بعد قيام الطائرة "سولار إمبالس"، التي تعمل بالطاقة الشمسية وحدها، بعدد من الرحلات التجريبية الناجحة من باييرن بسويسرا، بدأ فريق هذه الطائرة ببناء طائرة ثانية أكبر حجماً. ولكن في يوليو الماضي، واجه مشروع "سولار إمبالس" نكسة كبيرة. إذ لم تجتز الطائرة الثانية أحد اختبارات السلامة الحرجة. حيث كسر صاري جناحها الرئيسي، الذي يشكل العمود الفقري بالنسبة لأي طائرة، خلال الاختبارات الهيكلية. وتقول مجلة "إيكونوميست" البريطانية، في تقرير نشرته أخيرا، إن برتران بيكار، أحد مؤسسي "سولار إمبالس"، واجه الموقف نفسه من قبل، ويعرف أن النجاح يأتي من خلال التعلم من الأخطاء والمضي قدماً. ففي عام 1999، شارك بيكار في تجربة "أوربيتر 3"، وهو أول منطاد يلف العالم. وحين هبط بيكار في الصحراء المصرية دون أن يتبقى من أطنان غاز البروبان التي حلق بها قبل عشرين يوماً سوى 40 كيلوغراماً، قرر أن تحديه المقبل سيتمثل في تكرار الرحلة دون استخدام أي وقود. فتعاون مع أندريه بورشبرغ، الطيار والمهندس، لتأسيس مشروع "سولار إمبالس". وأخّرت مشكلة صاري الجناح فريق "سولار إمبالس" عاماً كاملًا. فبناء طائرة جديدة، واستكمال الطائرة الثانية، وانتظار الأحوال الجوية المناسبة، كلها تعني تأجيل الرحلة حول العالم حتى عام 2015. وفي غضون ذلك، قرر أعضاء الفريق استغلال هذا التأجيل القسري من خلال التحليق بطائرتهم التجريبية عبر أميركا، وهو ما من شأنه أن يكسبهم تجربة تشغيل أكثر قيمة، ويساعدهم على تطوير التكنولوجيات التي يحتاجون إليها. وعلاوة على ذلك، فإن الهبوط على البر، في حال حدوث أي خطأ، يعتبر أسهل من الهبوط في المحيط. ويصل طول جناحي الطائرة التجريبية، التي ستعبر أميركا، إلى 63.4 متراً، ما يجعلها تضاهي في طول جناحيها طائرة من طراز "جامبو". ومع ذلك، فإن هيكلها يضاهي في نحالته طائرة من طراز "جلايدر"، وقمرة قيادتها، التي تتسع لشخص واحد فقط، ضيقة. ويغطي جناحيها ما يقرب من 12 ألف خلية ضوئية، يمكنها أن تشغل مراوحها الأربع التي تعمل بالكهرباء، وأن تشحن، في الوقت نفسه، أربع حزم من بطاريات الليثيوم بوليمر. والبطاريات ضرورية لأنه يتعين على الطائرة أن تكون قادرة على التحليق ليلًا. ويتعين على الطائرة الثانية (التي يجري بناؤها لتحلق عبر العالم) أن تحلق دون توقف لما يتراوح بين 5 و6 أيام في كل مرة. والخطة هي أن تقلع باتجاه الشرق، وتهبط في كل قارة تمس مدار السرطان. وسوف يشمل هذا رحلات طويلة عبر المحيطات. ونظراً لقوتها التي تعادل قوة دراجة نارية صغيرة فقط، فإن الطائرة ستحلق بسرعة 70 كيلومتراً في الساعة. وسيعتمد مدى الطائرة على قدرة الطيار، الذي لا يملك مجالًا كبيراً للحركة أو تخزين الكثير من الطعام والماء، على البقاء في حالة تأهب. وفي ظل التكنولوجيا الحالية، يعتقد فريق "سولار إمبالس" أنه من شأن طائرة شمسية تتسع لشخصين أن تكون ثقيلة للغاية. ولإعطاء بيكار وبورشبرغ (اللذان يتناوبان على التحليق بالطائرة) مجالًا لممارسة الرياضة والاستلقاء، سوف تكون الطائرة المقبلة أكبر بنحو 15% من النموذج الأولي، التي لا يزيد وزنها على 1600 كيلوغرام. ولأن الوزن يعد عاملًا حاسماً، فقد أعيد تصميم صاري الجناح الذي كسر باستخدام ألياف الكربون الخفيفة للتخلص من الغرامات الزائدة. وهناك مجال صغير لنظام طيار آلي كامل، فمن شأن نظام كهذا أن يزن أكثر مما ينبغي. ومع ذلك، فإن شركة "ألتران" للاستشارات الهندسية، التي تدعم مشروع "سولار إمبالس"، تعمل على تطوير نظام جزئي. وسيعمل هذا النظام، عندما يكون الجو صحوا، على إبقاء الطائرة موجهة في الاتجاه الصحيح. وفي حال تسبب اضطراب ما في انخفاض الجناح بما يزيد على خمس درجات، فإن سوارا على المعصم الأيمن أو الأيسر للطيار سيهتز ليخبره بالاتجاه الذي ينبغي سلوكه لتصحيح المسار. وينبغي للطيار أن يستجيب بسرعة للحفاظ على السيطرة. يستطيع الطاقم الأرضي مراقبة الرحلة والطيار معا بواسطة تقنية القياس عن بعد. وأثناء الدوران حول الأرض، سوف يتمكن الطيار من خفض مقعد الطائرة للاستلقاء وأخذ غفوات تصل مدة الواحدة منها إلى 20 دقيقة. وهذه المدة تكفي، حسب اعتقاد الفريق، لدرء بعض آثار الحرمان من النوم. ومن شأن الرحلة عبر أميركا أن تعطي خبراء الأرصاد الجوية في فريق "سولار إمبالس" فرصة لاختبار نماذج الطقس الخاصة بهم. ويتعين على الطيار أحيانا تأجيل الهبوط لانتظار الأحوال الجوية المثلى. وقد تعلم بيكار وبورشبرغ تقنية مثيرة للاهتمام للقيام بذلك، وهي توجيه مقدمة الطائرة، أثناء التحليق ببطء، نحو رياح معاكسة، مما قد يجعل الطائرة تحلق إلى الوراء. وليس هذا من الأمور التي يمكن تجريبها في طائرة من طراز "جامبو". ليست الطائرات التي تعمل بالطاقة الشمسية بالأمر الجديد. فقد عبرت إحدى أقدم الطائرات التي اعتمدت على أشعة الشمس، وهي الطائرة المسماة ب"سولار تشالنجر"، القناة الإنجليزية في عام 1981. وبنيت هذه الطائرة من قبل مهندس الطيران الأميركي الراحل بول ماكريدي. وتمت تغطية جناحيها، اللذين بلغ طولهما 14.3 متراً، بالخلايا الضوئية. وقد زودت تلك الخلايا الضوئية محركين كهربائيين بالطاقة، فيما شغل المحركان، بدورهما، مروحة واحدة.