جماهير تونسية تحيط بعربة الإسعاف التي تنقل جثة زعيم المعارضة شكري بلعيد في تونس
لندن ـ سليم كرم
يرى المحللون السياسيون أن "تونس كانت بمثابة الشرارة التي انطلقت في أعقابها الثورات العربية، كما كانت النموذج المثالي لما حققته من إنجازات إيجابية، تمثلت في الإطاحة بالحاكم الديكتاتور بأقل قدر من الدماء ، ومرحلة التحول الديموقراطية الخالية من الفوضى، والانتخابات الحرة، ونهوض
الحزب الإسلامي الذي يجاهد من أجل الظهور في صورة معتدلة، وإذا ما قارنا الوضع في تونس بحالة عدم الاستقرار التي تعاني منها مصر حاليًا والمذبحة التي تشهدها سورية الآن، وحالة العنف المتقطع في ليبيا، يمكن القول إن "تونس تسير بخطى مقبولة ومعتدلة إلى حد ما".
وأكد المحللون أن "عملية اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بلعيد المعروف بانتقاده الضاري للحكومة التونسية التي يقودها حزب النهضة، قد سلطت الأضواء بصورة غاية في الإثارة والحساسية على المشكلات الخطيرة التي تعاني منها تونس".
وفي هذا السياق تشير صحيفة "الغارديان البريطانية" إلى أن "فوز حزب النهضة بالانتخابات التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر العام 2011 والتي أسفرت عن تشكيل برلمان حظي فيه الحزب بغالبية من خلال التحالف مع حزبين علمانيين، كما يحظى راشد الغنوشي زعيم الحزب الذي كان في المنفى في بريطانيا قبل الثورة التونسية، بصورة إيجابية، وإن كانت صورته في الخارج أفضل من صورته في الداخل، لاسيما وأن ثورة الياسمين لم تعد تفوح اليوم بعطرها الجميل بالدرجة نفسها التي كانت عليها من قبل".
وتشير الصحيفة إلى أن "بلعيد الذي كان يمثل جماعات المعارضة التي لم تكن سعيدة بأداء حزب النهضة في الحكم، قد دعا قبل أيام من اغتياله إلى إجراء حوار وطني لوضع حد للأزمات المتصاعدة في البلاد".
وقد أدان حزب النهضة مقتله، إلا أن الشبهات وراء مقتله تحوم حول الجماعات السلفية التي لم تكن راضية عن الليبرالية الاجتماعية التي كان يدعو إليها، والتي كانت تراها أكثر النزعات العلمانية في البلدان العربية منذ أيام الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس بعد استقلالها عن فرنسا خلال فترة الخمسينات.
وقد أصدرت وزارة الخارجية البريطانية بيانًا بشأن حادث الاغتيال ، ربما يلخص الحادث بصورة دقيقة ، إذ وصفته بأنه "عمل بربري يتسم بالجبن ويهدف إلى زعزعة استقرار مرحلة التحول الديموقراطي التونسية".
وقد وقع اللوم على الحكومة التونسية بسبب فشلها في وقف موجة العنف والتهديد التي روج لها أئمة المساجد ومواقع الإنترنت المتطرفة على شبكة التواصل الاجتماعى. كما أنها لم تحقق في الهجمات التي تعرض لها الصحافيون والنشطاء السياسيون والفنانين، هذا ناهيك عن محاكمة من كانوا وراء ذلك. وكانت الجماعات السلفية قد هاجمت السفارة الأميركية في تونس خلال أيلول/ سبتمبر الماضي بعد الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الأميركية في بنغازي والسفارة الأميركية في القاهرة. وخلال تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ظهر تسجيل فيديو يصور الغنوشي وهو يتحدث إلى زعماء سلفيين، وقد قام خصوم حزب النهضة باستغلال ذلك التسجيل للإيحاء بأن الحركتين اتفقتا على إعادة أسلمة المؤسسات التونسية، مثل الجيش والشرطة والإعلام. وعلى الرغم من رفض النهضة لتسجيل الفيديو ومحاولة نزع فتيل الأزمة، لكن ذلك لم ينجح في إزالة حالة عدم الثقة والارتياب المتزايدة.
وتؤكد الصحيفة البريطانية أن "مشكلة حزب النهضة تشبه إلى حد كبير، المشكلات التي يواجهها الرئيس المصري محمد مرسي وحكومة الإخوان في مصر، إلا أن الوضع في تونس يختلف عنه في مصر من حيث أن الحزب الحاكم في تونس لم يصغ علاقة قوية مع الجيش وأجهزة الأمن التي يقال إنها غير مجهزة وغير مؤهلة للتعامل مع عنف المتطرفين". وهناك تقارير تؤكد أن "المئات وربما الآلاف من التونسيين قد غادروا تونس في الأشهر الأخيرة للالتحاق بالجماعات "الجهادية" في سورية واليمن ومالي".
وبعيدا عن الانقسام بين الإسلاميين والليبراليين، هناك الكثير من القضايا التي تكافح الحكومة من أجل التغلب على الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة والتي أسفرت عنها سنوات حكم زين العابدين بن علي الذي فر إلى "منفاه الذهبي" في السعودية.
وخلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، خرج الآلاف من الشباب التونسي المحبط إلى الشوارع في بلدة سيليانا، إذ وقعت اشتباكات مع قوات الأمن، وانتهت بوعود من الحكومة باستبدال حاكم المحافظة هناك بغيره، وتقديم المزيد من المساعدات وتوفير فرص عمل. وعلى ما يبدو فإن البلاد لم تشهد الكثير من التغيير منذ قيام محمد بوعزيزي بإشعال النيران في جسده قبل عامين، مما أشعل نيران الثورة والاحتجاجات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقد فشلت المحادثات الأخيرة في التوصل إلى اتفاق حول إعادة توزيع الحقائب الوزارية، بعد أن هدد أحد أحزاب الائتلاف الحاكم بالانسحاب من الحكومة، ما لم يتم استبدال مسؤولين إسلاميين ينتمون إلى حزب النهضة.
وتسود الآن حالة من الاستنكار تؤكد أن "ما يسمى بالربيع العربي قد تحول إلى "شتاء إسلامي" يكتنفه التطرف والعنف". وذكرت الغارديان أن "هذا الرأي ينطوي على كثير من المبالغة ويفتقد إلى الرؤية الشاملة". وأضافت الصحيفة أن "مقتل سياسي واحد خلال مرحلة ما بعد الثورة، لا يعني إلغاء الإنجازات كافة التي أحرزتها تونس، إلا أن سمعتها كنموذج مثالي للتحول من الديكتاتورية إلى الديموقراطية، قد تلطخت كثيرًا".
أرسل تعليقك