احد العمال في حقل محلي للنفط في دير الزور
احد العمال في حقل محلي للنفط في دير الزور
دمشق ـ جورج الشامي
تذوب الحواف الصلبة للخطوط الأمامية للحرب في سورية -سواء كانت عقائدية، ثورية، إسلامية أو طائفية - تقريبًا خارج حقول النفط، حيث تشعل حقول النفط في سورية المعارك وسط الفوضى والولاءات القبلية، وتمكن خطوط النفط الجديدة رجال القبائل ضد كتائب الإسلاميين وضد الجميع، ويتم خلق خطوط سريالية أحيانًا في
الاشتباك، حيث يبيع أمراء الحرب الخام للمتمردين ونظام بشار خوفًا من بطشهم، ويساعد المتمردون الحكومة في الحفاظ على إمدادات النفط مقابل حماية قراهم من القصف، والحصول على زيت سيفون لأنفسهم.
وتهب الرياح الشمالية منذ الصباح الباكر، لتكشف غطاء الغبار الذي اعترض الشمس وتحولت السماء إلى لون الرماد، وكان أبو زايد جالسًا على شرفة منزله الخرساني الذي لم يكتمل، لمشاهدة العاصفة. كان يحب العواصف الرملية. لأنها تذكره بدبي، حيث كان يعيش قبل الحرب. كان معجبًا بها لأن الناس هناك استطاعوا تحويل الصحراء إلى جنة. وقال لأتباعه إنه كان لديهم رؤية.
قبل ستة أشهر، غادر الإمارة الخليجية للانضمام الى الثورة السورية، وحضر مؤتمرات المعارضة في إسطنبول والقاهرة، ليتصارع على موقف نيابة عن والده، وهو شيخ قبيلة قوية في شرق سورية.
لكن أبو زايد سرعان ما أصيب بالاشمئزاز بسبب المشاحنات بين قيادة المتمردين، وقال: "هناك مجلس للمعارضة في كل ردهة في فندق إسطنبول. لا يمكنك تمييزهم عن النظام السوري".
مثله مثل زعماء القبائل الساخطين، عاد أبو زايد لأرض أجداده ووضع همه في بناء عشيرته، التي تسيطر على أراضي الأجداد الغنية بالطاقة.
وتحتوي معظم حقول النفط والغاز في شرق سورية على كميات ضئيلة يتم ضخها باستخدام تقنيات بدائية لتوليد كميات زهيدة، ولكن أرض أبو زايد فيها مصنع ضخم للغاز على بعد أقل من ميل من منزله.
واختاره والده من بين إخوانه الـ 40 لرعاية القبيلة، لأنه كان ينظر إليه باعتباره رجلاً يمتلك رؤية، فقد أعطته الحرب فرصة لتحقيق حلمه: وهو بناء إمارة النفط التي تعمل في الوقود.
وقال "هناك فوضى الآن، الجيش السوري الحر يطارد الغنائم، ولا يهتمون بالمدنيين. المجالس العسكرية تسرق المساعدات ومن ثم تبيعها. هناك العشرات من الكتائب هنا، ونحن حتى لا نعرف من يحرس نقطة التفتيش في نهاية الشارع. بعض الناس يقولون إن أيام بشار الأسد كانت أفضل، وأن المعارضة خانت الشعب".
وأضاف: "ولكن يمكننا تنظيم هذا الوضع. انظروا إلى حقل الغاز هذا، إنه تحت سيطرتنا. نحن ننظم الأشياء هنا، ويمكننا أن نفعل الشيء نفسه بالنسبة إلى حقول النفط والغاز وغيرها".
وقال: "معظم الناس الذين يسيطرون على حقول النفط هنا يربحون حوالي 5 مليون ليرة سورية، أي ما يعادل 32 ألف جنيه إسترليني يوميًا. وهم يستغلون الحقل لبضعة أسابيع، ولكن بسبب الفوضى، يقوم أحد الاقارب الأقوياء أو كتيبة بالقتال من أجل السيطرة عليها".
وأضاف "أنا أقوم باستئجار الحقول من هؤلاء الأشخاص مقابل 10 مليون ليرة سورية في الشهر. وأقوم بوضع الحقول كافة تحت سيطرتي، وجلب الشركات لاستغلالها بشكل صحيح، وتنظيم قوافل الشاحنات لبيع الغاز إلى تركيا. ثم سنقوم بشراء صواريخ باتريوت وطائرات من دون طيار لحماية الحقول ضد النظام".
