بكثير من الفرحة والبهجة، استقبل مواطنون وخبّازون مبادرة استبدال الأكياس البلاستيكية بالأكياس الورقية على مستوى مخابز العاصمة، في تجربة نموذجية من المنتظر تعميمها على كافة ولايات الوطن. وأجمع جميع المواطنين والخبّازين الذين التقيانهم في خرجتنا الميدانية على استحسانهم وإعجابهم بقرار استبدال الكيس البلاستيكي بالورقي، حسب ما رصدناه في عدد من التصريحات لمواطنين بمخبزة باستور بالجزائر وسط القريبة من النفق الجامعي وكذا مخبزة نهج محمد الخامس.
مواطنون: مبروك علينا أكياس الورق
كانت ملامح الفرحة والإعجاب بادية على وجوه كثير من المواطنين الذين تفاجؤوا عندما قدّم لهم البائع الخبز في أكياس ورقية بدل البلاستيكية التي تعودوا عليها لسنوات وإن لم يكونوا راضين عنها، كما أكده أكثرهم.. وأفاد أحدهم بأنّها مبادرة جيدة يثمنونها جدا ويتمنون استمرارها دوما. أمّا زبون آخر، فقال: “أكيد أنها مبادرة رائعة، نحن متأخرون جدا، وكان يفترض العمل بها قبل هذا التاريخ بكثير”.
وعبر مواطن آخر عن أهمية غرس هذه الثقافة، وإن كانت جديدة ولم يتعود عليها البعض خدمة لصحة ومستقبل أبنائنا والجيل القادم، نظرا إلى المخاطر الصحية لتلك الأكياس التي اعتبرها مسرطنة لما تفرزه من سموم عند احتكاكها بالخبز الساخن”، ودعا شاب في الثلاثين من العمر إلى ضرورة تعميم المبادرة على كافة مخابز الوطن في المناطق الداخلية وعدم الاكتفاء بالعاصمة وحدها…
أما إحدى السيّدات، في سن الستين، فعبّرت عن سرورها الكبير بهذه الخطوة، وقالت بالعامية: “وعلاش الأوروبيين أحسن منا؟”. وأكدت السيّدة أنّ “الكيس الورقي ثقافة متجددة في المجتمع فقد كانت متجذرة في السبعينيات. وعادت المتحدثة بذاكرتها إلى زمن الشباب والطفولة، حين كانت الأمهات يخطن أكياسا من القماش لاقتناء الخبز يحملها الأطفال والرجال عند توجههم إلى المخابز”.
مستهلكون في حاجة إلى تدريب على التعامل مع الكيس الورقي
لم يمر استعمال الكيس الورقي من قبل المواطنين مرور الكرام دون أن يسجل بعض السقطات من قبل مواطنين وبائعين لم يتعودوا على التعامل مع هذا الكيس “الحساس”، الذي يتطلب “معاملة خاصة”، حيث تعرضت بعض الأكياس إلى التمزيق، نظرا إلى سوء وضع الخبز فيها أو إطلاقه فيها بشكل قوي وحاد.
وهنا أكدت فرقة مديرية التجارة أن وضع الخبز في الكيس الورقي وحمله يجب أن يكون بطريقة مغايرة للكيس البلاستيكي، وأن يكون ذلك بحنية تشابه طريقة حمل الرضيع أو الطفل لحساسيته و”رقته”.
مديرية التجارة توزّع مجانا 50 ألف كيس ورقي على 655 مخبزة بالعاصمة.
وانطلقت مع بداية الأسبوع الجاري مديرية التجارة لولاية الجزائر في توزيع 50 ألف كيس ورقي على مخابز ولاية الجزائر، المقدر عددها بنحو 656 مخبزة، وفق ما أكده ممثل المديرية، العياشي دهّار، الذي رافقنا في الخرجة الميدانية رفقة المفتشية التابعة للدائرة الإدارية لسيدي محمّد، وأوضح المتحدث أن العملية تعد مرحلة أولى لاستبدال الأكياس البلاستيكية بالأكياس الورقية.
وأضاف دهّار أنّه “لم يصدر قرار لمنع استعمال الكيس البلاستيكي في الوقت الحاضر، لكن نسعى من خلال مختلف الحملات التي نقودها إلى غرس وترسيخ ثقافة الكيس الورقي كبديل صحي وبيئي سواء لدى المواطن أم الخباز”.
