باريس ـالجزائر اليوم
أثبت النصف الأول من بطولة الدوري الفرنسي الممتاز أمرين: أن اللقب سيبقى مستقراً داخل «بارك دي برانس»، وأن لا شيء بخلاف ذلك في حكم اليقين. ورغم أن باريس سان جيرمان تعرض لهزائم أكبر من المتوقع بداية هذا الموسم بخسارة ثلاث من أول 12 مباراة، بعد أن خاض الموسم السابق دونما هزيمة حتى فبراير (شباط)، تظل الحقيقة أن الفريق بقيادة المدرب الألماني توماس توخيل يستهل النصف الثاني من البطولة في صدارة البطولة ومتقدماً عن أقرب منافسيه بفارق 7 نقاط. إلا أنه فيما وراء باريس سان جيرمان، تبقى الكثير من التساؤلات في انتظار إجابة.
ويدور التساؤل الأول بينها حول مرسيليا، الذي خاض ثماني مباريات دونما، هزيمة ويحتل حاليا بقيادة المدرب البرتغالي أندريه فيلاش بواش المركز الثاني بجدول ترتيب أندية البطولة. ويعكس هذا تحسناً هائلاً عن الموسم الماضي، عندما انهار الفريق ببطء في ظل قيادة رودي غارسيا. جدير بالذكر أن «مشروع الأبطال» الذي أطلقه باريس سان جيرمان جاء في وقت شهدت فيه رحيل كل من ماريو بالوتيلي وعادل رامي ولويز غوستافو عن المنافسات الفرنسية الصيف الماضي. ورغم أن غوستافو سرعان ما تحول إلى بطل مع تأهل النادي لدوري أبطال أوروبا عام 2018، بينما ضمنت الأهداف التي سجلها بالوتيلي إنجاز نيس للمركز الخامس الموسم الماضي، فإن كليهما مثل صفقتين باهظتين ولاعبين متقدمين في العمر يمثلان حقبة جرى خلالها منح الأولوية للسمعة والأمجاد الماضية على إقرار سياسة انتقالات متناغمة.
تحت قيادة فيلاش بواش، لم يعد مرسيليا النادي البراق الذي تعشقه الجماهير، وإنما أصبح فريقاً منظماً وهادئاً يتسم بالكفاءة ومن الصعب هزيمته. من ناحيته، قدم ستيف مانداندا، الذي حصل على شارة القائد بالفريق من جديد، بأفضل مواسمه منذ الفترة سيئة الحظ التي قضاها في صفوف كريستال بالاس. أما ديمتري باييه، الذي يطمح نحو المشاركة في «يورو 2020»، فقد شهد مستواه تألقاً لافتاً. وأضاف فالنتين رونجيه قدراً معتبراً من السيطرة وسط الملعب منذ انضمامه للفريق قادماً من نانت. إضافة لذلك، فإن داريو بينيديتو، الذي حل محل بالوتيلي، أضاف قوة صلبة وكثافة واضحة على خط الهجوم. ومع هذا، فإن البدايات الزائفة هي أكثر ما اعتاد مرسيليا تقديمه، ولم يتضح حتى هذه اللحظة ما إذا كانت الثورة الهادئة التي تجري تحت قيادة فيلاش بواش ستتحول إلى نقطة تحول حقيقية. أما المثير للدهشة فهو أن رين يعتبر أقرب منافسي مرسيليا على المركز الثاني ببطولة الدوري الفرنسي الممتاز، وذلك بعدما خرج فائزاً من سبع من إجمالي آخر ثماني مباريات خاضها. ويكمن التحدي الأكبر أمام المدرب جوليان ستيفان الآن في الحفاظ على المستوى الحالي للفريق بعد نهاية مغامرته في الدوري الأوروبي. وينطبق القول ذاته على ليل، الذي يحتل المركز الرابع بجدول ترتيب أندية البطولة على رأس مجموعة من 11 فريق تفصلها عن بعضها ستة نقاط فقط.
أقرأ أيضًا:
مبابي يطالب باريس سان جيرمان بالمساواة مع نيمار في عقده الجديد
وسبق لنانت (الخامس) ورانس (السادس) وأنجيه (الثامن) وستراسبرغ (الحادي عشر) معايشة ذات الموقف من قبل. وتتسم هذه الأندية بقدر أقل من الموارد عن بعض الأندية التي تحتل ترتيب أدنى منهم، ومن غير المتوقع أن تنافس بانتظام على مكان لها في المراكز الستة الأولى بالبطولة. في الواقع، قضت جميع هذه الأندية بعض الوقت في دوري الدرجة الثانية خلال السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فإنها جميعاً تملك فرصة للتقدم وحجز مكان لها في بطولة أوروبية.
