مفتي لبنان

أعرب سماحة الشيخ محمد رشيد رضا قباني مفتي الجمهورية اللبنانية عن شكره لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى على تفضل جلالته باستضافة مؤتمر حوار الحضارات والثقافات وطالب في كلمته بالمؤتمر المسئولين في جميع الدول بتقرير مادة علم الأخلاق في التربية والتعليم فى جميع مراحل التعليم وتقديم الجوائز لأفضل الأبحاث في ذلك وشهادات حسن السلوك وتخريج أساتذة متخصصين في علم الأخلاق والسلوك.
وقال سماحة مفتي جمهورية لبنان في بحثه بعنوان "خطاب الكراهية وأثره على أتباع الحضارات" أن الله خلق هذا الكون الهائل وخلق الإنسان فيه وبعث الرسل وختمهم بمحمد (ص) وأنزل عليهم الرسالات والكتب وكان القرآن خاتمها ولا بعد محمد ولا القرآن من رسل ولا رسالات، وأشار إلى أن المشترك بين الكتب والرسالات في جميع الشرائع بعد الإيمان بالله هو سيادة الحق والعدل ومكارم الأخلاق بين الناس على الأرض على اختلافهم وتنوعهم في عصر، حيث طبع الله على الفطرة الصافية وهي فطرة الإسلام والتي تعني إسلام المخلوق نفسه وذاته لله الخالق، لكن الإنسان في أصل خلقته قابل للشي ونقيضه في تفكيره بين الإيمان والكفر والخير والشر والصدق والكذب وينمو كل هذا التناقض ويخبو بحسب النشأة والمؤثرات والمحيط وكل ذلك وفق القاعدة القرآنية "ليبلوكم أيكم أحسن عملا" وفي آية أخرى "ليمحص ما في قلوبكم"
وقال سماحة الشيخ القباني أن أول ظهور لخطاب الكراهية كان على لسان إبليس في غيرته من آدم الذي فضله الله على الخلق، ورغم أن إبليس كان طاووس الملائكة في العبادة إلا أنه سقط في التمحيص والاختبار، وقد بدأ خطاب الكراهية من كلمة "أنا خير منه" وقد انتقل ذلك المفهوم إلى بني آدم ومن هنا انطلقت الكراهية في الدنيا بين بني البشر في نفس قابيل ضد أخيه هابيل ثم انتقلت تلك العدوى والعداوة بين البشر ودبت الكراهية وثارت الأحقاد والثارات بين الناس والحروب بين الدول فتنابذوا وتقاتلوا وذهب الأبرياء والضحايا ووقع الخراب والدمار في العالم بسبب نشأة النفوس على تربية "أنا خير منه" و"أنا لا غيري".
وأرجع فضيلة المفتي السر في خطاب الكراهية الآن إلى كراهية الآخر وإلغائه وإبادته إذا أمكن وبسط النفوذ عليه أو استعباده أو استخدامه وتسخيره، لكنه استدرك قائلا أنه يجب عدم الخلط بين حظر خطاب الكراهية وبين الصدع بالحق والمطالبة به والعمل على استرجاعه واستعادته وردع الظالم عن ظلمه، وقد أصبح مصطلح الحوار متداولا على نطاق واسع لكنه في أكثره إعلامي ودعائي لا يفيد ولا يؤدي لنتيجة عملية على الأخلاق الكريمة في البيوت والمدارس والجامعات والتنشئة على مشاعر الأخلاق والقيم السامية التي تبعث على المحبة والتعاون وخدمة الآخر.
وأوضح سماحة الشيخ القباني أن خطاب الكراهية المنتشر في العالم وفي وسائل الإعلام ليس مقتصرا على الحاصل بين مذاهب المسلمين، بل أنه منتشر على مساحة العالم في الصراعات السياسية والدينية والاجتماعية والفلسفية والاقتصادية الداخلية والخارجية، وكذلك بين الدول، ويتسم الخطاب عادة على التقليل من الطرف الآخر ويعتمد على لغة التشويه والتعبيرات غير اللائقة ويميل عادة إلى الشقاق والنزاع على حساب الاتفاق، وإلى القسوة والخشونة على حساب اللين، وهي لغة صدامية لا تهدف إلى التوفيق أو التوافق بل إلى الانتصار ولو على حساب الاعتبارات الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية، وأخطر ما يحويه خطاب الكراهية هو الحض على العنف وزعزعة أمن وسلامة المجتمعات ويبقى تعريف التحريض أو خطاب الكراهية هو أمر عقيم عند المنظرين الذين يذهبون إلى أبعد الحدود في إطلاق حرية التعبير.
ولفت الشيخ القباني إلى ما يسمى بـ"صناعة الكراهية" في الحرب الباردة بين الجماعات والدول وتدخل فيها الحرب الكلامية والافتراء على التاريخ أو تزييفه أو تشويهه بين الجماعات المختلفة، وقال أنه ما أن تدخل الكراهية في مجتمع حتى تمزقه وخاصة تلك الحروب التي ترتكب باسم الدين ولا يزال الخبراء تتنازعهم حرية التعبير والحد من خطاب الكراهية لوضع المعايير التي تساعدهم على الحد من خطاب الكراهية دون المس بحرية التعبير.
وأكد سماحة الشيخ القباني اهمية عدم الخلط بين التخلص من خطاب الكراهية وبين الحق ومناصرة الظالم قائلا أن الخطاب الخاص بالمحتل العدو الصهيوني ليس خطاب كراهية وليس موجها لليهود العرب أو غير العرب فليس بيننا وبينهم خطاب كراهية وإنما الخطاب موجه لليهود الذين يحتلون فلسطين وينبغي أن نعلم أبناءنا أن تحرير فلسطين واجب وطني وديني
وعرف مفتي جمهورية لبنان مفهوم الجهاد قائلا أنه "بذل الجهد في محاربة العدو المحتل" وأردف أنه لا يحق لكل مجموعة أن تأتي من هنا أو هناك ويقولون نحن نجاهد لأن ذلك سيحدث فوضى، ودعا إلى معرفة حقيقة الجهاد من القرآن الكريم حيث قال تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"
وأكد الشيخ القباين أن العلاج الناجع لإلغاء خطاب الكراهية ونشر ثقافة المحبة يتلخص فيما قاله أمير المؤمنين عمر رض الله عنه (كونوا دعاة للإسلام وأنتم صامتون ولما قالوا كيف ذلك رد بكلمة واحدة "بأخلاقكم") وطالب في ختام كلمته بتقرير مادة علم الأخلاق في التربية والتعليم بجميع مراحل التعليم وتقديم الجوائز لأفضل الأبحاث في ذلك وشهادات حسن السلوك وتخريج أساتذة متخصصين في علم الأخلاق والسلوك.