر أو تحلق. فلما صار صانعاً للحقائب والأحذية النسائية برع في ابتكار الكعوب العالية وأخرجها من الألوان المعتادة ومنحها لوناً ذهبياً في مجموعة تحمل اسم "السماء والأرض". كما تجرأ وصبغ الأرضية الجلدية السوداء التي تلامس الطريق بلون قان مثل منقار طائر استوائي. ذلك كان بمثابة التوقيع الخاص بكريستيان لوبوتان. وقد شاهدنا سيدات شهيرات ينتعلن أحذيته التي يبين لون أرضيتها عند ارتقاء السلالم، أو الجلوس الساق على الساق. ومنهن ليتيزيا ملكة إسبانيا وكارلا زوجة الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي.
استفاد الإسكافي الفرنسي من فن التطريز الياباني ومن فنون الشعوب الأصلية للقارة الأميركية. كان رساماً إلى جانب كونه صانع أحذية. وهو قد استلهم في صناعته لوحات الأميركي آندي وارهول ذات الأشكال الواحدة المتعددة الألوان. لهذا فإن عرض تصاميمه جرى في «قاعة الكنوز» في القصر باعتبارها أعمالاً فنية تحفظ في خزانات زجاجية، وتوضع وسط أجواء بحرية تناسب المكان وتسرح بينها الأسماك، أو تتدلى في فضاء القاعة من دون حبل وكأنها تتحرى قانون الجاذبية.
وحرص لوبوتان على أن يستحضر في معرضه عددًا من الأحذية اليابانية المطرزة ذات القواعد السميكة المرتفعة، أو المداسات المغربية العريقة المعروفة بـ"البلغة". والطريف في المعرض أن هناك صالة صغيرة يمنع دخولها على من هو دون السادسة عشرة من الزوار. وهي تضم صورًا فوتوغرافية التقطها المخرج والمصور الأميركي ديفيد لينش لنساء متخففات من الثياب يحملن بأيديهن أحذية من تصميم الإسكافي الفرنسي. وسبق لهذه الصور أن نشرت في عام 2007. وهناك صالة أخيرة حملت اسم "المتحف الخيالي"، يرى فيها الزائر منتقيات راقت للوبوتان وجمعها من هنا وهناك، خلال تجواله في العالم. وتشبه هذه الصالة صندوق الدنيا، تتنوع معروضاتها ما بين الخزف الفطري لهنود أميركا الجنوبية والخزف الإنجليزي الأزرق الشهير الذي تنتجه ورشة "وجوود".
قد يهمك ايضا:
اللوحات تتجول بين واحة سيوة ومحمية وادي الجِمال والإسكندرية
تعرف على فعاليات "الفنون التشكيلية" في معرض الكتاب الـ51
أرسل تعليقك