عمان ـ العرب اليوم
الطريقة الصادمة التي اختارها "داعش" لإنهاء حياة الطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي أسره التنظيم أواخر العام الماضي بعد إسقاط طائرته في الرقة في سورية، شكلت القشة التي أنقذت النظام الأردني من سيناريوهات مفزعة أرقت الأجهزة الأمنية خلال أزمة أسر الطيار.
كان النظام الأردني قد تعرض لحصار عنيف من الضغوطات على جميع الأصعدة، منذ اليوم الأول لأسر الطيار الكساسبة، وبدت الدولة الأردنية في حالة ارتباك ووهن يرثى لها تماما كما سعى البعض وأراد، إلا أنَّ النظام وفي النهاية خرج مبتسمًا بعد أن قلب الطاولة على الجميع، والفضل بالتأكيد يسجل لوحشية التنظيم.
وبالعودة إلى بدايات الأزمة، فقد انبرت بعض الآلات الإعلامية الموجهة لفرض سيناريوهات تسبب سقوط طائرة الكساسبة وبدا جليًا أنَّ الحملة الإعلامية تستهدف زعزعة التحالف الدولي وخلق قناعة لدى الرأي العام بأنَّ نيران صديقة هي من أسقطت الطائرة، من خلال إشاعة أنباء عن تورط طائرة إماراتية في الحادثة.
ويمكن الإقرار بأنَّ ثمة من اعتنق هذه الرواية وأخذت وسائل إعلام محلية وعربية وحتى دولية في تداول روايات مشابهة، إلا أنَّ الروايات بقيت حبرًا على ورق قبل أن يخرج والد الطيار في تصريح صحافي يتهم الإمارات بإسقاط طائرة نجله.
وبعد أسابيع خفت الجدل الدائر حول الطيار ومصيره، وكان لقرار القضاء الأردني بشأن منع النشر في قضية الكساسبة الأثر البالغ في الحد من الشائعات وتكبيل الحملات الإعلامية والتحريضية التي تسعى للاصطياد في الماء العكر.
ولكن ومع وقوع رهينتين يابانيتين في يد التنظيم، والزج بالكساسبة كورقة للتفاوض بين "داعش" واليابان، فتح شهية بعض الجهات لتمرير مشروع الفوضى في الداخل الأردني، وتجسد ذلك بصورة واضحة في التصعيد الذي أعلنته عشيرة الطيار، وشمل تظاهرات ووقفات احتجاجية.
وكانت المناشدة التي وجهها والد الطيار إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لإنقاذ نجله هي الخطوة الأخطر، التي أكدت وجود أصابع خفية توجه الأزمة بما يخدم مآربها ـ وهو ما أدركته الحكومة لاحقًا.
في هذه الفترة تحديدًا، نشطت خلية إعلامية كانت تدير المشهد كما تشتهي مصالحها، واتخذت من العاصمة عمان غرفة عمليات لها داخل شقة تقع على قطعة أرض رقمها 1134 الحوض 16 من أراضي اللويبدة.
وتعود ملكية الشقة لمفكر وإعلامي عربي يشرف على مجموعة إعلامية كبرى ومركز دراسات بأموال تفوح رائحة الغاز منها، وسعى إلى تحويل مسار حادث أسر الطيار إلى سهام تصيب النظام في مقتل، وتخلف خرقًا في جدار الاستقرار الأردني، وكانت الفوضى والإرباك الإعلامي التي تزامنت مع مهلة "داعش" للأردن بالإفراج عن ساجدة الريشاوي مقابل الرهينة الياباني، وكادت أن تتسبب بإثارة القلاقل وهز الاستقرار، نتاج الخلية المذكورة.
إلا أنَّ شعبية النظام الأردني وحالة الاستقرار والوحدة الوطنية بعد مقتل الطيار ليس كما قبل، وخرج النظام على عكس ما تنبأت به صحف أجنبية التي ربطت مصير النظام بمصير الطيار، ووضعت سيناريو ينبئ بتعرض النظام لنزيف حاد في شعبيته واستقراره في حال مقتل الطيار على يد التنظيم، إلا أنَّ الواقع نسف التوقعات والتنبؤات المشؤومة.
ولم يسبق للنظام الأردني أن تمتع بهذا القدر من التأييد والشعبية، وتحول الملك الذي كان قبل ساعات على إعلان مصير الطيار، عرضة للنقد إلى زعيم وطني وعالمي تتغزل فيه شعوب المنطقة وحتى الشعب الأميركي الذي دعا رئيسه لتعلم أصول القيادة من ملك الأردن.
ولكن "خلية الأزمة" لم تسارع في رفع رايتها البيضاء، فحاولت النيل من خصمها قبل انسحابها، فوجهت أذرعها الإعلامية لإعلان الاستنفار، ونشر ما تيسر من أكاذيب وإشاعات تستهدف الحالة الوطنية غير المسبوقة في الشارع الأردني.
فمن خلال تقارير تشكك بشن المقاتلات الأردنية هجمات على مواقع لـ"داعش" في الرقة خلافًا لما أعلنته القوات المسلحة الأردنية، إلى إشاعة الجدل حول مخططات لجر الأردن إلى حرب برية في سورية بذريعة الثأر للكساسبة.
اللافت أنَّ الخلية تعمل من قلب العاصمة الأردنية دون أن تحرك الجهات المعنية أي ساكن، علمًا أنَّها لا تقل خطورة على الداخل الأردني من خطر الخلايا المتطرفة وهو ما يثير التساؤل حول جدية وفاعلية الإجراءات الوقائية التي أعلنت عنها الحكومة الأردنية لتحصين الجبهة الداخلية.