القاهرة - العرب اليوم
يعد الفنان محمد عبده سعودي الأصل من أشهر الفنانين العرب على مستوى العالم العربي، الذين عاصروا الجيل القديم والحديث، ويعرف بلقب "فنان العرب" ويحظى باحترام كبير في الساحة الفنية، وشارك عبده كثيرًا بالغناء في المسارح العربية الكبرى، ويعتبر أبرز فناني وطنه ومن أجمل الأصوات العربية.
مرارة الطفولة
ولد محمد عبده في محافظة الدرب في جازان جنوب السعودية، وذاق عبده مرارة اليتم صغيرًا، حيث مات والده وهو ما زال طفلاً في السادسة من عمره، وعاش رحلة من الفقر والعوز حتى أنه عاش فترة في رباط خيري هو وشقيقه، بمنحة من الملك فيصل بن عبد العزيز.
واستطاع محمد عبده دخول المعهد الصناعي والتخصص في صناعة السفن في محاولة لتحقيق حلمه القديم بأن يصبح بحاراً مثل والده، ولكنه أيضاً كان مولعاً بالفن والغناء الذي أخذه إلى بحر النغم الذي أخلص له ومنحه اهتمامًا حقيقياً.
بداياته الفنية
بدأ رحلته الفنية في بداية الستينيات، ففي عام 1961 كانت بداية محمد عبده مع عالم الغناء في سن مبكرة وهو طالب في المعهد الصناعي بجدة، تخرج منه عام 1963 حيث كان ضمن أفراد بعثة سعودية متجهه إلى إيطاليا لصناعة السفن، تحولت الرحلة من روما إلى بيروت، أي من بناء السفن إلى بناء المجد الفني، وكان ذلك عن طريق (عباس فائق غزاوي)، الذي كان من ضمن مكتشفي صوت محمد عبده عندما غنى في الإذاعة في برنامج (بابا عباس) عام 1960، وبارك هذا الاكتشاف الشاعر طاهر زمخشري.
سافر محمد عبده من جدة إلى بيروت برفقة غزاوي وزمخشري، وهناك تعرف على الملحن السوري (محمد محسن) الذي أخذ من الزمخشري كلمات (خاصمت عيني من سنين) ليغني محمد عبده أغنية خاصة به، بعد أن غنى الكثير من أغاني من سبقوه ومنها أغنية (قالوها في الحارة.. الدنيا غدارة)، سُجلت الأغنية وعاد عبده الى السعودية ودخل إلى الغناء بقوة وتعرف على العديد من الشعراء، أمثال إبراهيم خفاجي الذي كان له تأثيراً واضحاً على حياة محمد عبده الفنية، والموسيقار طارق عبد الحكيم، الذي قدم له لحناً رائعاً من كلمات الشاعر ناصر بن جريد بعنوان (سكة التايهين)، التي قدمها محمد عبده عام 1966.
ووجد محمد عبده نفسه في حاجة إلى القيام بالتلحين لنفسه، رغم ألحان طارق عبد الحكيم وعمر كدرس، التي صقلت موهبته لكنه خاض التجربة وكانت أغنية (خلاص ضاعت أمانينا.. مدام الحلو ناسينا)، قدمها عبده على العود والإيقاع دون أي توزيع موسيقي، وكان نجاح هذا اللحن تشجيعاً لعبده على خوض التلحين الذاتي أكثر وأكثر.
وقام بتلحين كلمات الشاعر (الغريب) وهي أغنية (الرمش الطويل) عام 1967، يومها وزعت هذه الأسطوانة بعدد ثلاثين ألف نسخة، معنى ذلك نجاح محمد عبده وانتشاره فنياً في جميع أرجاء السعودية كلها بمختلف مناطقها وفي دول الخليج المجاورة والعالم العربي، بعد الرمش الطويل جاءت رائعة (طارق عبد الحكيم) وهي (لنا الله)، من كلمات الشاعر الكبير إبراهيم خفاجي عام 1967 بعد نجاح الرمش الطويل.
