كشف الدكتور مجدى بدران عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة، واستشاري الأطفال وزميل معهد الطفولة في جامعة عين شمس، عن عدة حقائق علمية جديدة أثبتتها 43 دراسة وبحث علمي طبي عالمي، ستنشر نتائجها خلال شهر يناير القادم بشأن الأثر الضار لملوثات الهواء على الصحة العامة للإنسان، أبرزها أن هناك تغيرات موسمية للملوثات الجوية، تميل إلى أن تكون مرتفعة في المواسم الأكثر برودة والانخفاض في المواسم الأكثر دفئا، ويترتب على ذلك حقيقة ارتفاع مستوى الملوثات الجوية لأعلى مستوياتها في فصل الشتاء، وزيادة تركيزها مع برودة الطقس، بالإضافة إلى ما كشفت عنه نتائج بحث حديث سوف ينشر في فبراير القادم (٢٠١٨)، وأكد أن الرطوبة تزيد من نسب الملوثات الجوية.
وأوضح في حديث خاص - إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط - أن تلوث الهواء ينغص النوم، ويزيد من معدلات الإصابة بالإنفلونزا وحدتها، وكذلك يزيد من الإجهاد التأكسدي في الجسم، وما يترتب عليه من الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة كالربو، وزيادة خطر واحتمالات الإصابة بأمراض القلب والسرطان والسكر والخرف (الزيهايمر)، لافتا إلى أنه خلال عام 2017 الحالي صدر 27 بحثا في هذا الشأن، أحدثها منشور في شهر نوفمبر الجاري ربطت بين تلوث الهواء والإصابة بالتوحد (الأوتيزم)، حيث كشفت نتائجها أن التعرض البيئي للهواء الملوث من عوامل الخطورة المحتملة للإصابة بالتوحد، وأن هذا التعرض يمكن أن يحدث قبل الولادة في رحم الأم وخلال الولادة و بعدها مباشرة، ولهذا فإن برمجة الجنين خلال الحمل نحو الأوتيزم هو موضوع مثار اهتمام أبحاث العلماء حاليا.
وذكر بدران، أنه خلال فصل الشتاء يقل حجم التشتت الذي يمكن أن تنتشر فيه الملوثات، مما يزيد من تركيزها، وتركيز جزيء الأوزون الأرضي الضار بجودة الهواء، موضحا أن الأوزون الأرضي لا يوجد مباشرة في الهواء، بل يتولد في وجود ضوء الشمس نتيجة تفاعلات كيميائية بين "أكاسيد النيتروجين" والمركبات العضوية المتطايرة، وأن الانبعاثات المتصاعدة من المنشآت الصناعية والمرافق الكهربائية وعوادم السيارات وأبخرة البنزين والمذيبات الكيميائية، هي بعض المصادر الرئيسية لأكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة.
وأضاف خبير الحساسية والمناعة، أن تنفس الأوزون يمكن أن يسبب العديد من المشاكل الصحية وفي مقدمتها المشاكل التنفسية وخاصة بالنسبة للأطفال وكبار السن، والمرضى الذين يعانون من مشاكل صحية في الرئة (مثل الربو) من كافة الشرائح العمرية، وأن الأبحاث أظهرت أن التعرض قصير الأمد لتلوث الهواء المحيط بالأوزون ارتبط بانخفاض وظائف الرئة، ارتفاع ضغط الدم، ويمكن أن يسبب أيضا آثارا ضارة على النباتات و التوازن البيئي لكوكب الأرض.
وحول مخاطر الأوزون الأرضي، قال بدران إن اختلاف كثافة أشعة الشمس يسبب الاختلافات في معدل إنتاج الأوزون، وعندما تكون الشمس أشد كثافة في الصيف تصل مستويات الأوزون إلى أعلى مستوى، وتكون الملوثات الأولية في تركيزات منخفضة، وفي فصل الشتاء، عندما تكون أشعة الشمس ضعيفة، يكون هناك انخفاض في إنتاج الأوزون وتصبح الملوثات الأولية، مثل أول أكسيد الكربون في أعلى مستوى يمكن أن تصل إليه.
