توصلتْ الجهود القضائية إلى شبكة كبيرة للدعارة في بغداد تستدرج الفتيات عن طريق سائقي أجرة الذين يستقطبون الهاربات من ذويهن، وهن في الغالب من خارج العاصمة.
هذه الشبكة ،بحسب الاعترافات المصدّقة قضائياً، توفّر خدمة جديدة للزبائن المعروفة بـ"التوصيل المجاني"، كما أن معظم النساء فيها قد تم بيعهن بمبلغ 2500 دولار، ولا يتقاضين لقاء عملهن في البغاء سوى توفير مكان للمبيت والمأكل والملبس.
الحكاية بدأت بالصدفة، عندما تقدم رجلان إلى إحدى محاكم بغداد ببلاغ يدّعون فيه اختطاف امرأة تكون ابنة احدهما وزوجة الآخر.
المدعيان لديهما معلومات من الجهات الامنية بتواجد "المخطوفة"، في منزل يقع ضمن الرقعة الجغرافية لاختصاص المحكمة المكاني ويطلبان إذناً قضائيا لاقتحامه.
وبعد مداهمة المكان، بناءً على قرار قضائي، تبيّن أن القصة تحمل سيناريو آخر، فلم تكن السيدة مخطوفة، أنما أقرّت في إفادتها بأنها كانت على علاقة غرامية مع منتسب أمني من العاصمة، أما هي فأنها من محافظة مجاورة.
المنزل الذي تم العثور فيه على السيدة كان مخصّصاً للبغاء، وتم القبض فيه على نساء أخريات بالجرم المشهود.
وتشير الأوراق التحقيقية إلى أن السيدة، ولديها طفل تحمله معها، اعترفت بأن هذا المنزل ليس الاول الذي سكنت فيه، بل انتقلت اليه بعد جولة في عدد من بيوت الدعارة في العاصمة.
وأضافت أن تعرّفها على المنتسب الامني حصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك)، وشجّعها على ذلك الخلافات المستمرة مع زوجها لأسباب مختلفة من بينها مالية واجتماعية.
اتفق العشيقان على الهرب للتخلص من المشكلات العائلية المتفاقمة للسيدة كما تزعّم في أقوالها، والتحقت بصحبته إلى بغداد على امل البدء بحياة جديدة تنتهي بالزواج.
بداية المطاف كان المكان منزلا لممارسة الدعارة في إحدى مناطق وسط العاصمة، ومارست الهاربة البغاء هناك للمرة الأولى، وأستمر الحال ليومين فقط وبعدها تعرضت إلى الطرد من صاحبة المكان.
كانت المحطة الثانية في منزل آخر مارست فيه العمل ذاته، لقاء أجور يحصل العشيق على جزء منها.
"الهاربة" راقت لها عوائد عملها المالية، واصطدمت مرة اخرى براعية المكان، وتركتها بمشورة عشيقها وانتقلت إلى مكان اخر شمال العاصمة، هناك تعرفت على سائق سيارة أجرة كان يوصلها إلى الزبائن لاقامة حفلات حمراء، وهو تطور جديد في عملها كانت لا تمارسه في السابق.
رغم أن العشيق كان يبيع عشيقته إلى البيوت التي انتقلت إليها في كل مرة بـ2500 دولار، لكن المشرّع عدّها ضحية في جريمة الاتجار بالبشر، وهي موقوفة لخيانتها زوجها، على ما يقول قاضي التحقيق المعروضة أمامه هذه الدعوى أحمد فائق.
المداهمة للبيوت أسفرت عن القبض على عدد من المتهمين يعملون بمهام عدة، ويؤكد فائق في حديث مع "القضاء"، أن "اغلب النساء يحملن أسماء وهمية لغرض التخلص من الملاحقات الأمنية".
ويتضح من خلال النظر إلى الاعترافات بأن المحطة الأخيرة لـ"الهاربة" التنقل بين وكرين لا يربط أفرادهما اي تواصل سواها، فكانت تنتقل بينهما للممارسة الدعارة، وانها كانت الوحيدة بين النساء تتقاضى أجورها، أما البقية، فيعملن لقاء توفير السكن والملبس والمأكل.
ويؤكد القاضي فائق في هذا الصدّد أن "عدد اللواتي القي القبض عليهن ثماني فتيات، ثلاث منهن قاصرت"، مبيناً أن "اغلبهن وقعن فريسة لسائقي اجرة يعملون لمصلحة بيوت دعارة".
واحدة من النساء اللواتي عملن مع المجموعة، قالت في إفادتها بأنها هربت ايضاً من دارها الذي يقع في محافظة بعيدة لسوء وضعها الاجتماعي وكثرة الخلافات مع ذويها كونها "أرملة".
وذكرت أنها اتجهت إلى بغداد، وصادفت صاحب سيارة اجرة وشرحت له ظرفها، وبعد حديث مطول عرض عليها المساعدة واوهمها بأنه سوف يساعدها من خلال ايجاد عمل لها في احد الدور كخادمة، لكنها اكتشفت بأنها تعرضت إلى البيع ورضخت للوضع الجديد بأنها ستمارس الدعارة لسد رمق العيش، كما تدعي.
لا تختلف هذه الرواية عمّا ادلت به مطلقة من خارج بغداد أيضاً، وهربت من دارها للتعرف في العاصمة على صاحب عجلة اجرة وقام بأخذها إلى دار البغاء بالطريقة ذاتها.
اما إحدى القاصرات، فأجبرتها بحسب أقوالها الظروف المعيشية الصعبة للعمل نادلة في احد المقاهي "كوفي شوب"، والتقت بشاب، ووعدها بمساعدتها مالياً من خلال امرأة ترعى هذا النوع من الحالات لكن المطاف انتهى بها إلى ممارسة الدعارة في احد البيوت.
واحدة أخرى، كانت في السابق تعمل راقصة في ناد ليلي تعرض في وقت لاحق إلى الغلق، ولم يبق لها سوى العمل ضمن هذه الشبكة عن طريق صديق تعرفت عليه في احد السهرات، وفقاً لاقوالها.
الغريب، أن احد البيوت يوفر خدمة مختلفة عن سواه، وهي "التوصيل المجاني"، أي أن الزبون يتصل هاتفياً ويطلب مواصفات الفتاة التي يمارس معها العلاقة غير المشروعة ويصل طلبه إلى مكان تواجده.
وبخصوص الأسعار، فأن النساء يؤكدن أنها بنحو 200 دولار إذا كانت السهرة في دار الزبون أما في الوكر فأنها لا تتجاوز 75 ألف دينار.
أما عن اصحاب الدور، فأنهن نساء أيضاً بعضهن اجبرن بناتهن أو اقاربهن للعمل في الدعارة ايضاً، فواحدة منهن أقنعت ابنة زوجها وهي قاصر بالانضمام إلى الشبكة، وأخرى يعمل ابنها سائق الأجرة الذي يستدرج الفتيات الهاربات من عائلاتهن.
وتقول إحدى السمسارات إن اشرافها على الشبكة بدأ منذ عام، وأرجعت اختيارها هذا الطريق إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها ولاسيما بعد الحكم على زوجها بالسجن ست سنوات لارتكابه جريمة، وبالتالي لم تجد من يعيلها.
وفق ما جاء على لسان السمسارة، فأنهن يفضّلن الاحتفاظ بالنساء الجميلات؛ لأن الاخيرات يحظين بزبائن عديدين وبالتالي يشكلن مصدرا ماليا مستمرا، أما غير الجميلات فسرعان ما يتم التخلص منهن عن طريق بيعهن إلى أصحاب المقاهي.
وينهي القاضي فائق القصة بالتأكيد على أن "التحقيق مستمر في ملف هذه الشبكة،لأجل كشف المزيد من الملابسات والقبض على المتهمين الآخرين وإحالتهم على محكمة الموضوع للنظر في الدعاوى وإصدار الأحكام وفقاً للقانون".
أرسل تعليقك