الجزائر ـ الجزائر اليوم
اجتياز امتحان مصيري في ظرف استثنائي وغير مسبوق ليس بالأمر الهين، لكن أن تصنع الاستثناء وسط أكثر من عامل يستثنيك لوحدك دون غيرك، فإن في الأمر سر رباني لا يودع إلا فيمن يستحقه
باختصار نحن هنا في حضرة أيقونة التحدي وملكة الإرادة باقتدار.. إنها النابغة روابحي أسماء التي عصفت بأمواجها الهادئة رياحا معاندة ألزمتها سرير المستشفى وهي تتخطى أهم عتبة في مشوارها الدراسي، لكن إيمانها بالتتويج الذي تستحق، حفزها لأن تنسج لغدها خيوطا بنور الأمل، جعلتها تجيد التجديف ضد تيار المرض الذي أوهن جسدها على حين غفلة، لتفتك شهادة البكالوريا بكل جدارة واستحقاق في شعبة الرياضيات وبمعدل 17.30 من 20.
“الشروق” تنقلت إلى حيث ترقد أسماء التي يناهز عمرها الـ18 ربيعا بمصلحة أمراض المعدة والأمعاء بمستشفى الفاتح نوفمبر بإيسطو، وبإذن من رئيستها البروفسور مانوني شفيقة من أجل تهنئتها وإجراء حوار بسيط معها حتى لا نرهقها… وهناك قابلتنا “أسماء” بوجه بشوش ومشرق كالبدر في ليلة التمام، وجدناها فوق السرير، متكئة على وسادة وذراعها الأيسر موصول بجهاز للحقن الوريدي، لكن الطاقم الطبي أكد لنا أنها تعافت، وهي على موعد لمغادرة المستشفى بعد حوالي 4 أيام، لتكون لنا معها هذه الدردشة الشيقة.
التلميذة روابحي أسماء من مواليد 11 نوفمبر 2002 بحي بيري بوسط مدينة وهران، من أم كانت معلمتها على طول مراحل التعليم الابتدائي، وأب كان مدرسا في مادة الرياضيات بالطور المتوسط قبل أن يحال على التقاعد، وهي تمثل الأخت الوسطى من بين ثلاث أخوات، وكلهن أثبتن تفوقهن الدراسي، كانت نتائجها على مدار أطوار التعليم تتراوح بين جيدة جدا إلى ممتازة، لكن المسار الذي قدّر على أسماء أن تخوضه في مشوارها الدراسي الأخير كان مختلفا عن شقيقاتها إلى حد ما، فبحسب ما روته لنا عن قصتها مع المرض التي بدأت في أكثر الفترات حساسية بالنسبة لأي مترشح في امتحان مصيري لم تقتصر على الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا على كافة المترشحين فحسب، حيث أن تحضيراتها لهذا الموعد أخذت منعطفا آخر، حين تفاجأت في زخم أيام المذاكرة والمراجعة شهر أوت الماضي.
الأطباء ينصحونها بعدم اجتياز الامتحان
باشتداد الألم عليها في منطقة البطن مع ظهور أعراض إرهاق شديد وقيء، اضطر والداها لنقلها إلى المستشفى، أين قضت 9 أيام تم خلالها تشخيص مرضها الذي هو عبارة عن مرض معوي مزمن، وبعدها تقرر خروجها إلى البيت، قبل أن يتأزم وضعها الصحي أكثر، وتنقل مجددا وقبيل موعد انطلاق البكالوريا بقليل إلى مصلحة الاستعجالات، وهناك تم تشديد العناية عليها، لدرجة أن الطاقم الطبي المشرف على حالتها نصحها بإرجاء فرصتها في الامتحان إلى الدورة المقبلة، الأمر الذي لم تهضمه بشدة، مبدية في المقابل إصرارا منقطع النظير على مقاومة المرض والمثابرة على المراجعة وحل التمارين، مضيفة أن الأطباء تخوفوا من احتمالية خضوعها لأي ضغط من طرف والديها، ليحاولا إقناعها بالعدول عن قرارها بمفردها في جلسة نفسية لم يستدع إليها الأولياء، وهناك تأكد لهم بأن لأسماء قوة تحد تفوق قوة المرض.
تعلق بالقرآن الكريم
كما تضيف أسماء أنها لم تتوقف يوما عن المراجعة منذ بداية الموسم، وأيضا بعد توقف الدراسة بسبب كوفيد ـ 19، ومعها توقف الدروس الخصوصية، وكذلك أكدت على تعلقها منذ الصغر بتلاوة القرآن الكريم، وهي العلاقة التي قالت أنها توطدت أكثر بعد مرضها، حيث أنها تداوم على تلاوة وردها اليومي، أما في يوم الامتحان، فتروي أسماء ما عانته والدتها التي لها كل الفضل رفقة والدها وأختيها في ما حققته من نتائج، ذلك أنها كانت لصيقة بها خلال فترة الامتحان، حيث كانت تتنقل إلى غاية مستشفى إيسطو في الساعة الخامسة والنصف صباحا، للتنقل معها عند السادسة والنصف إلى مركز الإجراء بثانوية باستور على متن سيارة إسعاف خاصة بالمؤسسة الصحية واجهة البحر المتعاقدة مع مديرية التربية لوهران، وتحت إشراف طبي من هناك، وداخل المركز كانت تنقل على سرير خاص لتمتحن في قاعة بمفردها ومحاطة بثلاثة أساتذة حراس، وظلت على هذا الوضع إلى نهاية فترة الامتحانات، وبعدها تعرضت مجددا إلى انتكاسة صحية لم تخرج منها إلا بسماعها لخبر تفوقها، وطبعا الإشراف الطبي الذي حظيت به داخل مستشفى إيسطو.
وعن طموحها، قالت النابغة أنها تحلم بالتسجيل الجامعي في تخصص جراحة الأسنان وتكون لها مستقبلا عيادة خاصة في هذا المجال، متمنية قبل كل ذلك وفي نداء خاص موجه إلى وزير الصحة بتكفل الدولة بحالتها الصحية، وتأمين علاج يذيب عنها كل العراقيل التي قد تقف أمام تحقيق حلمها المستقبلي، فيما أثنت كثيرا على كل من وقف إلى جانبها من أساتذة وأطباء وأهل.
قد يهمك ايضا:
تعرف على حلول الحكومة لإنجاح الامتحانات المدرسية في الجزائر
تقرير يرصد سيناريوهات تنظيم الامتحانات الرسمية في الجزائر بعد "كورونا"
أرسل تعليقك