القاهرة – العرب اليوم
كأي امرأة تتوق لتضع مولودها الأول، كانت أمل تعد الأيام المتبقية لاستقبال "فرحتها الأولى". وقبل إتمام شهرها التاسع بأسبوع، طلب منها طبيبها أن تأتيه في موعد محدد لإجراء عملية ولادة قيصرية، مبررا هذا القرار المفاجئ بأنه الأفضل لتجنب أضرار قد تلحق بالجنين.
لم تتردد أمل لحظة ونفذت ما قاله طبيبها دون نقاش، على الرغم من اتفاقهما المسبق أن الولادة ستكون بالطريقة الطبيعية. وقالت أمل إن حالتها كانت مستقرة، ووضع الطفل كان طبيعيا حتى اللحظات الأخيرة، وفقا لتقارير الطبيب ذاته. إلا أن الذعر أصابها، وحال بينها وبين "التفكير السليم"، فاستجابت لرغبة طبيبها باعتباره الأقدر على اتخاذ القرار المناسب لحالتها.
وبعد إتمام الجراحة، طلب الطبيب من أمل سداد ثلاثة أضعاف المبلغ المتفق عليه من قبل للولادة الطبيعية. وقالت: "شعرت أنه تعامل مع حالتي كعمليةٍ تجاريةٍ، فاختياره للجراحة القيصرية كان بهدف تحقيق مكاسب مادية أكبر".
لكن أمل لا تعاني وحدها من الخضوع لجراحة قيصرية دون مبرر طبي، إذ ذكر تقرير التنمية البشرية الصادر عن وزارة المالية الشهر الماضي أن عدد حالات الولادة القيصرية يصل إلى مليون و344 ألف حالةٍ سنويا، منها أكثر من مليون حالة دون مبرر. وقدر التقرير تكلفة العمليات القيصرية غير المبررة طبيا في مصر بنحو مليار و222 مليون جنيه سنويا.
ولاحقا، رُفع التقرير من الموقع الإلكتروني لوزارة المالية.
ووفقا للمسح الديموغرافي الصحي الأخير الذي أعلنته وزارة الصحة المصرية عام 2014، ارتفعت نسب الولادة القيصرية لتتعدى 52 في المئة، مقارنة بحوالي سبعة في المئة عام 1995. في حين تعتبر منظمة الصحة العالمية زيادة النسبة عن 15 في المئة مؤشرا لتدخل طبي "غير ضروري".
ويقول الدكتور عمرو حسن، مدرس واستشاري النساء والتوليد ومؤسس حملة "أنتِ الأهم"، إن انتشار الجراحة القيصرية في مصر مقلق وأسبابه عديدة؛ فالولادة الطبيعية مثلا تستغرق وقتا زمنيا كبيرا، مقارنة بعملية الولادة القيصرية. ومن الممكن إجراء 15 عملية قيصرية في الوقت الذي تتطلبه عملية طبيعية واحدة، مما يدفع الطبيب في بعض الأحيان لاختصار الوقت وتحقيق ربح أكبر.
وأضاف: "يلجأ الأطباء للجراحة القيصرية كحلٍ آمنٍ في ظل إجراء عمليات الولادة في مستشفيات غير مجهزة طبيا، إذ لا تتوافر في هذه المستشفيات أجهزة لقياس نبض الجنين، أو أطباء تخدير على مدار 24 ساعة. وفي هذه الحالة، يختار الطبيب أن ينأى بنفسه عن التورط في المشاكل التي قد تنجم عن إجراء العملية الطبيعية، التي تمتد لساعات طويلة".
وتطرق الدكتور عمرو، الذي يقوم بحملات توعية على مواقع التواصل الاجتماعي عن فوائد الولادة الطبيعية، لأهمية دور الطبيب في شرح أضرار ومشاكل الولادة القيصرية للأم.
ويرجع جزء كبير من المشكلة إلى ضعف الثقافة الطبية لدى بعض السيدات وأزواجهن، الذين يفضلون الولادة القيصرية كاختيارٍ "سهلٍ وسريعٍ" دون الوعي التام بأضرارها، مثل التأثير السلبي على لبن الأم.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن نسب الوفيات الناتجة عما أطلقت عليه "وباء القيصرية" يتعدى سبعة أضعاف الولادة الطبيعية على مستوى العالم، سواء للطفل أو الأم.
وبحسب الدكتور أحمد محمود، مدير مستشفى النساء والتوليد بطب قصر العيني، فإن "القاعدة والأساس في الولادة هي الولادة الطبيعية. أما القيصرية فهي أسلوب حديث نسبيا وله مخاطره، إذ أنها عملية جراحية كاملة قد تُحدث جرحا في الرحم، مما قد يؤدي إلى نزيفِ ما بعد الولادة أواستئصال الرحم في بعض الحالات المتقدمة".
وأضاف محمود أن ارتفاع معدلات الولادة القيصرية في مصر لا يعني أن جميعها غير مبررة، فحالات الحمل والولادة المعقدة التي تعاني من أمراض السكر والقلب والضغط المصاحب للحمل تستلزم إجراء العمليات القيصرية. لذا، رفض محمود التعميم بأن الولادة الطبيعية هي دائما الأفضل، "فالمناسب لحالة الأم هو الأفضل لها، لكن اتخاذ القرار السليم هو واجب الطبيب".
كما شدد حسن على أهمية دور الطبيب في استيعاب كل حالة على حدة، وعدم التعجل بإصدار الأحكام المسبقة مهما كانت إغراءات العائد المادى، "فمهنة الطبيب إنسانية بالأساس، ولا يجب أن يكون قرار الطبيب قائما على دوافعٍ ماديةٍ."