الرياض - العرب اليوم
تحول ملحوظ تشهده العلاقات بين الولايات المتحدة وحليفها التاريخي، المملكة العربية السعودية، تبلور في انتقاد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لسياسات الرياض في المِنطقة، لا سيّما في اليمن ولبنان وقطر. والعلاقات بين البلدين بدأت بالاقتصاد، قبل أكثر من 85 عاما، حينما منحت المملكة حق التنقيب عن النفط في أراضيها إلى شركة أميركية وذلك في عهد الملك عبدالعزيز عام 1931.
وتعزّزت بزيارة أول وفد سعودي رفيع المستوى لأميركا عام 1943، ثم بلقاء الملك بالرئيس فرانكلين روزفلت 1945. ووصفت صحف سعودية- آنذاك- علاقات الجانبين بأنها "تاريخ من الوِد المُتبادل". "تاريخ الود" شهد تغيرا مفاجئا مع انتقاد تيليرسون سياسات المملكة في الوقت الذي تحاول فيه مواجهة حلفاء إيران، بشكل مباشر لأول مرة بعد صعود الأمير محمد بن سلمان لولاية العهد.
وخرج تيلرسون، من باريس عقب اجتماع مع نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان، يقول إن "المملكة العربية السعودية يجب أن (تكون أكثر حرصًا وأكثر حصافة قليلًا) في تعاملها في صراعات الشرق الأوسط، في انتقاد حاد غير معتاد للحليف التاريخي للولايات المتحدة. اليمن جدّد تيلرسون دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرياض بإنهاء حصارها على اليمن.
وقال "أعتقد أنه في ضوء اشتباك السعودية مع قطر وكيفية تعاملهم (السعوديين) مع الحرب في اليمن المنخرطين فيها، والوضع في لبنان، فنحن نشجعهم أن يكونوا أكثر حرصًا وأكثر حصافة قليلًا في أفعالهم وأن يدرسوا بشكل كامل للعواقب". وتقود السعودية تحالفًا عسكريًا في اليمن ضد المتمردين الحوثيين، لدعم القوات الموالية للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في حربها ضد الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة صنعاء والمنشآت الحكومية فيها. ووفقًا لإحصائيات الأمم المتحدة، قُتل أكثر من 8670 شخصًا، 60 في المائة منهم من المدنيين، وأصيب 49 ألفًا و960 شخصا في غارات جوية واشتباكات على الأرض منذ تدخل التحالف في اليمن.
وأعلن التحالف "إغلاقًا مؤقتًا" لحدود اليمن البرية والبحرية والجوية، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد يومين من اعتراض صاروخ باليستي أُطلِق من منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين. وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلن البيت الأبيض أن المملكة ستسمح بفتح ميناء لإدخال مساعدات إنسانية إلى البلاد، بعد دعوة ترامب الرياض إلى رفع الحصار للسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى الشعب اليمني. وشدد تيلرسون على أن فتح الموانئ اليمنية يجب أن يُطبّق "ليس فقط على المساعدات الإنسانية بل أيضًا على الواردات التجارية، إذ إن 80 بالمئة من المواد الغذائية تصل في شحنات تجارية، وطالب السعودية بالسماح بدخولها".
ودعا البيت الأبيض، الجمعة، أطراف النزاع في اليمن إلى وقف العنف والتوصل لحل للأزمة الدائرة في البلد عبر مفاوضات سياسية بما يتفق وقرارات مجلس الأمن الدولي. وجاء في بيان صادر عن المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، أن الولايات المتحدة تشعر بقلق شديد إزاء التصعيد الأخير للعنف والأوضاع الإنسانية الرهيبة في اليمن، وتدعو جميع الأطراف إلى وقف القتال وإحياء المفاوضات السياسية ووضع حد لمعاناة الشعب اليمني.
وأدان البيان "قمع الحوثيين القاسي للمعارضين السياسيين في صنعاء، بما في ذلك قتل حليفهم السابق علي عبدالله صالح وأفراد أسرته وهجماتهم الصاروخية على السعودية والإمارات". ويثير العدد الكبير من القتلى بين صفوف المدنيين في حرب اليمن، قلق بالغ لدى أعضاء الكونغرس منذ فترة طويلة، وُجّهت على إثره تهديدات بوقف المساعدات الأميركية للتحالف الذي تقوده السعودية، بحسب وكالة أنباء رويترز. وحذّر السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي، دائم الانتقاد للدعم الأميركية لحرب السعودية في اليمن، من المساعدات الأمريكية للسعوديين. وقال: "على إدارة ترامب أن تواصل توضيحها للسعودية أن الولايات المتحدة لن تدعم حملة تتعمد تجويع المدنيين لإخضاعهم". قطر قطعت السعودية، إلى جانب مصر والإمارات والبحرين، علاقتها الدبلوماسية وروابطها التجارية مع قطر منذ 6 يونيو/حزيران الماضي، متهمة الدوحة بدعم وتمويل الإرهاب وجماعة الإخوان المسلمين.
وجاء الموقف الأميركي من المُقاطعة العربية لقطر متضاربًا، وعكس خللًا في تقييم الأزمة القطرية داخل الإدارة الأميركية. ففي الوقت الذي اعتبر ترامب المقاطعة "مؤشرًا جيدًا"، انتقدت الخارجية الأميركية موقف المملكة والدول المتحالفة معها، واعتبرت أنها فشلت في تقديم تفاصيل تبرر هذه المقاطعة. وقالت المتحدثة باسم الوزارة، هيذر ناورت، في بيان لها إن "دول الخليج العربية لم تنشر للرأي العام أو تبلغ قطر بتفاصيل الشكاوى التي دفعتها لمقاطعة الدوحة". وأضافت: "كلما مر الوقت زادت الشكوك بشأن التحركات التي اتخذتها السعودية والإمارات. وتابعت "في هذه اللحظة ليس أمامنا سوى سؤال واحد بسيط: هل كانت التحركات فعلاً بشأن مخاوفهم إزاء دعم قطر المزعوم للإرهاب أم هي بشأن خلافات قديمة بين دول مجلس التعاون؟" لبنان لعبت السعودية دورًا في الأزمة السياسة الأخيرة في لبنان، التي بدأت بإعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته المفاجئة، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، عبر التلفزيون من الرياض، وسط اتهامات باحتجاز الحريري في المملكة، وهو ما نفته الحكومة السعودية لاحقًا. وفيما يُمكن أن يُطلق عليه "تحذير ضمني أميركي للسعودية".
وعبّرت الولايات المتحدة عن دعمها للحريري وسط تساؤلات تحيط باستقالته أثناء وجوده بالمملكة، وقال تيلرسون إن الولايات المتحدة تندد بأي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للبنان. وأضاف: "الولايات المتحدة تحذر أي طرف سواء في الداخل أو الخارج من استخدام لبنان كمسرح لصراعات بالوكالة أو بأي طريقة تتسبب في عدم الاستقرار بتلك الدولة". وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أكّد البيت الأبيض رفضه لأي محاولات تدخل خارجي في الشأن الداخلى اللبناني، فضلًا عن مساعي من وصفهم بـ"المسلحين" إلى تقويض مؤسسات الدولة، مؤكدا أن سعد الحريري هو "شريك موثوق به".
أرسل تعليقك