الروائي الجزائري الشهير "رشيد بوجدرة"

كشفت مصادر محلية في الجزائر، أن محاميي الروائي الجزائري الشهير "رشيد بوجدرة"، قد أودعوا منذ أسبوع شكوى رسمية، على مستوى محكمة سيدي امحمد في الجزائر العاصمة، ضد القناة التلفزيونية الجزائرية الخاصة "النهار"، وذلك على خلفية الكاميرا الخفية التي راح ضحيتها الروائي المذكور وبتهمة "التعذيب النفسي، والتعدي على الحياة الخصوصية والإهانة المتعمدة، مع استعمال استغلال "المقلب المقزز الذي كان ضحية له وبثه في التلفزيون بدون موافقته الشخصية".

وحسب المحامون الأربعة، فإن هذه القضية تحمل كل صفات الجريمة، وليست تقصيرًا كما تدعي إدارة القناة التلفزيونية، وأوضح محامو بوجدرة لـ"العرب اليوم" أن القانون الجزائري يعاقب بالسجن النافذ لمدد تتراوح بين 5 و 10 سنوات فيما يتعلق بالتعذيب الجسدي والنفسي.

وكانت كاميرا خفية تم عرضها في إحدى القنوات الجزائرية الخاصة ووقع ضحية لها الكاتب الجزائري الكبير رشيد بوجدرة، خلال الأيام القليلة الماضية، قد تسببت في إثارة الكثير من الجدل لدى الجزائريين خاصة فئة المثقفين الذين استشاطوا غضبًا بسبب ما اعتبروه "إهانة في حق مثقف محترم من طراز الروائي رشيد بوجدرة". وأجمع بعض المثقفين الجزائريين في لقاء لهم مع "العرب اليوم" على أن "تلفزيون النهار" -و الذين يطلقون عليه تهكمًا اسم "قناة الإستحمار"- "لا يتوانى منذ تأسيسه على بث سمومه و كل ما هو غير لائق وأخلاقي على الشعب الجزائري، وأنه لا يفكر سوى في زيادة نسب المشاهدة على برامجه السمجة و الرديئة والسخيفة بغض النظر على الوسيلة، ضاربًا بأخلاقيات المهنة الصحافية وأخلاق الناس وأعراضهم وسمعتهم عرض الحائط، وهو منذ تأسيسه لم يتوقف يومًا عن الإساءة إلى الكثيرون، ناهيك عن بثه لمواضيع غير أخلاقية وتمس العائلات الجزائرية"

بعض التلفزيونات العربية لا تفكر في شيء، سوى في زيادة نسب المشاهدة على برامجها مهما كانت الوسيلة. ولا يهمها في هذا المسعى التجاري أن تدوس سمعة الناس، وتمرغ أنوفهم بالوحل، وتسيء إلى تاريخهم ومكانتهم الرمزية في غياب تام لأي شكل من أشكال الاحترام والتقدير.

فما حصل مؤخرًا للروائي الجزائري الكبير رشيد بوجدرة  الذي وقع ضحية كاميرا خفية اقترحتها قناة "النهار" الجزائرية ضمن برامجها الرمضانية الفكاهية يعتبر سقطة إعلامية و أخلاقية للإعلام الجزائري ككل و كان على الجهات المسؤولة التدخل و عدم ترك الحبل على الغارب لمثل هذه القنوات التلفزيونية.