وشدد استشاري الأطفال، على أن أغلب ملوثات الهواء الجوي ترتبط بشكل إيجابي مع الحاجة لاحتجاز مرضى الربو في المستشفيات خاصة الرضع والأطفال أقل من خمس سنوات، وترتبط المستويات اليومية لتلوث الهواء بأمراض الجهاز التنفسي السفلي (الرئتين) التي تعد أكثر الأسباب شيوعا لاحتجاز الأطفال في المستشفيات في جميع أنحاء العالم، خاصة في البلاد النامية، مما يعني أنه كلما زاد تلوث الهواء كلما امتلأت المستشفيات، مؤكدا أن مشكلة تلوث الهواء باتت من أخطر المشاكل البيئية التي تواجه الحضارة البشرية حاليا، حيث تقتل ثمانية أفراد كل دقيقة في بيوتهم.
وقال بدران، إن تعاظم الاهتمام العلمي حاليا بدراسة الآثار المترتبة تلوث الهواء على صحة الإنسان، جاء نتيجة حدوث التلوث العالمي للهواء وزيادته كل يوم بسبب الأنشطة البشرية مثل التعدين والبناء والنقل والصناعة، إضافة لبعض العمليات الطبيعية مثل الانفجارات البركانية وحرائق الغابات، وكذلك الممارسات الحديثة مثل استخدام السخانات، والمدفأة والمدخنة، ووجود خلل في الثلاجة، واستخدام شواية الفحم والتدفئة بإشعال الفحم أو الخشب، غلايات المياه التي تعمل بالغاز، ومدفأة الكيروسين، ومزيلات الطلاء، بالإضافة إلى استخدام ماكينات التصوير والطابعات والسكنرات، والدهانات والمواد اللاصقة، والعطور، ومعطرات الجو ومواد التنظيف والتلميع.
وأشار، إلى أن تلوث الهواء يعني وجود مواد كيميائية سامة في الهواء، بمستويات تشكل خطورة على الصحة العامة للإنسان وتؤدي إلى التقليل من جودته و نوعيته، إلى جانب بعض الممارسات الحياتية مثل تدخين الشيشة التي تعد قنبلة تنتج غاز قاتل في بيوت مدمنيها، حيث ينتج في جلسة تدخين الشيشة غاز أول أكسيد الكربون بمعدل خمسة أضعاف السيجارة، والذي يطلق عليه "القاتل الصامت"، لأن الكميات الكبيرة منه تقتل بلا إنذار.
وتابع، أن ملوثات الهواء غير محسوسة، وأغلبها خافية عن البشر ولا يمكن غالبا التعرف عليها بالحواس، وأن تركيزاتها تسبب مخاطر صحية عادة لا يصحبها رائحة فلا يتم التنبه لها بحاسة الشم، على أن أخطار تلوث الهواء تتزايد عند تصاعد روائح، وهي غير مرئية أو مسموعة أو ذات طعم أو ملمس، ولذلك لا يمكن أكتشاف وجودها، منوها إلى أن تلوث الهواء الداخلي أخطر بكثير من تلوث الهواء الطلق، وإنه يزيد من احتجاز الأطفال في المستشفيات، ومن معدلات الوفيات المبكرة، مشيرا إلى أنه يصل الجنين أيضا.
وذكر، أن المركبات الهيدروكربونية الملوثة للبيئة تتولد عن طريق احتراق المركبات العضوية وتميل إلى الاستمرار في التربة وفي الهواء في المدن الصناعية، وتختلف مكونات ونسب الجسيمات العالقة في الهواء من مكان لآخر، وعند دراسة تركيزات خمسة أنواع شائعة للجسيمات الدقيقة في المناطق الصناعية وهي النيترات، والكبريتات، والأمونيوم، والكربون غير العضوي، والكربون العضوي، تبين أن النيترات والكبريتات تشكل أكبر نسبة من الجسيمات الدقيقة العالقة، وتزداد مركبات الكبريت بزيادة ارتفاع نسبة الرطوبة النسبية لمعدل 60 في المائة، موضحا أن مركبات الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات للكلور تعتبر من المركبات المسرطنة والمطفرة حيث تسبب طفرات جينية تسبب التشوهات الخلقية في الأجنة.