وكان مسرح التلفزيون قبل بدء الإرسال التلفزيوني عام 1965، هو المكان اللائق لتقديم الجديد بعد مسرح الإذاعة، حيث تعاون محمد عبده مع الأمير عبد الله الفيصل في رائعتهم بعنوان (هلا يابو شعر ثاير) من ألحان محمد عبده، وما كادت تبدأ فترة السبعينيات إلا ومحمد عبده ينهي بكل نجاح المرحلة الأولى في تاريخ الأغنية السعودية الحديثة المرتبطة بمحمد عبده لقيامه بتطوير الفن السعودي.
وشهدت فترة السبعينايت العديد من النجاحات في مسارح عدد من البلدان مثل الإمارات، قطر، لبنان، الكويت، مصر، حيث الانطلاقة الأكبر ليصبح محمد عبده سفيراً للأغنية السعودية، وتطور الحال إلى أن أصبح سفيراً للأغنية الخليجية، بعد طرقه ألوانا غنائية من مختلف مناطق السعودية والخليج، حتى أصبح يلقب محمد عبده باسم (مطرب الجزيرة العربية) أو (فنان الجزيرة العربية)، وهذا اللقب لم يأت من فراغ مطلقاً كون محمد عبده تعاون أولاً مع الأمير الشاعر خالد الفيصل وقدم له قصائد نبطية مثل (يا صاح، أيّوه، سافر وترجع، وغيرها)، دخل محمد عبده معها ألواناً أخرى مثل السامري في إيقاعات رائعة جداً.
وجاءت رائعة "أبعاد"، بعد ذلك وتعاون مع الشاعر فائق عبد الجليل وألحان يوسف المهنا، لتخرج محمد عبده من نطاق العالم العربي، فقام فنان إيراني بترجمة معاني هذه الأغنية بنفس اللحن وقدمها بصوته، وقام آخر هندي بترجمتها أيضاً، بالإضافة إلى فرقة عربية قامت بغناء هذه الأغنية مثل (عائلة البندري)، ناهيك عن الفرق الغربية في اليونان وتركيا، وعدد من دول أوروبا الذين قاموا بغناء أغنية "أبعاد".
وقام محمد عبده قبل انتهاء فترة السبعينيات، بخوض تجربة الأغنية الطويلة مع الأمير بدر بن عبد المحسن وذلك في أغنية (في أمان الله) أو (الرسايل) التي قدمها على مسارح القاهرة صيف عام 1974، ثم قدمها على مسرح التلفزيون بالرياض في عيد فطر عام 1394، وحققت هذه الأغنية نجاحاً منقطع النظير، مما شجع عبده إلى تقديم أغنية (خطأ)، وهي أيضاً من كلمات البدر.
وعودة إلى أواخر السبعينيات، وتعاون جديد لـ سامي إحسان مع محمد عبده وأغنية بعنوان (سهر) و (قلب تلوعه) والرائعة (أنت محبوبي) ثم (مالي ومال الناس)، التي انتشرت بين الناس بطريقة غريبة.
الثمانينيات ولقب فنان العرب
أقيمت حفلة في تونس، وأطلق عليه الرئيس التونسي حينها الحبيب بو رقيبة لقب (فنان العرب)، عبر تلك الحفلة في الثمانينيات، ليقدم الجديد بعدها، ومنها دخوله للتعاون مع الملحن الدكتور عبد الرب إدريس، الذي قدّم لعبده إنتاجات رائعة مثل (محتاج لها، جيتك حبيبي)، بعد ذلك (أبعتذر)، ثم (كلك نظر)، حيث تأثر إدريس بفنان بعبده وبأسلوبه.
