في صباح كل يوم من أيام الأسبوع تقريباً، يتقلب الطفل فالنتين فيفار في الفراش بجوار شقيقته الكبرى أراسيلي من أجل تشغيل أحد البرامج التلفزيونية المفضلة لديه.ولا يعد برنامج «دعونا نتعلم من نيويورك!» من البرامج الترفيهية العادية الموجهة للأطفال. إذ يشاهد الطفل فالنتين، البالغ من العمر 5 سنوات، المعلمين من المدارس العامة في مدينة نيويورك، وهم يقومون بشرح مواد الرياضيات، والعلوم، ويغنون الأغاني، ويصطحبون المشاهدين في رحلات ميدانية افتراضية إلى الحدائق النباتية، وإلى العروض الفنية المختلفة. في حين توجد الشقيقة الكبرى أراسيلي، وهي تبلغ من العمر 17 عاماً، بجوار شقيقها الأصغر للمتابعة والمساعدة.
وبدأ الشقيقان فالنتين وأراسيلي في متابعة الدروس التعليمية الافتراضية من داخل منزلهما في حي كوينز في مدينة نيويورك عبر هاتف الآيفون الخاص بالشقيقة الكبرى، لا سيما بعد أن تسببت جائحة فيروس كورونا المستجد في إغلاق المدارس بصفة عامة بدءاً من مارس (آذار) من العام الماضي. ولم يكن بمقدور الوالدين شراء هاتف جديد في تلك الأوقات، وكان حضورهما إلى الفصول الدراسية غير منتظم لأنهما في بعض الأحيان كانا يذهبان إلى المدرسة في الوقت نفسه. وكان الطفل فالنتين، الذي يحتاج دائماً إلى علاج التخاطب، تفوته المحادثات المهمة مع زملائه في الدراسة، وكان يعاني بشدة من نطق الكلمات بصورة صحيحة.
ولقد أخبرهم أحد المعلمين ذات مرة عن البرنامج التعليمي في التلفاز، ومن ثم صار الطفل فالنتين متابعاً له بشدة. وتعلم منه كيفية نطق الحروف والكلمات، فضلاً عن أنه قام بتكوين روابط قوية مع المعلمين الذين شاهدهم على شاشة التلفاز.تقول الفتاة أراسيلي: «يريد فالنتين الآن قراءة الكتب بنفسه منفرداً، وبدأ يكتب الكلمات الجديدة من تلقاء نفسه وإنني أحب أن أراه وهو يتعلم وينمو بمرور الوقت».
وفي كل أرجاء البلاد، ترافق المعلمون مع محطات التلفزيون المحلية في تعاون مشترك بهدف مساعدة المعلمين في الظهور للمرة الأولى على شاشات التلفاز والتفاعل مع الأطفال العالقين في تجربة التعلم عن بُعد التي تتسم بكثير من الركود. وكانت تلك الفكرة - التي ترجع بالتعليم إلى الأيام الأولى لبرامج التلفاز العامة - قد استكملت جهود التعليم والتدريس عبر الإنترنت بالنسبة لبعض العائلات، كما أنها تغطي دوراً أكثر أهمية وحيوية: وهو التواصل إلى الطلاب الذين تخلفوا في مراحل التعليم المختلفة بسبب عدم توافر الاتصال الموثوق بشبكة الإنترنت، أو عدم وجود حواسيب محمولة في المنازل. وفي بعض الأماكن، يجري بث البرامج التعليمية التلفزيونية في عطلات نهاية الأسبوع أو بعد نهاية اليوم الدراسي. وفي أماكن أخرى، تشرف المناطق التعليمية على تحديد ميعاد معين لعرض تلك البرامج خلال اليوم الدراسي. وفي مدينة نيويورك، يجري عرض البرنامج التعليمي في كل يوم من أيام الأسبوع على قناة التلفاز العامة، التي هي جزء من شبكة محطات «بي بي إس» التي تعمل بالمشاركة مع المناطق التعليمية في المدينة.
