تسيطر تداعيات جائحة "كورونا" المستجد على تطور الأحداث في العراق، فما زالت أعداد غير قليلة من الكسبة وأصحاب المهن الصغيرة، مثل عمال البناء وباعة الخضراوات والفاكهة وسائقي سيارات الأجرة والـ«التوك توك»، في العراق يمارسون أعمالهم المعتادة لمواجهة متطلبات الحياة اليومية لعوائلهم غير عابئين بالحظر الصحي الذي تفرضه السلطات الحكومية لمنع تفشي فيروس «كورونا» المستجد في البلاد، فيما هيمن شبح الضربة الأميركية المرتقبة التي تم الكشف عنها مؤخراً بدأ يتفاعل في الأوساط العراقية، وذلك في وقت تواصل فيه الولايات المتحدة انسحابها من كثير من القواعد العسكرية التي توجد فيها قواتها بمناطق مختلفة من العراق، هذا ووصف محمد محيي المتحدث الرسمي باسم «كتائب حزب الله» العراقية، الانسحابات الأميركية من بعض قواعدها العسكرية في العراق بأنه لا يمثل انسحاباً حقيقياً وإنما مجرد «إعادة تموضع بعدما تعرضت له من ضربات قوية من فصائل الشعب العراقي»، متعهداً بمواصلة استهداف القوات الأميركية في البلاد.
الحظر يضيّق معيشة فقراء العراق
فعلى الرغم من أن حظر التجوال ساهم بشكل كبير في ركود الأسواق وتراجع حركة التجارة والبيع والشراء بشكل عام، فإن أصحاب الدخل المحدود والفقراء يواصلون بصبر الخروج لأعمالهم ويفضلونه على البقاء في المنازل وانتظار المجهول. وعادة ما تتركز علميات خرق الحظر في الأحياء والمناطق الشعبية المكتظة البعيدة عن مراكز المدن في بغداد وباقي المحافظات، باستثناء إقليم كردستان، التي تفرض السلطات فيها حظراً صارماً على المواطنين هناك ولا تسمح إلا بحركة فئات محددة، مثل الكوادر الطبية والبلدية وبعض العاملين في المجال الإعلامي.
وحيال عمليات خرق حظر التجوال المتواصلة وفي مسعى للحد منها، أعلنت «قيادة عمليات بغداد»، أمس، عن إلقاء القبض على 4569 مخالفاً لحظر التجوال منذ فرض تطبيقه في 17 مارس (آذار) الحالي، وقامت بحجز 569 عربة ودراجة نارية مختلفة، كذلك قامت بفرض 26353 غرامة مالية على المخالفين. ومع ذلك ما زالت عمليات كسر الحظر متواصلة في مدن الأطراف والأحياء الشعبية.
وينقل شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» مشاهداتهم لمواصلة عمال البناء وجودهم اليومي في الأماكن المخصصة لهم والتي تعرف محلياً بـ«المساطر» في بغداد والمحافظات. ويؤكدون وجود العمال في «مسطر» بغداد الجديدة، وبقاءهم فيه حتى منتصف النهار من كل يوم على أمل أن يأتي من يستأجرهم لعمل ما.
إجمالاً؛ لا يساور القلق المعيشي العراقيين من أصحاب المهن والدخل المحدود فحسب هذه الأيام، بل يتعداهم ليشمل الموظفين الحكوميين الذين يخشون من عدم قدرة الحكومة على تأمين رواتبهم الشهرية نتيجة أزمة البلاد المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط وتعطل مجمل النشاطات التجارية بسبب جائحة «كورونا»، مما دفع بالبنك المركزي العراقي، أمس، إلى طمأنة الموظفين والمتقاعدين بأن مرتبات شهر أبريل (نيسان) «متوفرة في حساب وزارة المالية».