ولم يتوقف طموحه عند هذا الحد، قال أبو زيد: "بمجرد امتلاكك القوة الاقتصادية يمكن أن أعقد مجلسًا للقبائل هنا داخل البلاد، وتنظيم كل الوحدات العسكرية في مجلس عسكري واحد".
وباستخدام التعريف القديم للأراضي القبلية وهو من الحقبة الاستعمارية الفرنسية، قبل قيام الجمهورية السورية والقوانين الاشتراكية التي حطمت الملكية الإقطاعية، كل قبيلة تدعي ملكيتها الآن للحقول التي تقع في إقليم القبيلة. بعد انهيار النظام السوري، عاد المجتمع في الشرق صحراء مرة أخرى للنظام القبلي".
وقال أبو زايد "حتى جبهة النصرة "إحدى أذرع تنظيم القاعدة" لا تستطيع أن تفعل أي شيء ضدنا. إنهم يحاولون السيطرة على الحقول لكنهم لا يستطيعون. وحتى الأميركيون لا يمكنهم أخذ هذه الحقول منا بعد كل الأسلحة التي لدينا الآن".
ثم وقف ومشى إلى حافة الشرفة بطريقة بطيئة ومدروسة، ثم ارتدى الكوفية والدشداشة، ولكن ليس في شكل رجال القبائل السورية، ولكن مثل أهل السنة الأغنياء في الخليج.
وقادني أبو زايد بعد ذلك لسيارته الفارهة من طراز BMW 4X4 امام الجزء الأمامي من المنزل. قفز اثنان من المسلحين في المقاعد الخلفية، وكان وجودهما فقط من باب الاحتياط، ولم يكن هناك قتال في هذه الأجزاء من البلاد، او أي قصف أو غارات جوية، إلا أن الرياح تهب وهناك عاصفة رملية تقترب.
وعلى أبواب المصنع، فتح أربعة من المقاتلين البوابات. نزل أبو زايد من سيارته أمام المصنع الحديث ذات المداخن المعدنية، والخزانات الكروية، ووقف وكأنه حاكم يتفقد أحدث إنجاز أمته. وقال: "هذا المصنع من الدرجة الأولى، لقد بنوا كل هذه المصانع على أرضنا، وهناك 10 حراس فقط واثنين من الطهاة من منطقتنا يعملون هنا. أما البقية فجاءوا من المدن. الآن الامر قد انتهى، وهذه هي بلدنا.
وأضاف: "هذا المصنع ينتج أرباحًا تقدر بـ 10 مليون ليرة سورية يوميًا. نحن نحميه ولن نسمح لأحد بسرقة أي شيء من هنا. نحصل على الغاز والكهرباء من هذه الحقول ونبيع البنزين الذي تنتجه الشركة".
وكان هناك ثلاثة مهندسين في بدل زرقاء يمشون حول محيط مصنع للتفتيش في بعض المستودعات التالفة. سار واحد منهم بعيدا عن المجموعة بخفة لتحية الشيخ، وقال "كل شيء يسير على ما يرام، لكن لا ينبغي لنا أن ننتج كميات أكثر من LPG "غاز الطبخ" ونحن في حاجة لضخ كلها اليوم، لأنني أريد إبقاء الخزانات فارغة."
وظهرت علامات الانزعاج على وجه أبو زايد. كان غاز الطهي مهمًا جدًا بالنسبة إليه، كما تم ضخ بعض منه إلى حقل وقود قريب تحت سيطرة جبهة النصرة لضمان سعادة مقاتليها. والكميات الباقية تم تعبئتها في زجاجات وبيعها في السوق.
قدم المهندس تقريره الفني لرئيسه الجديد: "أنا أقوم بضخ متر 4.5 مليون متر مكعب من الغاز في شبكة الغاز الرئيسية. وهي توفر كمية من الكهرباء تقدر بـ 5 مرات أكثر من احتياجات محافظة دير الزور".
وقال المهندس: "من الذي يتحكم في الشبكة الرئيسية؟ الحكومة". كان لديه اللياقة البدنية وكأنه كان يمارس رياضة رفع الأثقال ولكنه استنفد، حيث كانت هناك هالات سوداء حول عينه الصغيرة، والتي تغطي على ما يبدو أكثر من وجهه.
وأضاف أن "النظام يريد إنتاجًا بغض النظر عمن يسيطر عليها. أنا أضخ الغاز إلى الحكومة وللإرهابيين".