ففي إطار مقلب تلفزيوني مثل ما يحدث في الكثير من القنوات العربية في رمضان، تم استقدام مؤلف "الحلزون العنيد" إلى مكان التصوير على أساس إجراء حوار حول تجربته الأدبية الثرية. حيث يفتتح الصحفي حلقته بسؤال استفزازي وجهه إلى الروائي بوجدرة، يتعلق بالمبيعات الكبيرة للروائية الجزائرية المشهورة أحلام مستغانمي وتأثيرها على شريحة واسعة من القراء. و فجأة يدخل أستوديو التصوير شخصان يفترض أنهما من الأمن. يقدم أحدهما لمعدّ البرنامج مذكرة أمنية تتعلق بالتحقيق مع بوجدرة، ويتوجه إلى الروائي متهماً إياه بالتخابر مع جهات أجنبية وبالإلحاد -مع الإشارة إلى أن الروائي رشيد بوجدرة كان قد صرح في لقاء تلفزيوني له مع قناة "الشروق" الجزائرية في وقت سابق بإلحاده قبل أن يتراجع عن ذلك-يستنطق هذا الممثل بوجدرة بشكل ترهيبي فظ وغير مقبول. وحين يضحك الروائي، ينهره ويتهمه بالاستخفاف من رجال الأمن، مما يجعل بوجدرة يغير ملامحه ويردّ: "ما نضحكش؟ أوك ما نضحكش". و قال قبلها: "أنا أحترم الشرطة". وفي محاولة رده على تهمة التخابر، صرّح لرجل الأمن المزور: "أنا مضاد للدول الأوروبية، هذا معروف عني"، لتعلق المذيعة بسخرية: "آها! احنا نعرف فقط مضادات الصواريخ".

ثم يسأله أحدهم "هل أنت ملحد؟"، فيردّ: "لا". وحين يكرَّر عليه السؤال، يقول: "أنا مسلم ونصّ".تعلّق المذيعة من جديد: "أنت ملحد ولا مسلم ولا الخوف؟".ثم يطالبونه بصوت آمر وصارم أن يكرر عبارات من قبيل: "الله أكبر"، "لا إله إلا الله محمدًا رسول الله" في أجواء ترهيبية . ثم يطالبونه برفع يديه معهم للدعاء، وبعد أول جملة يشرعون في الضحك، ليطالبه رجل الأمن بالبكاء، فيرفض. بعدها سيشرع في الدفاع عن زوجته الأجنبية. يسألونه عما إذا كان قد أدخلها إلى الإسلام، فيجيب بالإثبات مؤكداً أنها تنتمي للثورة وليست ضد الجزائر. يطالبونه من جديد بتكرار الشهادة مرة ومرتين. وفي المرة الثالثة يرفض، ويتساءل عما إذا كان هذا العمل إذلالاً مقصوداً له، فيجيبونه بأن السنة تستدعي تكرار الشهادة ثلاث مرات. يستجيب الرجل لهم، وحين يكتشف أنه وقع في مقلب يغضب ويصرخ في وجوههم "قيلوني- فلّوا عني".

يغادر مكان التصوير تجاه سيارة في الخارج وهو يكرر "خبثاء.... خبثاء".تقول المذيعة بصوت ينمّ عن الكثير من الغباء و ضعف المستوى و أنها تكون أي شيء إلا أنها إعلامية محترمة: "احنا فقط نضحكو معاك، إن شاء الله تسامحنا، وراك شاركت في الكاميرا الخفية". يقول بعدها مقدم البرنامج: "سامحنا بزاف، احنا نحبّوك".يطلبون منه أن يسامحهم، لكنهم يبثون الحلقة، ولا يبدو أنّ الرجل أعطاهم الحقّ في ذلك و هو ما أكده أمس في حديث مقتضب لـــ"أنباء تونس" عندما قال:"تعرضت إلى إهانة مقصودة و رفضت بث الحلقة لأنها إذلال لشخصي و لسمعتي كروائي و كإنسان و سأقاضي القناة اللعينة"

و قد خلفت هذه الإهانة التي تعرض لها الروائي الجزائري رشيد بوجدرة صدى واسعاً في الأوساط الثقافية الجزائرية بالخصوص، إذ أدان الكثير من الكتّاب والمثقفين الجزائريين ما وقع لبوجدرة من إذلال وإكراه على إنكار إلحاده وتكرار عبارات دينية في مشهد لا يختلف كثيراً عن أي مشهد إرهابي.

وقد وقّع عدد كبير من الكتّاب الجزائريين أمس الأول بياناً مفتوحاً يندد بما وقع للكاتب الكبير، ويطالبون باتخاذ إجراءات حازمة ضد الذين وقفوا وراء هذا السلوك العنيف والمشين.

