من منّا نحن الجزائريين ، لم يمر بجادتنا أو أمام شرفات مقاهينا الكبيرة ، هذا الرجل السوداني الأسود ، ذو الشفاه الغليظة المسترخية ، يعزف “البامبولا”1 ؛ مع نوع من القيثارة مربوطة بحبل يحملها متقلّدا بها على كتفه ، إنها تصدر وتعيد نفس الصوت ، كانت بلا شك من صنع “تمبكتيا”2 .
كان “سالم” هو اسم هذا الموسيقي المتجوّل ، تزيّن صورته الخاصة جميع واجهات المصوّرين الزجاجية ، كما قام جميع رسّامينا الكاريكاتوريين بهذه المهمة لأجله .
يتجاهل سالم الحاذق فيما يفعله ، جميع تلك أكياس النقود الصغيرة ليتّجه مباشرة إلى أصحاب الحياة الرغدة ، فهم زبائنه . إنه يفتّش بكل فصل عن أولئك المشتّين المقيمين أثناء فصل الشتاء ، كما أنه يعرف كيف يمّيز بين التجّار الكبار من المدينة أو هؤلاء الغرباء القادمين إليها ؛ عليهم من يوزّع و بدون كلل ابتساماته الأكثر ظرافة و تحيات السلام عليكم الأعظم ودّا .
يوحي ثغره المشدود بالضحك أو بالأحرى بتلك الابتسامة الهازئة الدائمة ، على بعض الأسنان المتهالكة و المتفرقة أين يبرز بياض العاج بوضوح على لون وجهه الأسمر ، يُوقع فمه المجعّد الذي يبدأ في البياض الذنب على الزمن وحده، إنها الإساءة التي لا يمكن إصلاحها ؛ فتجاعيده تختفي تماما تحت تلك الطبقة السميكة من الإسوداد التي تخدمه كخضاب على وجهه .
ليس هناك ما هو أكثر طرافة و أكثر حزنا من رقصات هذا الرجل الأسمر: متأرجحا أحيانا رأسه و جذعه من اليمين إلى اليسار و من اليسار إلى اليمين تارة ، و تارة أخرى ضاربا الأرض بقدمه منقلبا بشدّة على نفسه ؛ و أحياتا أخرى ملتقطا نفسه ليقفز معا مع قيثارته ، بالقدر الذي تسمح له به قوى سنّه .
يُرفق رقصاته بنوع من الهدير المكتوم و الذي لا يشبه أي صوت إنسان ،يبدو و أنه يخرج من بطنو أنف و فم هذا العازف معا بنفس الوقت .
عندما يلمح سيّدة أو أكثر على الشرفة ، يمرقهن بنظرات منه لحثّهن على فكّ وثاق أكياس نقودهن ، مغنيّا لهن بصوته الهزيل لحنه الكبير ، منشدا:
“لا ماداما …دوّار الأنسُ …
زو زو
موابتي موتشاتشو
زو زو ”
ليقدم من ثمّ على نفسه بأكثر الطرق فكاهة ، و يندفع تحت مطر القطع النقدية المنهمرة ، بل و حتى تلك النقود البيضاء أيضا من أجل التقاطها .
تستمتع أحيانا عصبة من الصبية و الأولاد الصغار بسحبه من تحت سرواله ؛ يلتفت إليهم غاضبا ، فيهرولون مسرعين طيران ، لقد أرهبهم بنظرته كتلك التي تشبه كوكب المشتري عندما يجعل قمة أولمبيس ترتعد .
فلتسمحوا لي فقط بإخباركم أن سالم ، و من خلال كل ما جناه قرشا قرشا و قطعة نقدية مع أخرى ، قد جمع ما يكفي من المال ليصبح مالكا لمنزلين صغيرين بأعلى حيّ القصبة . إنه الشيء الذي لا يمنعنا مع ذلك من التصفيق من الصباح إلى المساء للحنه الذي أصبح أكثر شعبية .”زو – زو”.
فالكل يعرف ذلك ، و الكل يمنّ عليه. بالأخير إنه رجل ماهر..
قد يهمك ايضا :
الدهيشي تؤكّد حرص الكويت على نشر ثقافة القراءة وغرس قيّم القرآن الكريم
"ثقافة بلا حدود" في ندوة متخصّصة ضمن مهرجان "أجيال المستقبل 25"
أرسل تعليقك