لندن ـ وكالات
أظهر تقرير أن أسعار العقارات في بريطانيا تراجعت خلال العام الماضي 2012 بنسبة 1 في المائة في مقابل الارتفاع الذي سجلته بنفس النسبة، أي 1 في المائة خلال 2011، وتوقع التقرير الصادر عن «نايشون وايد»، الذي يعتبر من أكبر المقرضين العقاريين في بريطانيا، أن يبقى القطاع في نفس المستويات، أو التراجع قليلا خلال العام الحالي 2013.
واعتبر روبرت غاردنر، كبير الاقتصاديين في «نايشون وايد»، أنه «بالنظر إلى أن اقتصاد المملكة المتحدة كان في حالة ركود طوال العام الماضي 2012، فإن تراجعا بنسبة 1 في المائة يظهر أن سوق العقارات تظهر تماسكا نسبيا».
وأضاف غاردنر: «تراجع الأسعار مع ارتفاع البطالة يوحي بأن الأوضاع ما زالت هشة، خاصة أن هناك إشارات أخرى على تباطؤ سوق الإسكان، من بينها الخفوت المتواصل في ما يخص عدد الرهون العقارية الممنوحة، والتي تبقى أقل بكثير من معدلاتها التاريخية».
وأبرز التقرير أن متوسط سعر المسكن في بريطانيا في 2012 بلغ 162.262 جنيها إسترلينيا، وفارق الأسعار القياسي بين جنوب وشمال المملكة المتحدة يتعمق، حيث إن أسعار المساكن في جنوب بريطانيا أغلى بنحو 95 ألف جنيه إسترليني عن أسعار المساكن في شمال بريطانيا مما يعني أن فارق الأسعار بين المنطقتين اتسع بزيادة بنسبة تصل إلى 2 في المائة مقارنة بنهاية عام 2011.
وأظهر تقرير «نايشون وايد» أن لندن وجنوب غربي بريطانيا هما المنطقتان الوحيدتان اللتان سجلت أسعار المساكن ارتفاعا فيهما، بينما سجلت باقي مناطق بريطانيا تراجعا في أسعار المساكن فيها. وقد سجلت أسعار المساكن في لندن زيادة بنسبة 0.7 في المائة بنهاية العام الماضي مقارنة بعام 2011، بينما سجلت منطقة جنوب غربي بريطانيا ارتفاعا بنسبة 0.2 في المائة.
ويرى ريتشارد دونيل، المحلل العقاري بشركة «هاوم تريك»، أن «إقبال المستثمرين الأجانب هو (مفتاح) سوق العقارات في لندن، ومع إقبالهم فإن أداء سوق لندن تختلف. وبالنسبة للمستثمرين الأجانب، فإن عقارات لندن (ملاذات آمنة)، كما أن لندن كعاصمة عالمية مفتوحة لها جاذبيتها».
وإذا كان هذا الفارق بين أسعار العقارات في جنوب بريطانيا وشمالها ليس جديدا، إلا أن هذا الفارق يعرف تزايدا كبيرا وبمعدلات قياسية خاصة منذ تفجر الأزمة المالية في 2008.. فبينما تعافت أسعار العقارات أو على الأقل استقرت أسعارها في جنوب بريطانيا من تبعات الأزمة المالية، فإنها تواصل تراجعها في شمال بريطانيا. ويبدو أن منطقة جنوب بريطانيا خاصة التي تضم العاصمة لندن، والتي تعتبر قلب البلد الاقتصادي والسياسي، تسبح في فلك مختلف «عقاريا»، منفصل تماما عن شمال بريطانيا مع بعض الاستثناءات.
وفي هذا السياق، قد تكون أسعار العقارات في العاصمة البريطانية لندن نارا ملتهبة تحرق من يقترب منها.. وستجد صعوبة للعثور حتى على استوديو فما بالك بشقة من غرفة واحدة بأقل من 200 ألف جنيه إسترليني (260 ألف دولار) حتى في بعض ضواحيها؟! فإذا اتجهت شمالا، على بعد أربع ساعات في أقصى تقدير، إلى مقاطعة لانكشر بشمال إنجلترا، وبالتحديد مدينة بارنلي، تجد منزلا من غرفتين معروضا للبيع مقابل 15 ألف جنيه إسترليني (21 ألف دولار) فقط! مثلما ذكرت وسائل إعلام بريطانية مؤخرا. وبإمكانك بنفس المبلغ الذي لا تستطيع به شراء استوديو في لندن، أي 200 ألف جنيه إسترليني (260 ألف دولار) شراء فيلا أو بيت كبير بأربع غرف في مناطق أخرى من بريطانيا خاصة في الشمال، وفي ويلز في أقصى غرب بريطانيا.