كما نظم عقب بث الحلقة المعنية، عشرات المثقفين والمعارضين الجزائريين، وقفة احتجاجية أمام مقر سلطة ضبط السمعي البصري بوسط الجزائر العاصمة، للتضامن مع الروائي رشيد بوجدرة وللتعبير عن رفضهم لاستغلال صوره في مشاهد برنامج رمضاني تم بثه على قناة جزائرية خاصة مشهورة لدى عامة الجزائريين بقناة "الإستحمار "وحضر الوقفة التضامنية التي شرع في الحشد والتحضير لها منذ عدة أيام، فنانون ومثقفون، الى جانب سياسيين من تيار المعارضة.

وقد شهدت الوقفة مفاجأة لم يكن يتوقعها أحد، حيث حضر السعيد بوتفليقة مستشار و شقيق الرئيس الجزائري الذي تقدم من بوجدرة وتبادل معه أطراف حديث تسرب منه ما مفاده أنه أبلغه تضامنه معه كمواطن.

و نددت سلطة ضبط السمعي بصري اليوم السبت، بما أسمته تصرفات خارجة ومنتهكة لأحكام مدونة أخلاقيات المهنة، في إشارة إلى برنامج الكاميرا الخفية "رانا احكمناك"، الذي تبثه قناة "النهار" الجزائرية.  وقال رئيس سلطة ضبط السمعي بصري زواوي بن حمادي عبر بيان أصدره حينها ،بعد لقاء جمعه بالروائي رشيد بوجدرة وعدد من المتضامنين معه، إنه يبدي تعاطفه التام مع بوجدرة بعد الذي تعرض له في برنامج الكاميرا الخفية بتلفزيون "النهار".

وأضاف بيان سلطة الضبط، أنها سبق لها أن حذرت قبل بداية رمضان كافة القنوات من مغبة الوقوع في مثل هذه الممارسات ودعتها إلى احترام المواطن بالدرجة الأولى ووجوب تفادي القذف والسب والشتم وكل أشكال العنف.

ودانت الهيئة "التصرفات المنتهكة لأحكام مدونة أخلاقيات المهنة"، وذلك خلال استقبالها ممثلين عن المحتجين أمام مقر الهيئة ضد الحادثة. ووفق سلطة الضبط فإنه يجب "تفادي القذف والسب والعنف  بشتى صفاته في برامج الكاميرا الخفية (التي يقع أصحابها)، تحت طائلة تطبيق  قوانين الجمهورية ".

أدان مجلس سلطة ضبط السمعي البصري "التصرفات المنتهكة لأحكام مدونة أخلاقيات المهنة"، مبديًا تعاطفه التام مع الكاتب رشيد  بوجدرة بسبب ما تعرض له في برنامج الكاميرا الخفية بقناة النهار، حسب ما أفاد  به اليوم السبت بيان لذات الهيئة.

كما أعلن المدير العام لمجمع النهار، أنيس رحماني، عن توقيف بث برنامج الكاميرا الخفية "رانا حكمناك" الذي يعده وينشطه الصحفيان أحمد مدني وهشام شريف، في موسمه الثاني. وكتب أنيس رحماني في تغريدة له عبر حسابه الرسمي  على تويتر"قررت توقيف وبشكل نهائي بث برنامج رانا حكمناك للزميلين هشام شريف وأحمد مدني".

وجاء قرار أنيس رحماني، بعد الحلقة التي خلفت ردود فعل كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، عندما استضاف الزميلان هشام شريف وأحمد مدني، الروائي رشيد بوجدرة، في الكاميرا الخفية وما تلا ذلك من ردود فعل ساخطة وغاضبة.

لكن مصادر متطابقة كشفت لـ"العرب اليوم" أن قرار توقيف حصة الكاميرا الخفية المعنية لم يكن بأمر من المدير العام لمجمع النهار و إنما بأمر من سلطة ضبط السمعي البصري و جهات عليا في الجزائر و أن هناك عدة حصص سيتم توقيفها على القناة المذكورة آنفًا.

و كان الرئيس المدير العام لمجمع النهار قد قدم اعتذاره للروائي رشيد بوجدرة، عقب حلقة جديدة من برنامج الكاميرا الخفية "رانا حكمناك"  التي بثت أوائل شهر رمضان الجاري على قناة "النهار" الجزائرية.