وبدوره، يرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة المستنصرية ميثم لعيبي أن «ادعاء المقدرة على توفير الرواتب الخاصة بالموظفين يمثل مثلبة كبرى للإخفاق الحكومي في الاقتصاد العراقي». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كثير من المحللين ومتخذي القرار يتباهون بهذه الحجة، لكن ذلك لا يعدو أن يكون تكريساً لمسلسل الإخفاق في إدارة ملف النفط الذي نتوقع أن تكون قوته أعلى في كل مرة عن التي قبلها وذلك إلى الحد الذي سيصل لعدم توفير جزء من هذه الرواتب، والاضطرار إلى حلول قاسية تتضرر منها فئة أصحاب الرواتب والدخل المحدود».
ويرى لعيبي أن «انخفاض أسعار النفط عامل رئيسي وحاكم على الاقتصاد العراقي، لأن أسعاره وكمياته هي أساس إيرادات ونفقات الموازنة العامة، وانخفاضها سيصيب الاقتصاد بركود كبير، سواء في القطاع العام والخاص، فالأخير يتغذى ويتعيش على الأول».
وفي مسعى من الحكومة لتقليل الضغوط المعيشية على المواطنين خلال فترة الحظر الصحي وتوقف معظم الأعمال، دعت وزارة التجارة، أمس، المواطنين إلى تسلم «4 مواد غذائية، هي: الطحين والسكر وزيت الطعام والأرز» من حصصهم التموينية، وحسب الرقعة الجغرافية. غير أن قطاعات سكانية واسعة باتت منذ سنوات تشكك في عمل وزارة التجارة والحكومة المتعلق بالبطاقة الغذائية التي أقرت خلال فترة الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي، أو ما عرف بنظام «النفط مقابل الغذاء»، نظراً لتراجع نوعية وكمية المواد الموزعة على المواطنين منذ عام 2003.
وشدد عضو مفوضية حقوق الإنسان فاضل الغراوي على ضرورة تشكيل «هيئة عليا للكوارث والأزمات» في العراق لحماية المواطنين. وقال الغراوي في بيان، أمس، إن «أزمة فيروس (كورونا) والحجر المنزلي الإجباري يلزم الحكومة بتوفير مفردات الحصة التموينية بشكل مضاعف للشعب العراقي، خصوصاً الفئات الهشة وذوي الدخل المحدود». وعدّ الغراوي في بيان أن «الأزمة قد تستمر، ومع توقف الأعمال وعدم وجود مصادر رزق، فإننا قد نكون أمام أزمة معيشية حادة تقتضي أن تقوم الحكومة بواجباتها بتأمين قوت الشعب». وأضاف «أننا ما زلنا نؤشر الحاجة الماسة إلى تشكيل (الهيئة العليا للكوارث والأزمات) في العراق لتقوم بمهامها بحماية حقوق المواطنين في جميع الأزمات وتأمين متطلبات الإغاثة الإنسانية لهم».
وبحسب البيانات الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية، فإن «نسبة الفقر في العراق تضرب 20 في المائة من مجموع سكانه، وهي تعادل نحو 7 ملايين مواطن يوجد معظمهم في المحافظات الجنوبية». وأتت جائحة «كورونا» وما نجم عنها من حظر للتجول وتوقف معظم النشاطات التجارية، لتزيد من معاناة تلك الشرائح الفقيرة، مما دفع بكثير من الفعاليات المدنية والدينية، في الأسبوعين الأخيرين، إلى القيام بحملات واسعة للتبرع وتقديم سلال غذائية وإيصالها إلى العوائل الفقيرة. غير أن ذلك لن يكون بديلاً، بحسب مراقبين اقتصاديين، عن الحاجة لعودة الحياة إلى طبيعتها وتوفير فرص عمل حقيقية لتلك الشرائح المحرومة وتمكينها من الانخراط في سوق العمل.