وقد اتسع الفارق بين عقارات شمال وجنوب إنجلترا بشكل ملحوظ في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث تراجعت أسعار مبيعات العقارات في جنوب إنجلترا بنحو 42 في المائة، بينما هبطت مبيعات العقارات في شمال إنجلترا بـ51 في المائة، وتراجعت مبيعات المساكن بـ47 في المائة في عموم بريطانيا خلال السنوات الثلاث الماضية.
ويؤكد مارتن إيليس الاقتصادي المختص بشؤون الإسكان ببنك هليفاكس. ويقول إيليس: «هناك انقسام بين الشمال والجنوب بشكل واضح سواء في أسعار أو مبيعات العقارات. فالشمال يعاني بينما أداء القطاع في الجنوب معقول نسبيا، خاصة في تلك الأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية الحالية. لقد تأثرت سوق العقارات عموما بفعل الأزمة المالية والركود، لكن تأثر الشمال كان أكبر، بينما كان الوضع أفضل نسبيا في الجنوب، الذي يعرف نشاطا اقتصاديا أفضل».
وحتى وإن كان الاتجاه الواضح أن بريطانيا عموما وبشكل خاص إنجلترا أصبحت سوقا عقارية من عالمين مختلفين، فإن هناك أيضا مقاطعة ويلز، التي تقع في وسط غرب بريطانيا، حيث أسعار العقارات فيها في بعض المناطق قد تكون مذهلة بأسعارها الرخيصة، التي لا يمكن مقارنتها حتى بالمناطق الإنكليزية القريبة منها فما بالك بالعاصمة لندن؟! ونفس الأمر ينطبق على اسكوتلندا، التي تنخفض أسعار العقارات فيها بشكل كبير مقارنة بإنجلترا، ولا تخرج عن القاعدة إلا مدينة أدنبره التاريخية، التي ترتفع أسعار العقارات فيها، ومدينة أبرديين حيث صناعة النفط البريطانية، التي تعتبر الأسعار مرتفعة فيها أيضا مقارنة بالمعدل العام في اسكوتلندا. وإن كانت لا تبلغ الأسعار فيها مستويات أسعار لندن أو جنوب إنكلترا.
وعلى الرغم من أن المناطق الشمالية كانت قبل قرون مهد الثورة الصناعية ليس في بريطانيا فقط بل وحتى في أوروبا والعالم، لكن النشاط الصناعي في شمال بريطانيا تراجع بشكل رهيب مما أحدث خللا بنيويا كبيرا في اقتصاد هذه المناطق مع مرور السنوات.
وقد أدى اختلاف في النشاط الاقتصادي بين شمال إنجلترا وبريطانيا عموما المتعثر بل والمنتكس اقتصاديا، مقارنة بجنوب إنجلترا وخاصة جنوب شرقي إنكلترا، الذي يضم العاصمة لندن، والمزدهر اقتصاديا، إلى هذا التفاوت الكبير في أسعار العقارات بين المنطقتين.
وحتى من الناحية الاجتماعية والصحية يبدو الفارق واضحا بين المنطقتين، حيث أظهر تقرير طبي صدر مؤخرا في بريطانيا أنه إذا كانت نسبة الأمراض القلبية قد تراجعت بمقدار النصف في المملكة المتحدة منذ ثمانينات القرن الماضي، فإن سكان شمال بريطانيا معرضون للإصابة بالأمراض القلبية وبالنوبات القلبية وحتى السكتات القلبية أكثر من سكان جنوب بريطانيا ليتأكد بذلك الانقسام، الذي أصبح أشبه بمسلمة في بريطانيا، بين الشمال الفقير، والجنوب الغني. ويظهر التقرير الذي أعدته جامعة إمبريال كوليدج، وتناولته الصحافة البريطانية باهتمام، أن شباب المناطق الشمالية في بريطانيا أكثر عرضة من نظرائهم في الجنوب بأربعة أضعاف للإصابة بالأمراض القلبية بسبب مستوى المعيشة ومعدلات الفقر والبطالة ومستويات التعليم، حيث إن مستوى المعيشة وفرص العمل ومستويات التعليم والوعي الطبي بالتالي أكبر في جنوب بريطانيا منها في شمال بريطانيا.
أرسل تعليقك