وقال إن تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة العالقة في الهواء الجوي حاليا تعد مشكلة بيئية خطيرة، وتزداد في الدول الصناعية، لافتا إلى أن ارتفاع مستويات تلوث الهواء ارتبط بزيادة الوفيات المبكرة، وأن تلوث الهواء في الهواء الطلق الشديد تسبب في الكثير من الوفيات، منوها إلى أن حالات الوفيات المبكرة تزيد كلما زاد عدد أيام التلوث بالجسيمات العالقة في الهواء الأقل من 10 ميكرومتر.
وأوضح أنه، يمكن تصنيف الجسيمات حسب حجمها إلى جسيمات عالقة، وأخرى خليط من الجسيمات الصلبة والقطرات السائلة الموجودة في الهواء، وأن بعض الجسيمات (الغبار والأوساخ و السخام، أو الدخان )، كبيرة أو داكنة اللون بما يكفي لرؤيتها بالعين المجردة، وأن البعض الآخر صغير جدا لا يمكن رؤيته إلا باستخدام بالميكروسكوب الإلكتروني، وأن الجسيمات العالقة تنقسم إلى مجموعتين رئيسيتين هي الجسيمات العالقة الخشنة والعالقة الدقيقة، وأن التعرض على المدى الطويل للجسيمات العالقة الدقيقة يزيد من مخاطر أمراض الربو والحساسية أو الأعراض في الأطفال ما قبل المدرسة.
وأكد الدكتور مجدى بدران في حديثه إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط، أن العواصف الترابية تزيد من تركيزات الجسيمات العالقة في الهواء الجوي، وأنها تعد من أخطر الجسيمات الملوثة للهواء، ومن الممكن أن تصل للرئتين وتستقر بها، وممكن أن تبقى فترة طويلة معلقة في الهواء، بحسب نسبة الرطوبة وسرعة الرياح ودرجة حرارة الجو، ومنها غاز ثاني أكسيد الكربون ذلك الغاز السام الخانق الذي يتسبب في رفع درجة حرارة الكرة الأرضية، مما ينجم عنه ارتفاع أمواج مياه البحر وكثرة الفيضانات والعواصف وندرة الأمطار، وكذلك غاز ثاني أكسيد الكبريت الذي يضر بالغشاء المخاطي للجهاز التنفسي، ويمكن أن يلحق أن يلحق به وبالوظائف الرئوية أضرارا بالغة، مما يؤدي إلى السعال وإفراز المخاط وتفاقم حالات الربو وحالات التهاب الشعب الهوائية المزمنة، وزيادة استعداد الأفراد لعدوى الفيروسات التنفسية، إلى جانب ضرره على العين والأحبال الصوتية والقلب والأعصاب و المخ و الميتوكوندريا (الجزء المسئول عن إنتاج الطاقة في الخلايا ).
وأوضح أن غاز ثاني أكسيد النتروجين يعد أكثر خطورة من أول أوكسيد الكربون حيث يتحول إلى أوكسيد النتريك، ويصل إلى أعماق المسالك التنفسية، ويملأ الحويصلات الهوائية، وربما تصل النسب داخل المنازل إلى ضعف النسب في البيئة فيهيج الغشاء المخاطي للأنف والحلق وللجهاز التنفسي والعين، ويزيد من نسبة الإصابة بالحساسية وأعراضها وأزمات الربو، كما يزيد من فرص العدوى بالإلتهابات التنفسية خاصة الشعبية في الأطفال، ويقلل من كفاءة الرئتين، منوها إلى أن الجسيمات الهوائية تستقر في الجهاز التنفسي للإنسان عن طريق الاعتراض، والانحشار، والترسيب، والإنتشار، موضحا أن تلك الجسيمات تترسب في كل من المجاري الهوائية العليا بمعدلات أعلى في الرضع، أكثر من الأطفال، ومع زيادة العمر، تنخفض معدلات ترسب الجسيمات في المجاري الهوائية العليا، ويصبح أدنى معدل للترسيب في المجاري الهوائية العليا هو ما يحدث أيضا في الكبار، لكن يزداد الترسيب في المجاري الهوائية السفلى في الكبار.
