واشنطن - العرب اليوم
أعلنت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، أن الانتعاش الاقتصادي العالمي يترسخ، داعية الدول إلى إقرار إصلاحات تهدف إلى تحقيق ازدهار دائم، وعلى نطاق أوسع.
وقالت لاغارد، في خطاب مساء الخميس في كلية كينيدي بجامعة هارفارد: "إن الانتعاش العالمي الذي طال انتظاره بدأ يترسخ"، ولفتت إلى أن الدول في كل أنحاء العالم تشهد توسعًا اقتصاديًا متجددًا أو مستديمًا، يتزامن مع زيادة الاستقرار في البنوك والثقة بالسوق، وتساءلت: "هل سيكون بوسع العالم اغتنام فرصة هذا التحسن، لتثبيت الانتعاش وخلق اقتصاد أكثر شمولًا يعمل لصالح الجميع؟"، مجيبة في الكلمة ذاتها بأن "المسار الأفضل هو التعامل مع هذه اللحظة كفرصة لإجراء تغييرات من شأنها تمكين الرخاء على المدى الطويل".
وتأتي تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي قبل أسبوع من بدء الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بمشاركة الدول الأعضاء الـ189، التي سيكشف فيها الصندوق عن توقعات محدثة للنمو العالمي.
وقالت لاغارد في كلمتها إنه "في يوليو (تموز) الماضي، توقع صندوق النقد أن يصل معدل النمو العالمي إلى 3.5% في عام 2017، و3.6% في عام 2018... وسننشر الأسبوع المقبل تحديثًا لتنبؤاتنا قبل انعقاد الاجتماعات السنوية، وستكون أكثر تفاؤلًا على الأرجح"، موضحة أنه "قياسًا على مستويات إجمالي الناتج المحلي، تشهد نحو 75% من بلدان العالم انتعاشًا اقتصاديًا، فيما يعتبر التحسن الأوسع نطاقًا على الإطلاق منذ بداية هذا العقد. ويعني هذا مزيدًا من الوظائف، وتحسنًا في مستويات المعيشة في أماكن كثيرة حول العالم".
وحول رؤيتها العامة للمناطق الرئيسية في العام، أوضحت مديرة صندوق النقد أنه "بالنسبة للولايات المتحدة، فالتنبؤات غير مستقرة في ضوء الأداء الاقتصادي الفعلي والآفاق المتغيرة للإصلاح الضريبي، ولكن المرجح أن يتجاوز النمو المستوى الاتجاهي في العام الحالي والقبل. وفي الوقت نفسه، ظلت الأسواق الصاعدة الآسيوية، وفي مقدمتها الصين والهند، قوية كما كانت. أما في اقتصادات السوق الصاعدة والاقتصادات النامية الأخرى، فقد أصبحت الآفاق أكثر إشراقًا إلى حد ما، بما في ذلك في الاقتصادات المصدرة للسلع الأولية في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية... وعالميًا، يزداد استقرار الوضع المالي، بفضل زيادة استقرار الجهاز المصرفي، وتحسن ثقة الأسواق"، لكن في الوقت ذاته الذي تستبشر فيه لاغارد، فإن صندوق النقد الدولي يواجه منذ العام الماضي موجة من الشعبوية في العالم المتقدم، تجلت خصوصًا في نزعة معادية لتحرير التجارة في الولايات المتحدة وأوروبا.
وأشارت لاغارد، في كلمتها، إلى أن "التعافي ليس كاملًا"، حيث إن "بعض البلدان تنمو ببطء شديد. وفي العام الماضي، سجل نمو إجمالي الناتج المحلي للفرد مستويات سالبة في 47 بلدًا... ولا يزال عدد هائل من الناس - في مختلف أنواع الاقتصادات - لا يلمسون ثمار التعافي حتى الآن"، محذرة من مجموعة من المخاطر التي تلوح برأيها في الأفق "بدءًا من ارتفاع مستويات الدين في كثير من البلدان، إلى التوسع الائتماني السريع في الصين، وانتهاءً بفرط المخاطرة في الأسواق المالية"، بحسب كلمتها، إضافة إلى أشارتها إلى عوامل على غرار بطء النمو، وتزايد عدم المساواة في الاقتصادات المتقدمة، والفشل في التكيف مع التغير التكنولوجي. وقالت إنه "نتيجة لذلك، فإن نسيجنا الاجتماعي يتفكك، وتشهد كثير من الدول استقطابًا سياسيًا متزايدًا".
وشددت لاغارد على أن التقاعس عن العمل "سيهدر انتعاشًا جيدًا"، ما سيؤدي إلى إضعاف النمو، وتباطؤ خلق فرص العمل، وتفكك شبكات الأمان الاجتماعية، وتعريض الأنظمة المالية لأزمات في المستقبل، وإضافة إلى دعوتها لسياسات نقدية ومالية تدعم النمو، شددت لاغارد على ضرورة أن تستثمر الدول في البنية التحتية والبحث والتنمية، من أجل تعزيز الإنتاجية والطلب، ما يتيح خفض البطالة، مشيرة إلى أن توسيع فرص الحصول على الرعاية الصحية والتعليم، فضلًا عن اعتماد الضرائب التدريجية، هي عوامل يمكن أن تساعد في الحد من التفاوت الاجتماعي.
ولتت مديرة صندوق النقد إلى أن البحوث التي أجراها صندوق النقد الدولي "أظهرت أن عدم المساواة المفرطة تعيق النمو، وتقوض الأسس الاقتصادية للبلدان... وتضعف الثقة داخل المجتمع، وتؤجج التوترات السياسية"، ومن جهة ثانية، اعتبرت أن التغير المناخي يشكل "تهديدا لكل اقتصاد وكل مواطن"، مضيفة أن ارتفاع الحرارة بمتوسط درجة في السنة سيؤدي في دول مثل بنغلاديش إلى خفض إجمالي الناتج الداخلي للفرد بنحو 1.5%. وقالت إنه ينبغي "على واضعي السياسات استخدام كل الأدوات المتاحة لهم للتحرك، الآن".
أرسل تعليقك