واعتبر أنيس رحماني، في تغريدة له عبر حسابه الرسمي “تويتر"، أن ما حصل مع بوجدرة "تجاوزا مؤسفا لميثاق أخلاقيات المهنة المعتمد في النهار". وأعلن أنيس رحماني، عن اتخاذ إجراءات مساءلة وتحري التي يقتضيها الموقف، ضد المعنيين من أجل معرفة الحقيقة. قبل أن يتراجع مدير قناة "النهار" أنيس رحماني و يسحب اعتذاره للروائي رشيد بوجدرة في خطوة فاجأت و استاء لها الجميع في الجزائر.

وصرح رشيد بوجدرة لـــ"العرب اليوم":أنا عنيد أكثر من "الحلزون العنيد" و ما حدث لي من "فوضى الأشياء" الذي يشهده قطاع الإعلام في الجزائر

وقد كشف الروائي الجزائري رشيد بوجدرة في تصريح مقتضب له لــ"العرب اليوم" أنه تعرض إلى "أسخف موقف له في حياته، وأن أصحاب الكاميرا الخفية كانوا يهدفون للإساءة إليه و إهانته و إذلاله بتلك الكيفية المشينة و أنه كان مذهولاً من شدة الرداءة التي شاهدها لدى صحفيو قناة النهار الجزائرية. وقال إنه سيرفع دعوى قضائية ضد القناة المذكورة لسببين الأول لتعمدها في إهانته و الثاني لأنه لم يعط موافقته على بث الحصة و أوضح أنه عنيد جدًا و أنه أكثر عنادًا من "الحلزون العنيد"-و هي رواية مشهورة له كتبها منذ عدة عقود سنة 1977-و اعتبر ما حدث له من "فوضى الأشياء"-و هي رواية مشهورة له كذلك ألفها سنة 1991-الذي يشهده قطاع الإعلام في الجزائري الذي يعيش عصر "التفكك"-و هي رواية له كذلك-بامتياز حاليًا.

ويعتبر  رشيد بو جدرة روائي جزائري ملحد ذو توجه شيوعي ماركسي يكتب باللغتين العربية والفرنسية، ويعد من بين الوجوه الروائية في الساحة الأدبية الجزائرية.

استضيف الروائي رشيد بوجدرة في برنامج المحكمة الذي يبث على قناة "الشروق" الجزائرية، حيث سألته مقدمة البرنامج في أول سؤال إن كان ملحدًا وبقيت تكرر نفس السؤال إلى أن أجابها بأنه ملحد. على سبيل الدعابة حسب قوله، وهو ما أثار حملة كبيرة ضده من قبل الجزائريين، ليعود في اليوم التالي ويصرح للصحافة الجزائرية بأنه مسلم ويدافع عن الإسلام وبأن تصريحاته بأنه ملحد كانت بغرض الدعابة الثقيلة بعد الاستفزاز الزائد الذي تعرض له من مقدمة البرنامج التلفزيوني.

ولد رشيد بوجدرة عام 1941 في مدينة العين البيضاء في ولاية أم البواقي-شرق الجزائر-. تلقى تعليمه الابتدائي في مدينة قسنطينة، تخرج من المدرسة الصادقية في تونس. ومن جامعة السوربون - قسم الفلسفة. بعد استقلال الجزائر سنة 1962 انضم الى الحزب الشيوعي الجزائري اقام في باريس من  1969 الى غاية  1972 وبالرباط من  1972 الى غاية  1974 حيث عاد الى الجزائر.

عمل في التعليم وتقلد مناصب كثيرة، منها أمين عام لرابطة حقوق الإنسان وفي سنة 1978 انتخب أميناً عاماً لاتحاد الكتاب الجزائريين لمدة 3 سنوات. وعند اندلاع العشرية السوداء في الجزائر ذهب رشيد بوجدرة الى تيميمون وبقي فيها 7 سنوات لهدوئها وبعدها عن مناطق الاضطرابات.

وهو محاضر في كبريات الجامعات الغربية في اليابان والولايات المتحدة الأميركية. حائز على جوائز كثيرة، من إسبانيا وألمانيا وإيطاليا.على مدى 50 عامًا كتب رشيد بوجدرة 30 عملاً من قصة، وشعر، وروايات، ومسرح، ومراسلات، ودراسات نقدية، منها 17 بالعربية الباقي بالفرنسية.