هدفنا هو الجانب الصحي والحفاظ على صحة وسلامة المستهلك، بدليل أن الأكياس البلاستيكية بمجرد وضع خبز ساخن فيها واحتكاكها به تنتقل مكونات الكيس البلاستيكي وتضر بصحة المستهلك، كما أنها باتت تضر بالمحيط وتشكل منظرا غير لائق بحكم أنه لا يتحلل بسهولة، وأردف: “يجب أن نعود إلى ثقافتنا السابقة في السبعينيات وبداية الثمانينيات، حين كان المواطن يتوجه إلى الخباز بكيسه القماشي وهو قمة السلوك الحضاري”.
ويؤكد دهّار أنّ مصالحه تلقت استجابة كبيرة من قبل الخبّازين، مشيرا إلى أن تلك الأكياس ستكون بمختلف الأحجام، الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وقد تتطور الأمور أكثر حسب طلب الأكياس وإنتاج المصنع. وقدرت مديرية التجارة لولاية الجزائر احتياجات سكان العاصمة يوميا بنحو 900 ألف خبزة إلى مليون خبزة، كمية الاستهلاك اليومي، إذن من يصنع الأكياس نقسم العدد على 3، أي نحو 300 ألف كيس يومي تستهلكه العاصمة.
ويسعى أعوان المراقبة والتحسيس التابعون لمفتشيات التجارة الـ 13 بولاية الجزائر، في تواصلهم مع الخبازين إلى إقناعهم باعتمادها، وربطت مديرية التجارة نجاح حملة التحسيس والتوعية بأهمية الكيس الورقي وفوائده الصحية بمدى “اقتناع واستجابة الخبازين والمواطنين معا”، وأنّ العمل اليومي والجواري مع هؤلاء ستظهر نتائجه في “الوقت المناسب”، وبالموازاة، “يجب توفير كميات كافية من هذه الأكياس لمدة 3 أشهر على الأقل حتى يصبح الطلب عليها سلوكا استهلاكيا”، لدى الجميع.
خبازون.. لابد من مرافقتنا فهامش الربح في الخبز ضئيل جدا
من جهتهم، أكّد الخبّازون الذين استحسنوا إدراج الكيس الورقي في معاملاتهم التجارية ضرورة مرافقتهم في العملية وإيجاد آليات مساعدة دون الضرر بنشاطهم على اعتبار أن هامش الربح المحقق في مادة الخبز يعد ضئيلا جدا، وأفاد أحد الخبازين: لا يمكننا أبدا أن نتحمل مصاريف إضافية على عاتقنا لابد من دعم الكيس الورقي أو إدراجه ضمن سعر الخبز برفع قيمة هذا الأخير.. نحن مع الكيس.
وقال في ذات السياق صاحب مخبزة باستور إن المبادرة جيدة جدا، وعندما سمع بها سعى إلى اقتناء كمية من الأكياس الورقية، غير أنّ سعر الكيس الواحد منها قدر بـ 3.5 دج، وهو ما لم يشجعه على تقديم طلبيات كبيرة، فالكيس البلاستيكي لا تتعدى قيمته 1.5 دج.
وأضاف: “الكيس الورقي جيد جدا نظيف وصحي لكننا لا نحقق هامش ربح كبيرا كي نأخذ على عاتقنا تكاليف إضافية”. وأبدى بعض الخبازين تخوفهم من تحميلهم مستقبلا تكاليف الكيس الورقي دون دعم.
وزارة التجارة تدرس مع الفاعلين آلية التكفل بمصاريف الكيس الورقي
وردا على انشغالات المهنيين أكد ممثل مديرية التجارة لولاية الجزائر عياشي دهار: “ليس لدينا إجابة قطعية في الوقت الحالي، نحن نعمل أولا على ترسيخ هذه الثقافة لتصبح مطلبا للشعب والخباز وسلوكا عفويا له”.
وأردف قائلا: “الوزارة عاكفة على دراسة الموضوع والبحث عن آليات التنفيذ وكيف يتم توفير هذه الأكياس ومن يسدد التكاليف إن كانت الوزارة أم المتعاملون… الموضوع ينظر فيه بكل جدية بالتشاور مع مختلف الأطراف الفاعلة سواء متعاملين أم وصاية أم مستهلكين وخبازين”.
قد يهمك ايضــــاً:
العجز في الميزان التجاري للجزائر يتجاوز 7 مليار دولار
عجز في الميزان التجاري للجزائر مع الدول العربية الكبرى
أرسل تعليقك