فيما يخص رانس، فإن كان الأقرب إلى هذا الإنجاز الموسم الماضي لدى عودته بقوة إلى الدوري الممتاز. وفي ظل مشاركة يونس عبد الحميد في خط الدفاع ـ الذي يعد أفضل مدافع على مستوى الدوري الفرنسي الممتاز عام 2019 - يملك الفريق فرصة الحفاظ على وتيرة أدائه الحالية. أما التحدي الأكبر أمام المدرب ديفيد غويون فيكمن في دفع فريقه نحو مزيد من التقدم. جدير بالذكر أن ثلاثة فرق فقط سجلت عددا أقل من الأهداف حتى الآن خلال الموسم الحالي.
بخصوص أنجيه، فقد قدم هو الآخر بداية جيدة تحت قيادة ستيفان مولان، المدرب صاحب فترة العمل المستمرة الأطول (وصاحب التقدير الأدنى) على مستوى بطولات الدوري الخمس الكبرى في أوروبا. ومن جديد، يحقق النادي مستوى أداء وإنجاز يفوق ميزانيته ومكانته. إلا أن مسيرته قد تتعطل من جديد بسبب افتقاره إلى هداف والصعوبة الجديدة التي يواجهها في التغلب على الخصوم الأكثر عنداً وصلابة. في تلك الأثناء، يأمل ستراسبرغ في تحسين أدائه بعد البداية الرديئة التي قدمها للموسم واستعادة بعض من مستواه المتألق الذي عاونه على اقتناص على بطولة كأس الرابطة الفرنسية، العام الماضي.
فيما يتعلق بنانت، فهو مؤهل للغاية لإنجاز الموسم في واحد من المراكز الستة الأولى، في ظل نجاح كريستيان غوركوف في استخلاص أفضل أداء من لاعبيه. ويملك الفريق عنصر الخبرة في لاعب قلب الدفاع نيكولاس بالويس، بجانب امتلاكه مجموعة مثيرة من اللاعبين الشباب مثل عمران لوزا البالغ 20 عاماً، وحارس مرمى منتخب فرنسا لأقل عن 21 عاماً لابان لافون. كما قدم بعض لاعبي الفريق مستوى متألقا من الأداء كان بمثابة مفاجأة مثل أندريه جوتو الذي انتقل بنجاح من مركز لاعب مساك في وسط الملعب إلى قلب الدفاع، وكذلك قادر بامبا لاعب الجناح في فريق الاحتياطي سابقاً الذي نجح في رفع مستوى أدائه هذا الموسم.
من ناحية أخرى، يواجه كل من مونبيلييه (التاسع) ونيس (العاشر) وبوردو (الثالث عشر) وسانت إتيان (الرابع عشر) أسئلة ملحة تتعلق بشؤون داخلية. جدير بالذكر أن سانت إتيان، الذين كان في قاع جدول ترتيب الأندية عندما أقيل المدرب غيسلان برينتان في الخريف. ومع قدوم كلود بويل، تألق أداء الفريق تحت قيادة المدرب الجديد، لكنه بحاجة اليوم لإقرار بعض التناغم داخله.
ويأمل مونبيلييه في أن ينجح تيجي سافانييه الذي تعافى تماماً من إصابته، والذي يعتبره الكثيرون أفضل لاعب بالدوري الفرنسي الممتاز الموسم الماضي، في إضافة قدر أكبر من السيطرة والابتكار في وسط الملعب - أمر لطالما افتقده الفريق.
فيما يخص بوردو الذي يواجه حالة من الضبابية حول ملكيته، من الواضح أنه يعاني أزمة كبيرة. يذكر أن المباراة التي انتهت بفوزه على نيم بنتيجة 6 - 0 تعطلت لمدة 25 دقيقة عندما غزت الجماهير الملعب اعتراضا على مصادرة لافتات حملها بعضهم عليها عبارات مناهضة لمجلس الإدارة. وأظهر الفريق مؤشرات مشجعة بعد تعيين باولو سوسا، إلا أن مسيرة الفريق بدأت بالفعل في التداعي ومن المحتمل بيع النادي هذا الشتاء. ويبدأ الفريق العام الجديد على خلفية ثلاث هزائم متتالية في بطولة الدوري.
من ناحية أخرى، اشترت شركة «إنيوس» للكيماويات التي أسسها الملياردير البريطاني سير جيم راتكليف، نادي نيس في أغسطس (آب)، والآن يحظى النادي بموارد وفيرة. وضم النادي إليه كاسبر دولبرغ وآدم أوناس وأليكس كلود موريس في أغسطس، بجانب ترحيبه بعودة الثنائي الإداري الحاذق المتمثل في الرئيس جان بيير ريفير والمسؤول المخضرم بمجال انتقالات اللاعبين جوليان فورنييه. جدير بالذكر أن هذا الثنائي المحبوب داخل النادي نجحا في صياغة سياسة انتقالات ذكية دفعت النادي نحو المراكز الأربعة الأولى تحت قيادة بويل ولوسيان فافر.