وطرح محمد عبده في الوقت ذاته ألبومًا يحمل اسم (وهم، العقد، إنت معاي)، وقام بغناء العديد من الأغاني من الألبوم في حفل فني ناجح في مدينة جنيف السويسرية صيف 1988، وذلك في أثناء الكرنفال السنوي الخاص بها.
اعتزال الفن!!
لم يكن اعتزالًا بالمعنى الحرفي، لكنه كان قد توقف عن الظهور في الحفلات الغنائية ولمدة 8 سنوات (1989-1997) وكانت لعدة أسباب خاصة، منها وفاة والدته وأيضاً مراجعة لما قدمه وما سيقدمه ومع أنه ورغم الاعتزال قد قدم (أنشودة المطر) التي فجر فيها كل طاقاته اللحنية من كلمات الشاعر بدر شاكر السياب وقدم أيضاً (البرواز) وقدم أيضاً عدة جلسات مسجلة أنزلها على شكل ألبومات تحمل اسم (شعبيات)، وقدم ألبومات وطنية تحمل صورته بلباس عسكري وكان يشارك بشكل سنوي في مهرجان الجنادرية، ولحّن وقتها العديد من أوبريتات الجنادرية منها:
أرض الرسالات والبطولات - كلمات : غازي القصيبي.
عرايس المملكة - كلمات : إبراهيم خفاجي.
فارس التوحيد - كلمات : بدر بن عبد المحسن.
أنشودة العروبة - كلمات : غازي القصيبي.
تطويره للأغنية السعودية
يجمع العديد من المتابعين للوسط الفني، أن محمد عبده أحد أهم الفنانين الذين ساهموا بنشر الأغنية الخليجية في جميع أنحاء العالم العربي، فهو مطوّر الأغنية السعودية بجانب الأمير الشاعر خالد الفيصل والأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن.
محمد عبده والأغنية الوطنية
يعتبر محمد عبده من أكثر الفنانين غناء للوطن، فتجاوزت أغانيه الوطنية الكثير، ومن أغانيه الوطنية "الله أحد، فوق هام السحب، رسالة، يالسعودي يالبطل، أجل نحن الحجاز ونحن نجد، اوقد النار، حدثينا"، وغيرها الكثير، ويعد أول فنان سعودي يطرح ألبوم وطني والذي كان بعنوان فوق هام السحب.
إنفصاله عن زوجته الأولى.. وحكاية الفتاة الفرنسية
وكان محمد عبده يرفض الخوض في أسباب انفصاله عن زوجته الأولى، مؤكدا أنه لم يعرف الفشل في حياته إلا في حياته الزوجية التي انتهت بالانفصال عن شريكة حياته، بعد زواج دام 26 عاماً أثمر خمس بنات وولدين.
وقال عبده "إن الفشل وحده يكفي أن يكون مبرراً لاتخاذ قرار الطلاق، مؤكداً أنه طوال تلك المدة كان يحاول جاهداً أن يقهر الفشل حتى تستمر علاقته الزوجية".
وكشف أنه كان مظلومًا في زواجه الأول، واصفاً حياته مع زوجته الأولى بأنها كانت كلها "نكد".
وفي عام 2013، عاد عبده للغناء وإحياء الحفلات، بعد توقف لعامين إثر وعكة صحية إنتقل بسببها للعلاج في فرنسا؛ ليفاجئ جمهوره بزواجه هناك من سيدة فرنسية من أصول جزائرية، وإنجاب زوجته الجديدة طفلاً أسماه خالد.
وقال عبده "أم خالد جعلتني أشعر أنني أول مرة أتزوّج في حياتي، لقد عوّضني الله عن الظلم الذي عشته بأن رزقني بأولادي، وأنا كلّما أتذكّر زواجي الأول، أحمد الله أنني انتهيت من هذا الزواج بحضانتي لأودي وتربيتهم وتعليمهم، فحياتي الأولى كانت كلّها تعب وإرهاق بين المسرح والعمل ونكد البيت".