ولفت بدران أن أحدث الأبحاث كشفت أن زيادة الملوثات الجوية تزيد من وفيات الأطفال، وفي المدن الصناعية الملوثة بنسب أعلى من المعدلات الآمنة كل زيادة في مستويات الجسيمات العالقة في الهواء الجوى تزيد من معدلات الالتهابات التنفسية ووفيات الأطفال أقل من خمس سنوات، لافتا إلى أن تلوث الهواء داخل الأماكن المغلقة يشمل أخطارا صحية، أخطر بكثير من الهواء الطلق، حيث ينجم من انتشار التدخين والأبخرة الناتجة من مواد الطلاء أو البخور أو المعطرات أو غاز الفريون الناتج من أجهزة التكييف، ولما كان نصف سكان العالم يستخدمون حرق الوقود الصلب للطهي أو التدفئة مما ينتج عنه غاز أول أكسيد الكربون وجزيئات دقيقة والبنزين والفورمالدهايد، وكلها تؤدي إلى الإصابة بالالتهاب الرئوي والربو وسرطان الرئة وانخفاض وزن المواليد، مشددا على أن إشعال الفحم في البيوت خطر جسيم، حيث هناك 300 مركب سام في الدخان المتصاعد من الفحم.
ونبه، إلى أن منظمة الصحة العالمية، كشفت أن هناك ٣ر٤ مليون شخص يموت عالميا نتيجة التعرض للهواء الداخلي الملوث، أي أن تلوث الهواء داخل المنازل يقتل تقريبا ثمانية أفراد كل دقيقة في العالم، أي حوالي 11780 حالة وفاة كل يوم، وأن استنشاق الجسيمات العالقة في هواء المنازل، تسبب الوفيات المبكرة لأكثر من 50 في المائة من حالات الالتهاب الرئوي بين الأطفال دون سن الخامسة المستنشق، وأن تلوث هواء المنزل وراء وفاة مبكرة ل 3.8 مليون سنويا من الأمراض غير السارية بما في ذلك السكتة الدماغية ومرض الانسداد الرئوي المزمن وسرطان الرئة، مشيرا إلى أن النساء الحوامل يقضين أغلب أوقاتهن في أماكن مغلقة سواء في المنازل أو أماكن العمل، فيتعرضن لاستنشاق الهواء الملوث بالملوثات المتطايرة.
وحول الأثر الخطير لعمليات الاحتراق غير التام للكربون على صحة الإنسان، أوضح أنها تنتج غاز أول أكسيد الكربون البيئي عن طريق الاحتراق غير الكامل لأي وقود يحتوي على الكربون مثل الفحم، البترول، الغاز الطبيعي، وأن شراهة الهيموجلوبين الشديدة لأول أكسيد الكربون، يجعل الهيموجلوبين يهمل واجبه الأساسي وهو حمل الأوكسيجين من الرئة إلى الأنسجة وحمل ثاني أكسيد الكربون من الأنسجة إلى الرئة، فتحرم خلايا الجسم من حصتها من الأوكسيجين، ويعاني الإنسان من انخفاض الأداء بشكل عام، ولا يترك أول أوكسيد الكربون الهيموجلوبين بسهولة، ويتشبث به ولا يدعه ينفك عنه مما يسبب الاختناق، و يقلل من وصول الأوكسيجين إلى عضله القلب، ويسبب زياد لزوجة الصفائح الدموية، فتزداد القابلية لتكوين الجلطات، ويسبب ذلك العديد من أمراض القلب، ويمهد الطريق لتصلب الشرايين وانخفاض ضغط الدم، وعدم انتظام ضربات القلب، ويسبب الفشل الوظيفي للميتوكوندريا وهي محطات إنتاج الطاقة للخلايا، ويقلل من الأكسيجين والدورة الدموية في المخ، والأعراض الأكثر شيوعا لهذا هي الصداع والغثيان والقيء، والدوخة، والخمول والشعور بالضعف، والارتباك، واضطرابات بصرية، وإغماء وتشنج.
واستطرد قائلا ، إن التعرض المزمن للتركيزات البسيطة يسبب على المدى الطويل الشعور بالتعب، ومشاكل في الذاكرة، ومشاكل في الحركة، ويشل المصاعد الهدبية المخاطية للجهاز التنفسي وبالتالي يمهد الطريق لاستيطان الميكروبات التي لا تجد من يردعها، واحتجاز المواد الغريبة داخل الرئة خاصه مسببات الحساسيات، بالإضافة إلى بقاء سموم التدخين الأخرى داخل الرئة، مما يؤدي إلى التهابات الجهاز التنفسي وانخفاض وظائف الرئة.
أرسل تعليقك