وتابع "أنا أقول للنظام كل شيء، فقد قلت لهم إن الحقل تحت سيطرة جبهة النصرة، وإن القبائل سيطروا على الآبار ونهبوها. ولكن المسؤولين في النظام لا يريدون الاستماع، إنهم لا يريدون سوى الإنتاج. وإذا قمنا بخفض الانتاج يصيبهم الجنون. يريدون أن أرسل لهم غاز البترول المسال وأنا أقول لهم إن السكان المحليين يحصلون عليه، لذلك يصرخون في وجهي، وأقول لهم إذا كانوا لا يحبون ذلك فسوف نغلق الحقل، لذلك يصمتون. وأعتقد أن رجال النظام يعتبرون أنفسهم أسيادًا حتى الأن. ولكن أين هم؟ أين هم لحماية المنشآت؟
وأردف "أنا ضخ حوالي 5 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا في النظام الذي يغذي محطات الطاقة الخاصة بالنظام. على الرغم من أن النظام يوفر الكهرباء لبعض المدن، ولكن إذا توقفت عن الضخ فسوف ينهار النظام لديهم. في النهاية الأسد لا يمانع في التعامل مع المتمردين إذا منحوه الكهرباء".
ودعانا المهندس إلى مكتبه الذي يرجع طرازه إلى العام 1980. وقال: "نصف العمالة تحضر كل يوم إلى الحقل والبقية تركوا العمل. وعندما سألهم عن السبب، قالوا إنه ينبغي أن ننظر إلى ما يحدث لبقية البلاد".
وأضاف "نحن ننتج 120 مليون ميجا وات من الكهرباء. وأنا أعطي هذه الكمية إلى مناطق تمركز المتمردين لأنه إذا انقطعت الكهرباء اليوم فسيهاجموننا غدًا، وإذا توقف ضخ الغاز إلى الحكومة فستقصف كل هذا غدًا. لذلك أشعر وكأنني أجلس على قنبلة. المتمردون يقاتلوننا في الليل، ولا يستخدمون سلاح الكلاشنكوف هذه المرة ولكن المدافع المضادة للطائرات، وإذا اطلقت رصاصة واحدة في خزانات الغاز فإن المنطقة كلها ستنفجر، ولهذا السبب أحاول إبقاءها فارغة".
وقال ابو زايد عن أسباب تزويده الحكومة بالغاز: "إذا لم نضخ الغاز فسوف يهاجم النظام الحقول التي تمدنا بالغاز والكهرباء".
وأضاف: "هذا المهندس رجل صادق جدًا ووطني ومكث عندما فر الآخرون، لذلك أحضرته إلى بيتي وقلت له: "عليك محاولة إرسال الوقود إلى الآخرين، هذه أرضنا ولديك مصنعك هنا، ولكنه ملكنا الآن".
وكان هناك سلسلة طويلة من المصابيح الأمامية للسيارات على الطريق الضيق الذي يربط الطريق السريع المؤدي إلى حقل الغاز. كانت هذه قافلة من ناقلات وشاحنات متوجهة إلى المحطة للحصول على البنزين. كما يفهلون في كل ليلة ، يتجمع رجال القبائل وأقاربهم من كتائب المتمردين المحليين عند المصنع، حيث تقع محطة الضخ، للحصول على البنزين الثمين الذي سيتم بيعه على بعد بضعة أميال أسفل الطريق لتجار النفط.
وأحضر رجال القبائل المدافع المضادة للطائرات من طراز 23MM الثقيلة التي تم شحنها على شاحنات "البيك اب" كاجراء احترازي، حيث يمكن أن ينشأ أي خلاف بشأن حصة كل مجموعة. وكانت تقف دبابة روسية قديمة مثل الحارس مفتول العضلات، وعلى استعداد للتدخل.
وسار أبو زايد لإبرام الصفقات بعدما طلب المشترون زيادة حصصهم، والحد من تلك الموجهة للقبائل الأخرى، أو شراء كميات من غاز الطهي. كانت هذه الصحراء السورية مثل نوادي لندن أو نيويورك حيث يتم التفاوض على الصفقات الكبرى.
"يا حسن ما أصابنا؟" سأل قائد ذو شارب أسود كثيف جدًا. "أين أوقات الجهاد الجميلة؟ في الأيام الأولى، قبل وصول النفط اللعين، فقد بدأ الجميع في بناء ثرواتهم، وتركوا القتال".
وأجاب حسن، وهو شخص سيئ السمعة لمشاركته في التمرد وأصبح واحدًا من أغنى الرجال في دير الزور،: "أقسم بالله أنني سوف أقوم بتجهيز وتنظيم الكتائب من خلال عائدات النفط للقتال في المدينة".
وقال القائد ذو الشارب الكثيف "لذلك يا حسن لم يأذن لي الله بالشهادة حتى الآن طالما أن المدينة هناك في انتظارنا، سوف نقاتل".
وقال حسن إن النفط هو سبب تقسيم القبائل "حقل النفط ينتمي إلى أرض الأجداد الخاصة بالقبيلة، ولكن أي عشيرة؟ أي عائلة؟ أي إخوة؟ هذا هو السبب في حرصهم على التسليح، لذلك تحدث اشتباكات يومية على حقول النفط، وأصبح المدفع المضاد للطائرات من طراز 23MM أمر ضروري ".
ويمكنك الاستماع إلى رجال القبائل وهم يحاولون البكاء على ضياع القدس في الوقت الذي ينشغل فيه أحمد، وهو شاب طويل القامة ورياضي وله شعر كثيف دائمًا ما يغطيه بالجل، بتجميع ثروات النفط، وكان يعمل كحلاق في مسقط رأسه في دير الزور. قام قائد كتيبة أحمد بنهب ناقلة نفط، التي كانت وقتها مؤجرة لأبو زايد. كانت الإيرادات تستخدم لدعم الكتيبة المكونة من 200 رجل يقاتلون على خط المواجهة. وكان أحمد الضابط اللوجستي المسؤول عن جمع الإيجار، وشراء الذخيرة والأسلحة، وإطعام الرجال.
وأضاف "من خلال الأسلحة التي جمعتها، كان يمكن أن أحرر مدينة دير الزور منذ فترة طويلة".
وقال أبو زايد "دائمًا ما يلوم أهل المدينة على الريف ، لقد تلقيت الأسلحة التي من شأنها أن تحرر المدينة مرات عدة. ولكن بينما نحن نقاتل، كنتم تجلسون وتلعبون الكوتشينة في المقاهي في المدينة. فعلنا واجبنا وحررنا الريف. الآن حان دوركم."
و"معظم المقاتلين في المدينة هم من الريف، وليس من المدية. نعم، لدينا أسلحة ولكننا كسبناها بأيدينا أما انتم فقد بعتم الأسلحة الخاصة بكم."
وقال أحمد :"هل رأيت المدينة؟ لقد وقع علينا ايذاء شديد ليلاً ونهارا من قبل الكاتيوشا "قاذفات صواريخ" ولكن ينظرون إليك على أنك تجلس على الشرفة تتمتع بالنسيم، نحن هناك لكان مثل الأموات الآن. نحن نأكل الخبز المجفف ومزجها مع الماء لنأكله. هذا النفط للجميع. انها ليس زيت العلاج الخاص بك".
وتابع "هذا النفط لنا، وليس لك، وليس لتنظيم "القاعدة" وليس لأحد، مهما كان قوي، يمكنه أن يأخذه منا؟ لدينا الأسلحة لمحاربة أميريكا إذا كنا نريد حتى النظام لا يمكن ان يحصل على هذه الابار مرة أخرى الآن. لا يريد أحد أن يأكل الخبز المجفف أكثر من ذلك؟ نحن نريد بيع النفط وبناء المنازل ". وضحك الجميع.
وقال أحد الرجال مازحًا: "يجب عليك ان تقيم وزارة للنفط هنا في سوريا الجديدة".
وقال أحمد: "وماذا عن حقل الغاز، لا أعتقد أنه من الخطأ أن تبيع الغاز للحكومة التي تقصفنا من على بعد 20 كيلومترًا من هنا. إذا لم أعطيهم الغاز، سيقصفون هذه القرية بأكملها من على وجه الأرض."
في وقت لاحق، على خط المواجهة في دير الزور، قال لي أحمد كيف استنفد بارونات النفط الجدد قوة الثورة في الشرق. وقال: "لوردات النفط، مثل أمراء الحرب، انهم السبب في أننا لم نفز حتى الآن، وهم لا يهمهم إذا قتلنا جميعًا هنا، أنهم يهتمون بحجم الأموال التي سوف تعود عليهم.
وقال "كانوا مع النظام وعندما رأوا النظام ينهار قرروا الانضمام إلى الثورة الآن أنا لا أعترف بهم كجزء من الثورة، أنا فقط أشاهد من حولي على الخطوط الأمامية مثل بعض الثوار الحقيقيين والباقي هم من المرتزقة، وسوف يتم استئصالهم بعد الحرب".
أرسل تعليقك