شبح ضربة أميركية يهيمن على الحراك
هيمن شبح الضربة الأميركية المرتقبة التي تم الكشف عنها مؤخراً بدأ يتفاعل في الأوساط العراقية، وذلك في وقت تواصل فيه الولايات المتحدة انسحابها من كثير من القواعد العسكرية التي توجد فيها قواتها بمناطق مختلفة من العراق، والحراك السياسي العراقي لا يزال يتمحور حول فرص رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي، حيث يبقى الانقسام على أشده داخل البيت الشيعي، وحول مواجهة فيروس «كورونا»، والأزمة المالية. لكن شبح الضربة الأميركية بدأ يسرق الأضواء شيئاً فشيئاً؛ لا سيما مع نسج كثير من الأخبار والقصص؛ سواء عبر تداول أخبار بخصوص استهداف بعض قادة الفصائل المسلحة الأكثر قرباً من إيران، والحديث عن طيران غامض هنا وهناك.
ومع أن المنطقة الخضراء جرى استهدافها قبل أيام بأكثر من صاروخ، فإن عمليات استهدافها أو مناطق قريبة منها توقفت منذ أن تم الكشف عن إمكانية تنفيذ الولايات المتحدة ضربة للفصائل المسلحة. لكن رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي قطع الشك باليقين عندما أعلن أمس في بيان له أن «الأعمال اللاقانونية في استهداف القواعد العسكرية العراقية أو الممثليات الأجنبية، هو استهداف للسيادة العراقية وتجاوز على الدولة». وأضاف عبد المهدي: «إننا نتخذ كل الإجراءات الممكنة لملاحقة الفاعلين ولمنعهم من القيام بهذه الأعمال»، مبيناً «نتابع بقلق المعلومات التي ترصدها قواتنا عن وجود طيران غير مرخص به بالقرب من مناطق عسكرية»، محذراً «من مغبة القيام بأعمال حربية مضادة مدانة وغير مرخص بها». وتابع أن «القيام بأعمال حربية غير مرخص بها يعتبر تهديداً لأمن المواطنين وانتهاكاً للسيادة ولمصالح البلاد العليا»، مؤكداً «خطورة القيام بأي عمل تعرضي دون موافقة الحكومة العراقية». وشدد عبد المهدي على أن «الجهود يجب أن تتوجه لمحاربة (داعش) وبسط الأمن والنظام ودعم الدولة والحكومة والتصدي لوباء (كورونا)»، داعياً إلى «وقف الخروقات والأعمال الانفرادية واحترام الجميع للقوانين والسيادة العراقية».
وفي السياق ذاته، أكد رئيس «المركز الجمهوري للدراسات السياسية والأمنية» الدكتور معتز محيي الدين، لـ«الشرق الأوسط» أنه «بعد إعادة انتشار القوات الأميركية ورحيلها إلى مناطق آمنة مثل قاعدة عين الأسد (في الأنبار)، وبعد وصول قوات مختصة بالعمليات الخاصة والتي تسمى (دلتا) قبل أسابيع لحماية مقر السفارة وأماكن أخرى تابعة للوجود الأميركي في المنطقة الخضراء، فقد أخذت الولايات المتحدة تطبق قانون فرضته الإدارة الأميركية في 6 يناير (كانون الثاني) من هذا العام ويسمى (قانون ماغنتسكي) العالمي لحقوق الإنسان والمساءلة وفرض حظر على كل السياسيين الذين ترى واشنطن أنهم متهمون بتلك الانتهاكات، واستهدف شخصيات مهمة خلال الفترة الماضية ووضعهم على اللائحة السوداء بدعوى أنهم استهدفوا أميركيين خلال الفترات الماضية». وأوضح محيي الدين أن «هذا القانون سوف يتفاعل مع القوانين والإجراءات التي صدرت فيما بعد ليستهدف من تلطخت أيديهم بقتل المتظاهرين، لا سيما أن الحكومة العراقية لم تتخذ إجراءات فعالة». وبيّن محيي الدين أن «الولايات المتحدة أخذت موافقات شبه رسمية من قبل مجلس الأمن للتحرك عندما ناقش التقرير الأخير لممثلة الأمم المتحدة لدى العراق التي انتقدت الإجراءات العراقية». وأوضح محيي الدين أن «هذا القانون سوف يشمل بعض السياسيين الآخرين الذين تلطخت أيديهم بقضايا الفساد المالي والتي سبق للحكومة الأميركية أن أشارت إليها، وهم بعض أصحاب المصارف... وسواهم». وكشف عن أن «الحكومة الأميركية أبلغت الحكومة العراقية في أكثر من رسالة بأنها عازمة على تنفيذ كثير من الإجراءات في هذا المجال».
إلى ذلك؛ دخلت مسألة انسحاب قوات التحالف الدولي في الحسابات السياسية، خصوصاً للمعترضين على تمرير رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي. فرغم إعلان الزرفي في تغريدتين خلال يومين ضرورة مساعدة إيران لمواجهة وباء «كورونا» وإبعاد العراق عن الصراع الأميركي - الإيراني، فإن إدارة «فيسبوك» اضطرت إلى إغلاق نحو 7 صفحات مزورة تنقل عن الزرفي أخباراً وتغريدات لا أصل لها؛ من بينها تغريدة تتناول موقفه من الفصائل المسلحة وهو ما نفاه في تغريدة على حسابه الموثق. ولا يزال الزرفي يواجه رفضاً واضحاً من كتلة «الفتح» التي يتزعمها هادي العامري، بينما ربطت كتل أخرى مثل «دولة القانون» و«العقد الوطني» موقفها بحصول الزرفي على أغلبية برلمانية لتمريره.
"كتائب حزب الله" تتعهد بمواصلة استهداف القوات الأميركية
وصف محمد محيي، المتحدث الرسمي باسم «كتائب حزب الله» العراقية، الانسحابات الأميركية من بعض قواعدها العسكرية في العراق بأنه لا يمثل انسحاباً حقيقياً وإنما مجرد «إعادة تموضع بعدما تعرضت له من ضربات قوية من فصائل الشعب العراقي»، متعهداً بمواصلة استهداف القوات الأميركية في البلاد.
وقال محيي في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، إن «انسحاب القوات الأميركية من بعض القواعد العسكرية في مناطق مختلفة من البلد هو إعادة تموضع للبحث عن مناطق أكثر أماناً بعد تعرضها لضربات عسكرية قوية من قبل فصائل الشعب العراقي الذي يرفض تواجدها». وأكد، «سنواصل استهدافهم أينما كانوا لأننا نعتقد أن التحركات الأميركية في العراق عدوانية وتواجدها غير شرعي». وقال «نحذر القوات الأميركية من القيام بأي عدوان على الشعب العراقي وفصائله أو أي محاولة انقلاب عسكري ضد العملية السياسية أو النيل من قيادات الحشد الشعبي أو اغتيال شخصيات عراقية وطنية مؤثرة». وأضاف «موقفنا من الضربات التي تتعرض لها القوات الأميركية في العراق واضح، وهو أن من حق الشعب العراقي أن يتصدى لهذا التواجد، لكن نحن نختلف مع الآخرين في نوعية الضربات وتوقيتها، الذي ربما يكون غير مناسب، أما بالنتيجة فهو حق للشعب».
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» كشفت قبل يومين عن إعداد خطط أميركية لتدمير مجموعة من الميليشيات المدعومة من إيران والتي هددت بشن مزيد من الهجمات ضد القوات الأميركية في العراق، وأشارت الصحيفة إلى أن كتائب «حزب الله» العراقي من هذه الميليشيات. ونقلت أن بعض كبار المسؤولين الأميركيين يرون أن «هناك فرصة لمحاولة تدمير الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، حيث إن القادة في إيران مشتتون بسبب أزمة وباء (كورونا) في بلادهم».
قد يهمك ايضا:
باريس تعلن تحرير فرنسيين وعراقي اختطفوا في العراق منذ مطلع 2020
نائب برلماني في العراق يكشف سبب طلب علاوي تأجيل جلسة التصويب على حكومته إلى الأحد
أرسل تعليقك