القاهرة - أ ش أ
في سلسلة "كتابات نقدية" التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة؛ ويرأس تحريرها الدكتور حسين حمودة، صدر مؤخرا للروائية والناقدة اللبنانية د. لنا عبد الرحمن، كتاب بعنوان "نظرة أخرى: الروائي والمخيلة والسرد".
اعتمدت لنا عبد الرحمن في هذا الكتاب المنهج التحليلي (النفسي والاجتماعي) في تناول الدلالات سواء الحديثة، أو الزمانية والمكانية وفي الإضاءة على اختيارات الأبطال ومصائرهم، لأن التداخل بين الزمان والمكان في الروايات التي تتناولها هنا، أسفر عن وجود متجاور للحكايا يكشف عن عالم ناقص في كل عمل روائي يبدأ السعي السردي من أجله.
وتقدم الأبحاث التي يضمها الكتاب رؤيتها لمجموعة من الأعمال الروائية لنجيب محفوظ ومحمد المنسي قنديل وعزت القمحاوي وعبد الفتاح كيليطو وعبده وازن وأمجد ناصر وجوخة الحارثي، وغيرهم، يتداخل فيها الواقع الاجتماعي والنفسي للأفراد حيث يمضون في مصائرهم واختياراتهم التي تنسجم مع طبيعة المرحلة الزمنية في كل رواية، وفي الوقت نفسه لا يمكن منح تأويلات نهائية لأي نص إبداعي؛ لأن الكتابة الجيدة والمتجددة تستمد حياتها من تنوع الرؤى والتأويلات بين باحث وآخر.
وترى لنا عبد الرحمن في المقدمة أن هذا يحدث لأننا نعيش "زمن الرواية، فالرواية تمكنت من بناء تواجدها الأدبي متجاوزة الفنون النثرية الأخرى، من خلال تقديم انعكاس التفاعل الفني والمعرفي والحدثي، والثقافي والاجتماعي الذي برعت في تسجيله عبر صفحاتها.
ويتألف الكتاب من مقدمة وثمانية فصول: دلالات فعل الثورة والهزيمة لدى نجيب محفوظ، "قمر على سمرقند" لمحمد المنسي قنديل توق الرحيل في مواجهة الأسئلة، الذاكرة والتاريخ في رواية "بيت الديب" لعزت القمحاوي، التخييل الحكائي في رواية "أنبئوني بالرؤيا"، "غرفة أبي" لعبده وازن والبحث عن زمن غائب، ثنائية الأنا والزمن في رواية "حيث لا تسقط الأمطار"، روايات في مواجهة العنف".
وتكشف الروايات التي تناولتها الناقدة في الفصل الأخير أن النسخة الحالية التي تتراءى من مشاهد الإرهاب، هي النسخة الأكثر نزقا وتطرفا في منظور الإبداع؛ لأنها مصنعة على غير قياس، وليست وليدة مصادفة أو نتاج ظروف فقر وجهل فقط، بل الجهل والفقر وكل موبقات المجتمعات ما هي إلا المادة الخام التي استحضرت ليعد منها هذا المزيج مر المذاق لما يسمى بالإرهاب.
ومن هذه الروايات: الأفيال لفتحي غانم، والحفيدة الأمريكية لأنعام كجه جي، وفرانكشتاين في بغداد لأحمد السعداوي، وأساطير رجل الثلاثاء لصبحي موسى، والزلزال لطاهر وطار ومملكة الفراشة لواسيني الأعرج، والأسود يليق بك لأحلام مستعانمي وتاء الخجل لفضيلة الفاروق ومغلق للصلاة لمصطفى سعيد.
وتلاحظ لنا عبد الرحمن في نهاية هذا الفصل أن الروايات العربية ظلت في تناولها لظاهرة الإرهاب تكاد تنتهي جميعها عند نقطة واحدة تتقاطع مع غياب الأفق التنويري الذي يؤدي لتحجيم عوامل نشوء العنف، فالروايات تجمع على النهايات المهزومة، في مواجهة الإرهاب، حيث ينكسر الأبطال الذين يمتلكون الوعي، وينهزمون في طرق شتى؛ إما بالموت، وإما بالسفر أو بالمرض النفسي.
كما أنهم ينهزمون – تضيف لنا عبد الرحمن- بالانفصام عن المجتمع، مشيرة إلى أنه يضاف إلى ما تقدم أن الروايات في معالجتها لشخصية الإرهابي من حيث مصيره، وعلاقته بالشخصيات المحيطة به، وأثره عليها، ظلت مفتوحة على النهايات الضبابية التي تؤكد عمق الفاجعة مع القصور عن رؤية أي أفق تفاؤلي جديد، بحيث تحاكي الروايات الواقع إلى حد كبير، وتمضي بالتوازي معه، لتكشف وتحلل وتستعرض وتناقش ما حدث ويحدث ضمن الحفاظ على مسافة حاضنة للتساؤلات التي يقاربها الفن من دون أن يمتلك إجابات بشأنها.
أرسل تعليقك