رغم محاولات للطمأنة، غزت مخاوف الركود العالمي أسواق العالم بشكل واسع أمس، لتشهد أغلب البورصات الرئيسية انخفاضات كبرى بعد بيانات اقتصادية مخيبة للآمال في أوروبا والولايات المتحدة أججت المخاوف؛ ما دفع إلى ارتفاع واسع المجال للملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب، وبخاصة في ظل الهبوط الكبير للدولار.
وإضافة إلى العوامل «المعتادة» خلال الفترة الأخيرة التي تغذي المخاوف في الأسواق، التي تشمل معاناة الاقتصادات الكبرى من بوادر تباطؤ منذ بداية العام، وبخاصة في ظل الغموض الذي يحيط بمجريات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ومخاطر «بريكست» وما يحيطه من عدم يقين، والنظرة الأكثر تشاؤماً من المتوقع لكبرى البنوك المركزية حول العالم، كان «انقلاب منحنى عوائد السندات» أحد أكبر دوافع تفشي المخاوف في الأسواق.
أقرأ أيضا :
ارتفاع مُعدل التضخم في منطقة "اليورو" إلى 1.5% خلال شباط الماضي
ومنذ يوم الجمعة، هوت الأصول المرتفعة المخاطر حول العالم بعد مسوح قاتمة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، وأدت إلى نزول عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات دون معدل أذون الخزانة التي أجلها 3 أشهر لأول مرة منذ عام 2007، وهو انقلاب للمنحنى الطبيعي للعوائد، في تحول يعد إشارة - وفقاً للسوابق التاريخية - إلى ركود قادم... علماً بأن آخر مرة شهدت انقلاباً للمنحنى كانت قبل أشهر قليلة من انهيار «ليمان براذرز» والأزمة المالية العالمية.
وفي محاولة سريعة لطمأنة الأسواق المثقلة بالقلق، قال تشارلز إيفانس، عضو بنك الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي)، إن اقتصاد بلاده تباطأ، لكنه استبعد فرص حدوث ركود اقتصادي.
وأضاف إيفانس، وهو رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية شيكاغو، في تصريحات لمحطة «سي إن بي سي» الأميركية، أمس (الاثنين): إن «الأسواق تبدو - وبشكل واضح - مضطربة قليلاً». وتابع: «كلما تراجع الفارق بين السندات طويلة وقصيرة الأجل نرى تدهور النمو»، متوقعاً أن يُسجل الاقتصاد نمواً بنحو 2 في المائة في العام الحالي... لكنه أوضح أنه على الرغم من أن النمو بنسبة 2 في المائة يبدو منخفضاً؛ لكنه يرى أنه «معدل نمو جيد». وذكر إيفانس، أنه يعتقد أن انخفاض أداء النمو الاقتصادي من مستوى 3.1 في المائة في العام الماضي إلى 2 في المائة يتطلب تركيزاً حاداً في التفكير، لكنه في الوقت نفسه يرى أن الوضع لا يزال جيداً إلى حد ما. كما أعرب عن عدم تخوفه من الضغوط التضخمية أو الركود، مشيراً إلى أن إمكانية حدوث ركود اقتصادي لا تتعدى 25 في المائة. وفي الأسبوع الماضي، أعلن «الفيدرالي»، أنه لا يتوقع زيادة معدل الفائدة في العام الحالي، مقابل التوقعات السابقة بزيادتها مرتين.
وفي السياق ذاته، قال بنك «غولدمان ساكس»: إن تقلبات السوق أواخر الأسبوع الماضي التي سببتها البيانات القاتمة، وبخاصة للقطاع الصناعي في ألمانيا كانت «رد فعل مبالغاً فيه»، مؤكداً أن ضعف قطاع المصانع سيكون «قابلاً للإدارة». وأوضح، أن مؤشر مديري المشتريات الألماني أدى الجمعة إلى «ذعر بشأن تباطؤ النمو في الأسواق المالية العالمية، وهو أكبر رد فعل على بيانات ألمانية يمكننا تذكره».
وتراجعت أسهم الأسواق العالمية المتقدمة والناشئة بنسبة 1.5 في المائة الجمعة في أسوأ انخفاض منذ سلسلة من تداعيات السوق في أواخر عام 2018، وفقاً لمؤشر «إم إس سي أي» العالمي، في حين لجأ المستثمرون إلى السندات الحكومية ذات التصنيف العالي؛ ما دفع العوائد على السندات الألمانية متوسطة الأجل إلى المنطقة السالبة لأول مرة منذ عام 2016.
لكن الأسواق يبدو أنها لم تلق بالاً كثيراً لمحاولات الطمأنة؛ إذ فتحت الأسهم الأميركية منخفضة الاثنين. وانخفض المؤشر داو جونز الصناعي 11.60 نقطة بما يعادل 0.05 في المائة ليصل إلى 25490.72 نقطة، وتراجع المؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمقدار 4.70 نقطة أو 0.17 في المائة مسجلاً 2796.01 نقطة، وهبط المؤشر ناسداك المجمع 23.68 نقطة أو 0.31 في المائة إلى 7618.98 نقطة.
وأوروبياً، فتحت الأسهم على انخفاض كبير أمس ليضاف إلى أسوأ انخفاض أسبوعي هذا العام والذي سجلته الأسبوع الماضي بعد البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال. وهبط المؤشر ستوكس 600 الأوروبي بنسبة 0.6 في المائة، مواصلاً التراجع بعد ثلاثة أيام من الانخفاضات، في حين قاد المؤشر كاك 40 الفرنسي الخسائر بتراجع نسبته واحد في المائة تقريباً في البداية قبل أن يستقر. ونزل المؤشر داكس الألماني، بنسبة 0.3 في المائة مع تخلص المستثمرين من الأسهم وتحولهم إلى أصول الملاذ الآمن. وانخفض المؤشر فايننشال تايمز 100 البريطاني 0.5 في المائة.
وفي آسيا، سجل المؤشر نيكي الياباني أكبر انخفاض يومي في ثلاثة أشهر أمس. وانخفض المؤشر القياسي 3 في المائة ليغلق عند 20977.11 نقطة، وهو أدنى مستوى منذ منتصف فبراير (شباط)، مسجلاً أكبر تراجع يومي منذ أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وهبط المؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 2.5 في المائة إلى أدنى مستوى في أسبوعين عند 1577.41 نقطة، مع تراجع جميع القطاعات الفرعية على المؤشر البالغ عددها 33 قطاعاً.
وشهدت شركات التأمين والبنوك اليابانية، التي تسعى إلى منتجات مرتفعة العائد مثل السندات الأميركية، عمليات بيع قوية أمس متأثرة سلباً بأداء سندات الخزانة الأميركية.
وفي سوق المعادن الثمينة، ارتفع الذهب أمس مع إقبال المستثمرين على أصول الملاذ الآمن. وبحلول الساعة 1259 بتوقيت غرينتش، كان سعر الذهب في المعاملات الفورية مرتفعاً 0.5 في المائة عند 1319.01 دولار للأوقية (الأونصة)، وسجل المعدن الأصفر الأسبوع الماضي ثالث مكسب أسبوعي على التوالي، وارتفع نحو واحد في المائة. وزادت عقود الذهب الأميركية الآجلة 0.5 في المائة إلى 1319 دولاراً للأوقية.
وارتفع الذهب أكثر من 13 في المائة منذ أن لامس أقل مستوى في أكثر من عام ونصف العام في أغسطس (آب) مدفوعاً بصفة أساسية بتبني «الفيدرالي» لهجة تميل إلى التيسير النقدي وقلق إزاء النمو العالمي.
وقد يهمك أيضاً :
منطقة اليورو تقترب من إطلاق برنامج قروض طويلة الأجل
صناعة منطقة اليورو تدخل مرحلة الخطر للمرة الأولى منذ 5 سنوات
أرسل تعليقك