الرياض – العرب اليوم
يشتغل منظرو التطرف على زوايا متعددة في سبيل تنفيذ خططهم السلبية، وهم يعملون بفكر منظم ولمدى بعيد، ويستغلون كل المنافذ التي تمكنهم من تحقيق مشروعهم. وفي الوقت نفسه يلتفون بطريقة خبيثة وذكية ضد كل خطاب يكشف طرقهم وأساليبهم، ويلجؤون إلى حيل شتى في هدم هذا الخطاب، واختلاق العيوب حوله، وكيل التهم له ولصاحبه، وتشويهه، فيشغلونه بنفسه، ويقللون من قيمة خطابه، وفقاً لما نشرت صحيفة الرياض.
خطط التوحش والأساليب الممنهجة
مواقع الإنترنت المنبر الأخطر الآن لبث أفكار هذه الفئات، حيث استغلت الحرية المتاحة في هذا الفضاء، وعدم وجود جهات منظمة تعنى بالرد على أطروحاتهم، وانطلاقاً من مقولة: "من تعلم لغة قوم أمن مكرهم"، فعلينا قبل أن نبدأ في استعراض نفوذ التطرف وأساليبه عبر الإنترنت؛ أن نعرج على دستور مهم من دساتير هذه الجماعة رسم كثيرا من معالم فكرهم وهو كتاب "إدارة التوحش"، فكثير من الناس يجهل خطط هذا الكتاب التي لو قرؤوها لاحتاطوا لها، وكما تقول «ويكيبيديا»: اهتم المختصون الأميركيون بهذا الكتاب، وقام مركز مكافحة الإرهاب في كلية (ويست بوينت) العسكرية بترجمته إلى الإنجليزية بعنوان «إدارة الوحشية»، وتم توزيعه على المسؤولين في الإدارات السياسية للحكومة الأميركية، والمسؤولين في وزارة الدفاع، و"التوحش" كلمة استعملها المؤلف قاصداً بها تلك الحالة من الفوضى التي ستدب في أوصال دولة ما، أو منطقة بعينها إذا ما زالت عنها قبضة السلطات الحاكمة، إثر غرس الإحباط في نفوس الشعب من عدم إمكانية صلاح النظام القائم، ويعتقد المؤلف أن هذه الحالة من الفوضى ستكون "متوحشة" وسيعاني منها السكان المحليون، لذلك وجب على القاعدة -التي ستحل محل السلطات الحاكمة تمهيدًا لإقامة الدولة الإسلامية- أن تحسن "إدارة التوحش" إلى أن تستقر الأمور، وإذا كان هدفهم المعلن التنفيذ في أرض العدو البعيد -كما يرون- إلا أن مسرحه الحقيقي وتجلياته كانت الأراضي الإسلامية.
وتنص رؤيتهم في هذا الكتاب على ضرورة أن يكون قياديو هذه الفئات من السياسيين المحنكين. ووعيهم بهذا الجانب دقيق وخطير إذ يتحدثون عن فهم قواعد اللعبة السياسية إلى درجة الإيمان بمقولة: "إن خطأ سياسياً واحداً أوخم من مائة خطأ عسكري"، وفي مقابل هذا يغرسون في أذهان من يتلقى تعاليمهم أن رؤى الدول التي يخاصمونها رؤى متآمرة خائنة إلخ.. كي يغلقوا رؤوس تلاميذهم واتباعهم عن أخذ أي شيء من تعاليم الطرف الآخر أو نصائحه.
ويركزون بشكل لافت للنظر على فهم مواطن القوة والضعف عند خصمهم، ويشتغلون عليه بحرفية عالية، وفي الجانب الآخر يؤكدون على ضرورة ثقة التابع منهم بمتبوعه، والتسليم له مطلقاً. وللولاء عندهم رؤية بالغة الأهمية لا تخلو من نفاق ودهاء.
وفي ثنايا هذا الكتاب توجيهات مهمة إلى أن كل شيء يجب أن يتم بدراسة ووعي وفهم لنفسيات الآخر وحركاته، وبث العيون داخل أروقة خصمهم، واختراق صفوفه بتكتيك ماكر، وعلينا ألا نتوهم أن اندفاع أتباعهم المتحمسين لمشروعاتهم يمثل سمة لهذه الحركة بل هو مقصد مسيس من مقاصدهم؛ لأنه لحظتها يحقق هدفاً عاجلاً لهم، أما منظروهم فلهم سمت خاص وطريقة عجيبة في التريث النفعي، حيث يدعون إليه عندما يكون مستنزفا لقدرات خصومهم.
لحمة الإخوان والدواعش
ويشير دستورهم في هذا الكتاب إلى أن الإخوان يتفقون في نقاط كثيرة في سياستهم، لكن يختلفون في نقاط قليلة، ويجب فهمهما فهما جيداً للتعامل معهم.
وركز مبرمجو هذا المخطط في تطبيق تنظيراته، وغرس الإحباط في نفوس شريحة كبيرة من المجتمعات، خاصة من الشباب، وتغييب الجانب الإيجابي للدول المناوئة، وتضخيم السلبيات، وصناعة الإرجاف، وبهذا يهيئون الأرضية لمقاصدهم.