وبعد نجاحه في قيادة موسم قوي في 2018 - 2019 رغم القيود المؤلمة التي فرضها الملاك السابقون، يدخل المدرب باتريك فييرا عام 2020 في مركز قوي. أما التحدي الأساسي أمام النادي اليوم فيدور حول تحقيق التناغم بين اللاعبين المنضمين حديثاً للنادي والمدرب ومسؤولي الإدارة.
في المقابل نجد أنه في القاع، ثمة دوري ثان صغير يتطور بسرعة، مع خوض كل من تولوز ونيم وأميان ومتز وديجون منافسات حامية الوطيس هرباً من الهبوط. وقد اجتازت جميع هذه الأندية مبارياتها الخمس الأخيرة دونما فوز. واليوم، يقف تولوز الذي خسر مبارياته الثماني الأخيرة، ونيم الذي لم يحرز فوزاً منذ سبتمبر (أيلول)، بالفعل على بعد خمسة نقاط من منطقة الأمان. ولا يبدو أن أياً منهما يملك القدرة اللازمة لإنقاذ نفسه.
أما أميان، فقد واجه قدراً كبيراً من سوء الحظ بسبب قرارات إيقاف وإصابات ألمت بلاعبيه، لكن عودة الهداف موسى كوناتي واللاعب المبدع سأمان قدوس بالتأكيد ستقلص مخاوف الفريق. من ناحية أخرى، كان ديجون محظوظاً بإفلاته عبر بوابة التصفيات الموسم الماضي ومن المحتمل أن يصارع بطل الدوري الدرجة الثانية الفرنسي متز سعياً للهروب من الهبوط من جديد. في المقابل، يقف بريست على بعد خمسة نقاط عن منطقة الهبوط، ومن المفترض أن يستمر في الدوري الممتاز.
في مستوى أعلى من جدول ترتيب أندية البطولة، هناك ثلاث قصص محورية سيكون من المثير متابعتها عام 2020: أحدث مساعي باريس سان جيرمان الحثيثة للوصول إلى مجد بطولة دوري أبطال أوروبا ومصير المنافسين التقليديين موناكو (السابع) وليون (الثاني عشر). كان موناكو قد أنهى العام لطرد ليوناردو جارديم (من جديد)، رغم النصف الأول الواعد نسبياً من الموسم. جدير بالذكر أن جارديم فاز في ثلاث من آخر أربع مباريات خاضها الفريق تحت قيادته، في الوقت الذي يتميز الثنائي الهجومي للفريق بمستوى ممتاز - يقود وسام بن يدر السباق نحو الوصول إلى جائزة الحذاء الذهبي الأوروبية بإحرازه 13 هدفاً، بينما يتربع إسلام سليماني على قمة قائمة اللاعبين الذين ساعدوا في تسجيل أهداف. ومع هذا، استغنى النادي عن المدرب البرتغالي واستعان بدلاً عنه بروبرتو مورينو بعد أيام قليلة من أعياد الكريسماس. ويتميز المدرب الجديد بقدرته على الحديث بالفرنسية بطلاقة وسمعته الجيدة كمدرب، خاصة بعد أن قاد المنتخب الإسباني نحو بطولة «يورو 2020» دون أن يخسر مباراة واحدة. ومع هذا، هذه أول وظيفة له في التدريب على مستوى الأندية.
في تلك الأثناء، يبدو ليون النادي صاحب المستقبل الأشد غموضاً على مستوى بطولة الدوري الفرنسي الممتاز. من ناحيته، تعرض رودي غارسيا لصيحات استهجان من جانب جماهير النادي خلال أول مباراة له في أكتوبر (تشرين الأول) الذين تضايقوا بسبب فترة عمله الأخيرة مع خصمهم العتيد مارسيليا. إضافة لذلك، أصبح لزاماً على المدرب الآن التأقلم مع خسارة قائد فريقه الأيقونة ممفيس ديباي لباقي الموسم، وكذلك الترتيب غير المريح للتشارك في السلطة بين الرئيس جان ميشيل أولاس ومدير الشؤون الرياضية جونينيو. ويحتاج غارسيا لأن يبرم النادي صفقات ضم لاعبين جدد ولقدر من الاستقرار الداخلي، وبينما من الممكن أن يحصل غارسيا على الأولى، يبدو الأمر الثاني بعيد المنال بعض الشيء.
وأخيراً، فإنه خلال عام 2020، قد يبدو مصير اللقب شبه محسوم، لكن قدرة مورينو على التكيف وقوة فيلاش بولاش ومسألة ملكية بوردو ومصدر الأهداف داخل رانس ووضع تولوز في الدوري الممتاز ومستقبل كل من بويل وغارسيا، ناهيك عن بطولة دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي والأندية التي ستهبط هذا الموسم، جميعها نقاط تبدو بعيدة تماماً عن كونها محسومة.
قد يهمك أيضًا: