قطاع غزة يحقق قفزة كبيرة بالاكتفاء الذاتي الزراعي


 شهد الإنتاج الزراعي في غزة العام الحالي زيادة مضطردة وصلت إلى مرحلة ممتازة غير مسبوقة، حيث تتكدس بكثافة كميات البطيخ والشمام وغيرها من ثمار الصيف وخضراواته في أسواق قطاع غزة والشوارع الرئيسية وسط مناداة الباعة وعروضهم لجذب الزبائن.
وعرضت سلعتي البطيخ والشمام في قطاع غزة قبل حلول موسمهما بخمسة أسابيع ما ساهم في توفير فرص لجيش العاطلين عن العمل. وفي السنوات السابقة كان قطاع غزة يستورد ما بين 20 و30 ألف طن من البطيخ سنويا، إلا أن الإنتاج المحلي منه بات يصل إلى 40 ألف طن سنويا، وهو ما يغطي الاحتياج المحلي بالكامل. وتحاول الحكومة المقالة التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة عبر ما تطلق عليه "التنمية الزراعية" تعويض الشلل القائم في مجال الصناعات نسبيا بسبب منع إسرائيل إدخال مواد الخام وتوقف عمل الأنفاق مع مصر. ويقدر مسؤولون في وزارة الزراعة في حكومة حماس مساهمة الإنتاج الزراعي والحيواني لهذا العام بمبلغ 300 مليون دولار من الناتج المحلي لقطاع غزة. وتستقطب الزراعة في غزة نحو 30 في المائة من الأيدي العاملة في ظل أرقام قياسية من معدلات البطالة تصل إلى 40 في المائة في صفوف السكان البالغ عددهم نحو مليون و700 ألف نسمة.
"قفزة بالاكتفاء الذاتي الزراعي" ومكن رفع معدلات الإنتاج الزراعي في تخفيض الواردات القادمة إلى قطاع غزة عبر إسرائيل ومن أسواقها إلى أدني مستوياتها منذ سنوات طويلة. ويقول المسؤول عن دائرة الإرشاد في وزارة الزراعة في الحكومة المقالة فتحي أبو شمالة لوكالة أنباء (شينخوا)، إن الإنتاج الزراعي في غزة شهد هذا العام "زيادة مضطردة ووصلت إلى مرحلة ممتازة غير مسبوقة". ويوضح أبو شمالة، أن النمو الحاصل في الإنتاج الزراعي كفل 75 في المائة من الاكتفاء الذاتي على صعيد الفاكهة، و98 في المائة بالنسبة للخضراوات من الأصناف التي يتم زراعتها في قطاع غزة. ومن أبرز السلع التي حقق فيها قطاع غزة قفزة باكتفاء الذاتي: الزيتون، والعنب، والتمور، والتين وهي محاصيل لا تحتاج إلى مواد إنتاج من إسرائيل، ولا تستهلك كميات كبيرة من المياه بحسب أبو شمالة. ويشير إلى أن هذه القفزة في الاكتفاء تحققت بدعم من الحكومة المقالة التي منعت استيراد أي سلعة زراعية يتم إنتاجها محليا خصوصا أنواع الخضراوات التي تنتج الغالبية الساحقة لأنواعها محليا . وتخصص نحو 50 في المائة من المساحة الإجمالية لقطاع غزة البالغة 360 ألف كيلو متر مربع لصالح الزراعة التي تشهد نموا بفعل عدم الحاجة لبذور من الخارج لأغلب المزروعات فيها. وينتج القطاع حاليا 320 ألف طن من الخضراوات التي تزرع في 80 ألف دونم، فيما ينتج 75 ألف طن من الفاكهة والتي تزرع على مساحة 84 ألف دونم. ويقدر متوسط استهلاك الفرد من الخضراوات بنحو 170 كيلوجراما و120 كيلوجراما من الفاكهة سنويا. ويؤكد مدير المركز العربي للتطوير الزراعي في غزة محسن أبو رمضان ل(شينخوا)، أن النجاح في إحلال محاصيل زراعية محل نظيراتها المستوردة يمثل "خطوة إيجابية وهامة يمكن تعميمها على كل المحاصيل الزراعية". ويعزو أبو رمضان عدم تحقيق اكتفاء ذاتي زراعي كلي بما يلبي احتياجات السكان بشكل كامل في قطاع غزة، إلى محدودية الأراضي الزراعية فيه. لكن أبو رمضان يشدد على أن تواصل سياسة الاكتفاء الذاتي بالقدر الممكن من شأنها تحقيق أرباح كبيرة للمزارعين والمساهمة في الاستثمار في القطاع الزراعي وفتح آفاق للمستثمرين الفلسطينيين إذا ما توفرت. "تطلعات بالتصدير إلى الخارج". وتظهر الأرقام المتحققة على صعيد غزارة الإنتاج الزراعي وتحقيق نسب متقدمة من الاكتفاء الذاتي منه الحاجة إلى فتح مجال التصدير إلى الخارج. ويقول أحد كبار المزارعين في غزة ويدعى عبد الله اللولحي ل(شينخوا)، إن فتح المجال لتصدير المنتجات الزراعية هو السبيل الوحيد لتمكين المزارعين من تحقيق أرباح تنعشهم اقتصاديا. ويشرف اللولحي على زراعة أكثر من 200 دونم على أطراف مدينة خان يونس في جنوب قطاع غزة بعدة أنواع من الخضراوات والفاكهة لكن جميع إنتاجه يستخدم بالاستهلاك المحلي . وبالنسبة له فإن حلم توفر التصدير المفتوح سيحسن أوضاعه "لأن الاستهلاك المحلي أرباحه بسيطة وبالكاد تغطي تكاليف الإنتاج والأيدي العاملة، فيما التصدير يضمن زيادة كميات الإنتاج".
ويظل السماح بتصدير مفتوح للمنتجات الزراعية من غزة إلى الخارج على رأس المطالب التي تقدمها السلطة الفلسطينية للجانب الإسرائيلي بحسب ما يقول مدير المعابر الفلسطينية نظمي مهنا ل(شينخوا). ويشير مهنا، إلى أن إسرائيل سمحت منذ صيف عام 2010 بتصدير كميات محدودة من الزهور والطماطم والتوت من قطاع غزة، لكنها ما تزال تماطل في السماح بتصدير منتجات أخرى.
ويستورد قطاع غزة أكثر من 30 ألف طن من الفاكهة الإسرائيلية سنويا، وهو ما يبلغ قيمته حوالي 15 مليون دولار، في حين يمنع مزارع غزة من التصدير تجاه الأسواق الخارجية.
"تحديات وخسائر" وما تحقق من قفزة في الاكتفاء الزراعي يأتي في ظل تحديات هائلة يواجهها القطاع الزراعي في غزة بفعل الزيادة السكانية العالية وبالتالي قلة المساحة الأراضي المتاحة للزراعة. كما أن نقص مياه الري بفعل معدلات التلوث العالية بمياه الخزان الجوفي تمثل عائقا أساسيا أمام مزيد من التطوير في القطاع الزراعي وتوسعه مستقبلا. عدا عن ذلك، فإن مزارعي غزة تكبدوا على مدار الأعوام الأخيرة خسائر باهظة بفعل جولات العنف المتكررة مع إسرائيل والحصار المفروض على القطاع منذ منتصف العام 2007. وبحسب إحصائيات محلية تقدر مساحة الأراضي التي فقدها مزارعو غزة بفعل عمليات التجريف المتكررة من قبل الجيش الإسرائيلي في المناطق الحدودية للقطاع بأكثر من 20 ألف دونم. وأظهر تقرير رسمي صادر عن حكومة حماس تكبد القطاعين النباتي والحيواني في القطاع خسائر تجاوزت المليار دولار منذ بدء فرض الحصار. وبحسب التقرير، فإن الخسائر التي يتكبدها القطاع بسبب منع إسرائيل تصدير المنتجات الزراعية من غزة إلى الخارج تبلغ ما بين 40 إلى 50 مليون دولار سنويا.