اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي العراقي، حالة من الاستياء والغضب بعد انتشار مقاطع مرئية لحالات تعذيبٍ للأطفال، يقوم بها ذويهم خلال الأسبوع الجاري، وبمختلف الوسائل والطرق. وظهر في أحد المقاطع المرئية الذي صور في العاصمة بغداد، قيام عميْ الطفلة بتعليقها على إحدى المراوح السقفية، وضربها مع أخيها ضربًا مبرحًا بالعصا والأيدي، فيما كان الأب جالسًا على أريكته يراقب المشهد بهدوء، من دون التحرك لإنقاذ طفلته من أيدي هؤلاء" الوحوش البشرية".
وظهر في المقطع الثاني أحد الآباء وهو يعض وينهش جسد ابنتيه الصغيرتين" زهراء ذات الـ 4 أعوام، وغدير شقيقتها التي تبلغ 6 أعوام. وتسكن الطفلتان في حي ميسان في محافظة النجف، حيث اختار والدهما أن يعاقبهما بالحبس والضرب بوحشية مطلقة بعد تقييد أمهما، وضرب الطفلتين ضربًا مبرحًا مما تسبب في كسر ساق إحداهما، فضلا عن رضوض عديدة، في حين نهشت أسنان الرجل المجنون جسد الأخرى ككلب مسعور.
وذكر مدير إعلام شرطة النجف، الرائد مقداد الموسوي لوسائل إعلام محلية، أن "الطفلتين ترقدان حاليًا في مستشفى الصدر في النجف، وحالتهما مستقرة، لتضطر زوجة الجاني إلى رفع قضية عنف أسرى، ضده وهو من أصحاب السوابق في العنف، وحاليًا هارب وملاحق من قبل الأجهزة المختصة". وفي محافظة كركوك تعرض أحد الفتيان إلى الضرب المبرح والتعذيب على يد والده، بسبب تأخره أثناء لعب كرة القدم، مما تسبب بتشققات في بدنه تظهر حجم الضرب والتعذيب الذي تعرض له، في حين ألقت الشرطة المحلية القبض على والد الطفل.
وفي محافظة البصرة جنوب العراق كانت الطفلة زهراء على موعد مع القدر، وفارقت الحياة بعد تعرضها لضرب شديد ورمي على الجدار من قبل والدها، الذي كان يتعاطى المواد المخدرة ليبدأ بضربها كل يوم، على الرغم من أن عمرها لا يتجاوز 9 أشهر، لتفارق الحياة في إحدى مستشفيات المدينة.
وتعزو عضو لجنة المرأة والأسرة والطفل في البرلمان العراقي ريزان شيخ دلير، تلك الظاهرة التي انتشرت في المجتمع العراقي خلال الأعوام القليلة الماضية، إلى الحروب والاضطرابات التي يشهدها العراق، وانتشار مشاهد العنف والقتل والسطو المسلح وكأنه حالة طبيعية". وأضافت شيخ دلير في تصريح خاص إلى "العرب اليوم"، أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به الأسر العراقية، انعكس سلبًا على الترابط الأسري بين أفراد العائلة، فضلًا عن مساهمته بانتشار العنف ضد الأطفال".
وتابعت "أن الدول التي لا تمتلك قانونًا لحماية الأطفال من التعنيف يوميًا، يمكن أن تحصل عشرات الحالات في ظل غياب الرادع القانوني، وهو ما يحدث في العراق حيث ما زلنا في البرلمان العراقي، نختلف حول قانون حماية الطفل الذي قدم كمقترح قبل سنوات عدّة، لكن بعض الأحزاب الدينية تعارض تشريع هذا القانون، وترى فيه تهديدًا لأفكارهم". واستغرب العراقيون على مواقع التواصل قيام هؤلاء بتصوير أنفسهم، وهم يعذبون أبناءهم في حالة بعيدة عن القيم الإنسانية. وحذرت لجنة حقوق الإنسان النيابية من تزايد حالات العنف الأسري بحق الأطفال، داعية الآباء للتعامل مع أبنائهم بإنسانية.
وقالت اللجنة في بيان، إن "اللجنة تراقب بقلق بالغ حالات الاعتداء على الأطفال من قبل ذويهم بشكل متصاعد خلال الفترة الماضية"، مؤكدًة أن "تلك الأعمال الوحشية ترفضها الأديان والأعراف وهي دخيلة على مجتمعنا". وكشفت اللجنة عن عزمها إقرار قانون الحماية من العنف الأسري الذي يحد من هذه الظاهرة، ويضع مرتكبيها تحت طائلة المساءلة القانونية".
وترى الإعلامية في مجال الطفل والأسرة إيلاف أحمد، أن العنف ضد الأطفال في العراق ليس ظاهرة جديدة، بل الجديد هو تصوير تلك الحالات ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي ظاهرة جديدة تشير إلى مدى الوحشية والقسوة التي يتعامل بها الآباء مع أطفالهم، حتى وصل الحال إلى نشر صورهم، وهم يتعذبون بالسياط والعصي والتعليق بالمروحة السقفية".
وعزا أحمد، تزايد تلك الظاهرة إلى تأثير الحروب التي مر بها العراق، ودخول التنظيمات المسلحة ونشرها صور الرعب والدمار والتعذيب، الذي تقوم به تلك الجماعات، وهو ما أثر سلبًا على الأشخاص وتعزيز الصورة الذهنية العنيفة لديهم". وطالبت أحمد بإصدار قانون يجرم ظاهرة تصوير تلك الحالات ومنعها، فضلًا عن إنزال العقوبات القاسية بحق هؤلاء المسيئين للأطفال".
وفي الأثناء تمكنت وزارة الداخلية الخميس، من إلقاء القبض على المتهمين في قضية تعذيب الطفلين "بنين وعلي"، وقامت بإحالتهم إلى قاضي التحقيق بعد اعترافهم بجريمتهم. وبحسب بيان لمديرية حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري في الوزارة، فإن الشرطة المحلية ألقت القبض على المتهمين في قضية تعذيب الأطفال "بنين وعلي"، وأحالت أوراقهم إلى قاضي التحقيق بعد الاعتراف بجريمتهم، لينالوا جزاءهم العادل.
وقالت النائب في البرلمان العراقي رحاب العبودة إن "مثل هذه الحالة وحالات أخرى سبقتها تؤكد ما قلناه إن هناك انحرافًا في طبيعة ومستوى الجريمة في العراق، ولابد من وقوف المجتمع عندها ممثلاً بمؤسسات الدولة التربوية والدينية والاجتماعية". وحذرت في بيان، من استمرار مسلسل التعذيب الذي يمارس ضد الأطفال في العراق سواء من قبل ذويهم أو في المدارس"، مضيفةً أن " تجاهل مثل هذه الممارسات والتساهل الذي تبديه بعض الجهات في مراكز الشرطة أو القضاء حيال مثل هذه الجرائم والممارسات، لن يشكل رادعاً حقيقيا حيال من بات يستسهل عمليات العنف والتعذيب.
أرسل تعليقك