مكر الإنترنت وتضليل الشباب
حبكت هذه الفئة خيوط شباكها من خلال مواقع الانترنت التي أدركت أنها العامل الأكثر أهمية وخطورة في توجيه الشباب، وقد قام د.فايز بن عبدالله الشهري عضو لجنة كرسي الأمير نايف للدراسات الأمنية بدراسة قيمة عن "الخطاب الفكري على شبكة الانترنت، رؤية تحليلية لخصائص وسمات التطرف الإلكتروني"، خص في جزء كبير منها خطاب هذه الطائفة التي تعتمد لهجتها على بعث الحماس والغيرة لدى الشباب، مستغلين هذا الفضاء الواسع؛ لكونه المنفذ الأهم للتواصل والاتصال بالأنصار والمتعاطفين، خاصة أن الشباب كما تقول هذه الدراسة هم غالبية مستخدمي الانترنت من العرب، وأسرعهم قبولاً لهذه الأفكار الثائرة ؛ بسبب تأثير لغتها التي تدغدغ المشاعر.
وأشارت هذه الدراسة إلى أن مواقع الانترنت بحسب آليات حركتها وطبيعة خدماتها تمتلك خصائص تجعلها مكاناً جاذباً للمتطرفين من حيث كونها أسرع وسائل الاتصال وأكثرها تداولا وخصوصية وحرية، وضعف رقابتها أو التحكم فيها، ولهذا فقد احتضنت رموز التطرف الفكري.
وتشكل من خلال القوائم البريدية التي يشرف عليها القائمون على المواقع الإلكترونية حلقة الوصل بين معتنقي الأفكار المضللة والأتباع الذين بدورهم ينشرون هذا الفكر في دوائرهم الخاصة.
وهذا الخطاب يتسم بقدرته على استغلال دوافع الشباب، وإثارتهم، والتركيز على ما يحقق ذواتهم، ولذلك يسهل جذبهم لدائرته.
التشكيك بالمؤسسات
والرموز الدينية
ويستغل منظرو هذه الفئات حماس الشباب والأحداث التي تقع في الدول، ويحاولون توظيف المظالم التي تقع على المسلمين في إلهاب مشاعر الشباب، وإظهار دولهم بمظهر المتخاذل، وإغفال الظروف التي تحيط بهذه الأحداث، وهذه نقطة جديرة بأن نتنبه لها؛ كي نبطل شيئاً من مخططات التطرف الماكر، لأن هذه الفئات ومن خلال استغلالها المخادع لهذه الحوادث تقوم بالتشكيك بكل المؤسسات والرموز الدينية والسياسية، مع طرح البدائل التي يهدف من ورائها رموز الفكر المنحرف إلى خلخلة نظام المجتمعات العربية والإسلامية، محتشدين بنصوص دينية يؤولونها بما يخدم مصالحهم ورؤاهم، أو يضعونها في سياقات غير سياقها؛ كي يكسبوا خطابهم قداسة يسلم لها متلقيهم. مركزين على الفئات الطامحة إلى إثبات ذاتها أو الفئات التي تمر بظروف إحباط فيأججون فيهم الحماس والبطولة، في الوقت الذي يقللون فيه من قيمة دنيا امتلأت بالشر والفساد على حد زعمهم.
مواقع جذابة وتنسيق عال
ومما لجأ إليه محترفو الفكر المنحرف التقنية العالية والخدمات التي يحظى بها متابعو هذه المواقع من حيث الشكل المميز، والسرية لطالبها، واستقطاب المؤثرين.
وقد ألمحت الدراسة آنفة الذكر إلى أن هذا العمل يكاد يكون مؤسسياً من حيث التنسيق العالي بين أصحاب هذه المواقع؛ لتداول الجديد من المواد التي تخدم أغراضهم، وصناعة نجوم هذه المواقع ومؤازرتهم، وتوفير المواد والخدمات، وتشجيع كتابة المذكرات الخاصة بمن شاركوا منهم في القتال بأماكن الصراع؛ ليكونوا النموذج الأمثل الذين يتقفونه.
ويلجؤون من خلال هذه المواقع إلى التجنيد والاحتشاد الذي يبدأ بإنكار مظاهر الفساد حسب رؤيتهم، وينتهي بالاجتماعات السرية، والتنفيذ العملي.
توظيف المنامات
وقصص الكرامات
استعانوا في سبيل جذب الشباب وتضليلهم والضحك على عقولهم بكل الوسائل التي تخطر في الذهن؛ كي يضمنوا ولاءهم المطلق، وتسليمهم بلا تبصر أو نقاش، ومن ذلك توظيف المنامات وقصص الكرامات المزعومة عن أبطالهم المعاصرين الذين قابلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أشاد بهم، أو سايرهم في الجيش كما تروي أحلامهم، أو وصفهم بأنهم خير الأمة.
من هنا يتبين لنا خطورة الخطاب المتطرف في الانترنت وسر اندفاع الشباب نحو هذه الحركات المضلة، وتنفيذهم الأعمى لأجندة قادتهم، وهذا يدعو إلى خطاب آخر معتدل بحجم الخطاب المضاد؛ كي ينقي أذهان الشباب من تأثيره، وهذا الخطاب المعتدل يجب أن يكون مؤسسياً ومنظماً، يخضع لمنهجية علمية، ودراسة جادة؛ ليحقق التواصل الفعال مع الفئات التي يستهدفها أرباب هذا الفكر الخطير