وتعمل محطات فوكس في العديد من المدن الأميركية الأخرى على بث دروس المعلمين أيضاً، وذلك بفضل إسهامات الإعلامية مليندا سبولدينغ شوفالييه، وهي المقيمة في مدينة هيوستن ومذيعة أخبار التلفزيون سابقاً، التي واتتها تلك الفكرة في مارس (آذار) من العام الماضي. ولقد قدمت بنفسها برنامجاً يومياً يضم عدداً من مدرسي رئيسها القديم دارتاغنان بيبل المدير العام الأسبق لمحطة فوكس التلفزيونية في مدينة هيوستن. وخلال أقل من أسبوعين، كان المعلمون المحليون يظهرون في مختلف البرامج التعليمية على الهواء مباشرة، إذ كانوا يواصلون تدريس المواد الدراسية المكثفة لمدة ساعة يومياً.
وسرعان ما انتشر المفهوم نفسه بين محطات فوكس في مدن شيكاغو، وسان فرانسيسكو، وواشنطن، التي انضمت جميعها إلى المناطق التعليمية للمدارس المحلية أو إلى نقابات المعلمين من أجل بث الدروس عبر شاشات التلفاز. (ولقد انتهت المبادرة في مدينتي هيوستن وواشنطن بعد فصل الربيع الماضي، ولكنها لا تزال قيد البث في كل يوم من أيام الأسبوع في سان فرانسيسكو، وفي كل يوم سبت بشيكاغو).
وفي هيوستن، تمكن ما يصل إلى 37 ألف شخص من مشاهدة البرنامج التعليمي في كل مرة يجري عرضه في الربيع، وكان هناك نحو 2200 شخص يشاهدون نسخة البرنامج في سان فرانسيسكو كل يوم خلال فصل الخريف، وذلك حسبما ذكرت المحطات التلفزيونية. وفي شيكاغو، تحمل نسخة البرنامج التعليمي اسم «ما زلنا ندرس»، ذلك الذي بدأ في مايو (أيار) من العام الماضي، والذي جرى بثه إلى نحو 50 ألف أسرة في المنطقة مع نهاية كل أسبوع.
وقالت شوفالييه: «نحن لا نحاول حل الفجوة الرقمية الراهنة، ولكن من واقع خبرتي مع التواصل الشخصي الذي يصل حتى المطابخ أو غرف المعيشة في المنازل، فإنني شعرت بأنها ربما تكون وسيلة من الوسائل الفورية التي تساعد في سد هذه الفجوة. حيث نقول بذلك للناس إننا لم ننسَهم أبداً».
ولقد جرى توثيق الفجوة في التعليم بين العائلات التي يمكنها تحمل تكاليف أجهزة الحواسيب المحمولة وإشارات واي - فاي القوية والعائلات التي لا يمكنها تحمل ذلك، وهي التي غالباً ما تؤثر على المناطق الريفية والمجتمعات الملونة في البلاد. وفي عام 2018، لم يكن لدى 15 إلى 16 مليون طالب الأجهزة المناسبة أو الاتصال الموثوق فيه بشبكة الإنترنت في المنازل، وذلك وفقاً إلى تقرير صادر عن جمعية «كومون سينس ميديا»، المناصرة لحقوق الأطفال وتقييم وسائل الإعلام، التي تتلقى رسوم الترخيص من موفري خدمات الإنترنت الذين يعملون على توزيع محتويات الجمعية.
ولقد تفاقمت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بسبب إغلاق المدراس. وفي الآونة الأخيرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كان هناك ما لا يقل عن آلاف الطلاب في البلاد غير قادرين على الانضمام إلى الفصول الدراسية عن بُعد، بسبب قلة إمكانات الحصول على الحواسيب المحمولة. غير أن التقديرات تشير إلى أن 96 في المائة من المواطنين الأميركيين يملكون أجهزة تلفاز تعمل بصورة جيدة.
قالت تاميكا، شقيقة شوفالييه، التي تشرف على إنتاج نسخة البرنامج من شيكاغو رفقة صديقتها كاثرين أوبراين، إنهم قد تصرفوا على نحو عاجل لحل تلك المشكلة. وقالت شوفالييه: «هناك كثير من الخطط لمعالجة الفجوة الرقمية، لكنهم لديهم خطط إطلاق تمتد لمدة 4 سنوات. ولكن ما الذي يمكن فعله للطلاب اليوم الذين لا يحصلون على المحتوى التعليمي المناسب؟».
لقد جرى اعتماد الخطة من قبل مئات المعلمين الذين وافقوا على تركيب القوائم ثلاثية الأرجل داخل غرف المعيشة خاصتهم، مع جمع الدعائم المؤقتة، وإرسال اللقطات المصورة، والبدء في البث التعليمي. وبعض من المحتوى المقدم يستهدف الأطفال الأصغر سناً، في حين هناك محتويات أخرى تستهدف الطلاب من المستوى الثانوي.
يقول إريك يونغ، وهو مدرس الدراسات الاجتماعية في مدرسة ثانوية في شيكاغو، إنه قد انتهز الفرصة لتقديم المساعدات الإضافية إلى الطلاب العالقين من دون دراسة في منازلهم، وأضاف: «لقد كان الأمر مطلوباً بالنسبة لكثير منا. بالإضافة إلى افتقادنا للطلاب وأسرة المدرسة، فإننا نفتقد فعلاً الصداقة الحقيقية الحميمة».
ولقد قام يونغ بتصوير سلسلة من برامج المسابقات الخاصة بالدراسات الاجتماعية، وأشعار التاريخ الخفيفة، من داخل قبو منزله عبر هاتف الآيفون الخاص بابنته، وكان يبدأ من جديد كلما تعثر في أمر أثناء التصوير. ولقد لخصت جهوده ما كان يعتبره صناع العرض التعليمي من أكثر سمات البرنامج المحببة لدى الطلاب، ألا وهو توافر الجودة العالية لتصوير البرامج من المنازل.
تقول ستايسي ديفيس، نائبة رئيس اتحاد المعلمين في شيكاغو: «هذا ما نقوم به، وهو خلق شيء من لا شيء، وهو جوهر ما تشعر به عندما تكون معلماً في مدارس شيكاغو العامة».يقول المعلمون إن البرنامج التلفزيوني يساعد الأطفال في تكوين الروابط العميقة مع المعلمين الذين يشاهدونهم على الشاشة يومياً، وهو نوع من روابط الفصول الدراسية الذي يصعب كثيراً إعادة إيجاده عبر الوسائل الأخرى للتعلم عن بُعد.
تقول شوفالييه: «لا توجد لدينا مشاكل تقنية مسببة للإحباط»، في توضيح لسبب انجذاب الأطفال إلى المعلمين على شاشات التلفاز أكثر من شاشات الحواسيب، وأضافت تقول: «يتمكن الطلاب من التركيز على الدروس عبر شاشات التلفاز الكبيرة ومن خلال الوسيلة الأكثر راحة بالنسبة لهم».وفي سان فرانسيسكو، يعتبر الطفل ليفي نجل السيدة لاتويا بيتشر والبالغ من العمر 4 سنوات، من أشد المعجبين بالبرنامج التعليمي على التلفاز، وهو يحب المشاركة بغناء أغنية الوداع اليومية رفقة مشرف المنطقة التعليمية السيد فينسنت ماثيوس. وقالت بيتشر إن طفلها سألها: «أمي، ماذا حدث لصديقي؟»، وذلك عندما نسيت الأم تشغيل البرنامج التعليمي في ميعاده اليومي.
وأضافت بيتشر تقول: «لديهم شخصية دورا المحببة ومنزل بلوز كلوز في ذلك البرنامج التعليمي الترفيهي، ولكن أكثر ما كانوا يفتقدونه هو الناس، ورؤية الناس، والتعامل معهم في كل يوم».وكانت محطات التلفزيون العامة قد دخلت في شراكات مماثلة مع المعلمين في 15 ولاية على الأقل حتى الآن، وذلك وفقاً إلى محطات التلفزيون العامة الأميركية، تلك المنظمة غير الهادفة للربح التي تعمل على التنسيق مع محطات البث المحلية.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك