دبي ـ وام
نظمت جامعة الجزيرة في دبي مساء أمس الأول حفلا تأبينيا للمغفور له بإذن الله الدكتور عبدالله عمران تريم الذي وافته المنية بعد مسيرة حافلة بالإنجازات في مجالات متنوعة شملت التعليم والإعلام وخدمة المجتمع.
حضر الحفل التأبيني - الذي أقيم بمقر الجامعة وبرعاية الدكتور أحمد الكندري وإشراف سارة العسكر نائبة مدير الجامعة لشؤون الطلابية والمالية - الدكتور محمد غرس الدين مدير الجامعة وطلبة كلية الإعلام في جامعة الجزيرة.
واشتمل الحفل على معرض بعنوان نجوم الجزيرة وتضمن مجموعة من الإصدارات الخاصة بدار "الخليج" بالإضافة الى إصدارين أحدهما يحتوي على مقالات للمغفور له الدكتور عبدالله عمران والثاني تضمن ما قيل من رثاء بعد وفاته إلى جانب عرض فيلم مصور عن الراحل أيضا .
وقالت الدكتورة أمل بشير أستاذ مساعد بجامعة الجزيرة إن الهدف من المعرض تعريف طلاب جامعة الجزيرة بهذه الشخصية الوطنية المؤثرة في مجتمعها وبيئتها خاصة لطلبة كليات الإعلام ليكون قدوة لهم في حياتهم المهنية خاصة وأن 99 في المائة من "جامعة الجزيرة" من المواطنين .
ونظمت بقاعة المحاضرات بالجامعة التي اكتظت بالطلبة ندوة بعنوان "مسيرة الدكتور عبد الله عمران " شارك فيها كل من الدكتور يوسف الحسن والذي يعد مدير جريدة التحرير الأول والذي رافق الراحلين تريم وعبدالله عمران تريم رحمهما الله في مسيرة الدراسة كما في مسيرة العمل وحبيب الصايغ رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات مستشار دار الخليج رئيس التحرير المسؤول وعمر غباش مدير قناة دبي وأدار الندوة الدكتور عطا حسن عبد الرحيم عميد كلية الإعلام في جامعة الجزيرة والذي أعلن في ختام الندوة انه سيتم إدراج موضوع البحث العلمي حول شخصية عبدالله عمران.
وقال حبيب الصايغ في مستهل حديثه خلال الندوة " مع الدكتور عبدالله عمران لا أعرف من أين أبدأ أو إلى أين انتهي ولا التزم هنا كلاما توجبه المقدمات التقليدية فالكلام عن عبدالله عمران هو بالضبط الكلام المباشر وغير المباشر عني وعن أبناء وبنات جيلي والأجيال التالية وهو الكلام عن الرعيل الأول الذي تعلم وعمل في أقسى الظروف ومهد بالفكر والموقف والإنتاج المتقن والعناد والمحبة لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة " .
وأضاف " تعاملت مع فقيد الوطن والصحافة وأنا تلميذ في المرحلة الإعدادية وكان المغفور له وقتئذ وزير التربية والتعليم وتعاملت معه وهو وزير التربية في نهاية السبعينيات وهو صحفي عندما كان نائبا لرئيس تحرير صحيفة " الإتحاد " كما تعاملت معه تعامل المصدر والصحفي وهو وزير العدل وعملت معه عن قرب في " الخليج " فتعاملت معه تعامل المرؤوس والرئيس وفي كل ذلك على اختلاف الرأي وتباعده عرفت فيه الشخصية الوطنية العروبية الوازنة الراسخة والمهنية العالية وعرفت فيه الأبوة والأخوة والصداقة وإخلاص العقل والقلب والضمير ".
وأشار إلى أن عبدالله عمران الاستثنائي تاريخ ينادي على نفسه بنفسه منذ البواكير الأولى والنوافذ الأولى منذ المحادثات الأولى لقيام الدولة وانطلاق الاتحاد ومنذ مقاومة الاستعمار الإنجليزي والمد الإيراني الشاهنشاهي منذ الموقف المشرق المشرف يوم احتلت إيران جزر الإمارات الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى بالقوة ".
ولفت إلى أنه في ظروف مشاكسة أصدر الأخوان الكبيران الأستاذ تريم عمران والدكتور عبدالله عمران صحيفة " الخليج " سنة سبعين من القرن العشرين وبعد عشر سنوات صدرت " الخليج " مرة أخرى وتأسست دار " الخليج " التي أصبحت أكبر دور الصحافة والنشر في الإمارات والمنطقة بمطبوعاتها الست وبمركز دراساتها ومركز تدريبها الإعلامي"الخليج" التي عملت وأول هواجسها " الوطن المنسي" عملت نحو الخبر الدقيق والمعلومة الصحيحة والرأي الحقيقي الشجاع والتحقيق الصحفي النوعي والحوار الحر الجريء حتى لا يكون في الوطن " وطن منسي " وهكذا كان.
ونوه إلى أنه وعلى الصعيد السياسي كانت الإمارات والوطن العربي وقضاياهما لدى عبدالله عمران الخط الأحمر الذي لا يقبل التأويل أو المساومة وفي المرحلة الأخيرة مرحلة الفرز السياسي بإمتياز فقد عبدالله عمران صداقات بعض أصدقائه المقربين لأنهم حادوا عن مبادئه وثوابته التي هي مبادئ وثوابت الضمير العربي.
وذكر أن الدكتور عبدالله عمران كان من دعاة الحرية واحترام الاختلاف مع "الكبار" الاختلاف إلى أبعد الآماد في أفق المسؤولية الرحيب لكن ما أن يرتفع صوت ضد مقدرات الوطن والأمة حتى يكون له تلقائيا بالمرصاد .
وقال " كان عبدالله عمران رجلا استثنائيا في زي استثنائي ومن مواقفه المهمة التي لا أنساها بقدر ما أثرت في تكويني وأثرت فيه أنني نهاية السبعينات كتبت في " الاتحاد " صفحة كاملة تنتقد وزارة التربية نقدا سلبيا صارخا وإذا بعبدالله عمران يتصل هاتفيا و"يمليني" ردا من صفحة كاملة فيه تفنيد لمقالي بعد ذلك بعد أن فرغ من إملاء الرد تحول الوزير والمسؤول إلى الشخص الأب والمربي الحنون وفي ود سألني عن أموري الشخصية .. متمنيا لي أنا المختلف معه في تلك الحالة المزيد من التوفيق والنجاح ".
وأضاف " مرت الأيام وعملت معه واتفقت معه واختلفت وكان الاختلاف الأخير ليلة وفاته المفاجئة ليل الأربعاء - الخميس على مقال آثر إلغاءه وتأجيله ورأيت ضرورة نشره صباح اليوم التالي .. في صباح اليوم التالي لم ينشر المقال وإنتشر بسرعة البرق خبر وفاة عبدالله عمران والموت حق ولم نصدق حتى الآن لا نصدق " .
وقال " عبدالله عمران لا يعبر في العابرين واحد من المؤسسين إلى جانب والدنا وقائدنا وحكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان " طيب الله ثراه " أسس للتعليم والتعليم العالي في بلادنا وفي كل مواقعه كان يعتز بالاتحاد ويسعى إلى تقوية مؤسساته وتعزيز مكتسباته وكان يستند في كل مواقفه التي تولاها إلى القانون والدستور الذي إعتبره دائما صمام الأمان وكان يقول " سر عبقرية الإمارات أنها دولة دستورية " .
وأضاف " بعد غياب عبدالله عمران أو حضوره المضاعف فالحضور في الغياب أقوى من الحضور في الوضوح عبر الجميع مؤسسات وأفرادا بدءا بقيادة الإمارات عن الحب والتقدير عبر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة " حفظه الله " عن بالغ حزنه مستحضرا سيرته العطرة وكذلك فعلت دواوين أصحاب السمو الحكام وأطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي " رعاه الله" اسم عبدالله عمران على شارع في قلب دبي واليوم يكرم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تريم عمران وعبدالله عمران بوشاحين وعبر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة عن إعزازه واعتزازه فوصف عبدالله عمران برفيق العمر والصديق الصدوق ووجه وزارة التربية إلى إطلاق إسمي تريم عمران وعبدالله عمران على مدرستين في الشارقة وعبر كتاب وأدباء الإمارات عن صادق العرفان لعميدهم عبدالله عمران الذي احتضنهم وزيرا رئيسا لمجلس إدارة دار " الخليج " فأطلقوا اسم عبدالله عمران تريم على القاعة الرئسية في فرع اتحاد الكتاب الجديد بمعسكر آل نهيان بأبوظبي
وختم حبيب الصايغ كلامه قائلا وماذا بعد؟ وطن كريم يكرم الكرماء ووفي لا ينسى الأوفياء ويا أبناءنا وبناتنا طلاب جامعة الجزيرة خصوصا طلاب الإعلام ويا طلاب وشباب الإمارات في المدارس والجامعات وكل مكان ..
الدكتور عبدالله عمران وأمثاله قدوة حسنة فليقرأ كل منكم سيرته وليعيد القراءة مرارا مع مقارنة الظروف التي تعلم وعمل فيها عبدالله عمران وأمثاله وظروفكم اليوم أو غدا .. رحم الله فقيد الوطن والصحافة " .
بعدها تحدث الدكتور يوسف الحسن الذي توجه بالشكر القدير لجامعة الجزيرة ولفريقها الإعلامي والأكاديمي على دعوتها الكريمة للمشاركة في هذا اللقاء الذي قال فيه " نستذكر ونتأمل سيرة علم من أعلام الإمارات خاصة انشغال الجامعة في الاحتفاء بشخصية مميزة مثل شخصية الراحل عبد الله عمران تريم الذي كان له إسهامه المعتبر في التعليم والإعلام وخدمة المجتمع .. فالمجتمعات الحضارية وجامعاتها تحرص دوما على الاحتفاء برموزها الوطنية في إطار دورها في بلورة شخصية الشعب وهويته وثقافته وتاريخه .. والجامعات المميزة هي التي تمكننا من اكتشاف ذواتنا وروح مجتمعنا وفلسفته ومن تواصل الأجيال وتجذير قيم الإبداع والعطاء وتقدير فضيلة الفعل المبادر الايجابي في المجتمع وحفظ الذاكرة الجماعية " .
وأكد أن هذه المبادرة من جامعة الجزيرة دلالة على الحيوية والحرص من طلبتها الأبناء وعلى التواصل مع سيرة رعيل مميز شجاع ومقدام ومبادر لم ينهزم أمام التخلف والتمزق والفرقة ولم يتطرق القنوط إلى صدره أمام ظروف قاسية وصعوبات الطريق أدرك بعزيمته قدرة هذا الشعب على النهوض والتحول من القبيلة إلى الدولة الحديثة " .
وقال الحسن " اليوم نحتفل أكثر مما نؤبن نحتفل بمن أعطى بسخاء لهذا الوطن وأثرى مجتمعه بحرمة الكلمة ومسؤوليتها وأسس إعلاما في أقسى الظروف وأصعبها إعلاما عصريا وعلى قدر عال من المهنية والمصداقية .. وأسهم بفعالية مع رعيل الآباء والمؤسسين لهذه الدولة في نشر التعليم الذي كان نادرا وضعيفا وتمكين المواطن من حقوقه في العلم والتعليم والمعرفة والمعلومة ".
وأضاف " فعبد الله عمران سيبقى جزءا من الذاكرة الجماعية التي لا تخبو ويصبح غيابه الجسدي حضورا في الوجدان .. واليوم نستذكر ونتأمل المعاني التي انطوت عليها حياته ومسيرته وحينما يكرم ذاكره واسمه قادة الإمارات صباح الأربعاء في أبوظبي يكرمون علما ومبدعا وكاتبا وملتزما بالولاء إلى وطنه وقيادته وإلى الكلمة الطيبة الصادقة وإلى رسالة الإعلام النبيلة الوطنية والإنسانية المنفتحة على الفكر والرأي والمعرفة والآخر المختلف ".
ونوه إلى أن المغفور له كان وحدويا في فكره وممارسته بشر بالاتحاد في منطقة الخليج منذ أن كان طالبا مثلكم وعمل باتجاه إنجازه وضمان استمراره وحمايته وكان عروبيا يرى في هذه الأمة كل إمكانات النهوض والثقة فيها ومارس فضيلة التفكير والإبداع والنقد البناء وإعادة الصدقية للأمل والتفاؤل وتجاوز الصعب والمحن.
وأكد الحسن ضرورة أن يتعرف جيل الشباب للخيرين والعاملين لخدمة وطنهم ولقيم الكلمة ولحرية التعبير ولدور التعليم في بناء الأمم تغني حياتكم وتزيد من قدرتكم على مواجهة الصعب والانخراط الفاعل والصبور في عالم الإعلام .
واستطرد بالحديث عن الأخوين مؤسسي دار الخليج قائلا " حرص المغفور له عبدالله وشقيقه المغفور له تريم على إنشاء مركز لتدريب الإعلاميين وفتح مؤسسته الإعلامية وخبراتها أمام طلبة الإعلام والعاملين في هذا المجال .. ولقد حظيت بمعرفته عن قرب وشاركته خطوات التأسيس الأولي قبيل قيام الاتحاد ومسيرته على مدى العقود الأربعة الأخيرة".
وأضاف " إنه رافق المغفور له في رحلة الدراسة إلى مصر حيث درسا معا في الستينيات منالقرن العشرين والتي كانت منارة علمية وفضاء فكريا هي والعراق في ذلك الوقت .. وفي مصر جذبتنا القاهرة في المقامات العالية بالأدب والفن والقراءة وتعلمنا القراءة والحوار وجلسنا كتلاميذ نسمع الكبار والعظماء الذين أثروا الفكر العربي وكانت البداية الأولى التي شكلت شخصية عبدالله وتريم رحمة الله عليهما ولم يكونا مجرد تلاميذ بل كان لهما التفاعل العميق والكبير بين الطلبة وفي تلك الأثناء بدأ بالتفكير كيف يمكن أن تخرج المنطقة من الهيمنة البريطانية التي كانت تسمى الحماية البريطانية والمحافظة على المنطقة العربية ".
وتناول بعد ذلك كيف عادا الى الوطن في الستينيات وعمل عبدالله مدرسا في أول ثانوية موجودة بالإمارات في حين تولى تريم دائرة الشؤون الاجتماعية والتي تحولت إلى دائرة المعارف بالشارقة .. ولفت إلى الأحوال المادية والمعيشية الصعبة التي كان المجتمع يعيشها في ذلك الوقت ..
داعيا الشباب إلى أخذ العبر من دروس الكبار وذكر أن متوسط الأعمار يومها كان 58 سنة أما اليوم فهو 78 سنة وهذا مؤشر على اختلاف الأوضاع ".
وقال " ومع هذه الأوضاع الصعبة كان الهم الآخر بالنسبة للأخوين المهيمن البريطاني والذي عزل المنطقة أكثر من 50 سنة عن المنطقة العربية والعالم .. وإلتقينا سوية على إن رسالتنا هو أن المستقبل بحاجة إلى اتخاذ أسلوب آخر بالحياة ووجدنا ان هناك رسالة لا بد من أن نطرحها وهي الرسالة الإعلامية والتي تحتوي على أهداف وهي لا بد من العمل على توحيد المنطقة وكيف يمكن المحافظة على الهوية العربية للمنطقة ومواجهة أطماع الشاه".
ويسترجع الحسن ذاكرته قائلا " كان في الشارقة حلاق لبناني واحد وكان يجلب بعض المجلات اللبنانية وأما المدرسون المصريون فكانوا يجلبون كل فترة جريدة الأهرام وإتفقنا على ضرورة أن يكون في المنطقة جريدة وكانت البداية والتي صادفتها الكثير من المشاكل أولها عدم وجود مطبعة وثانيا التكلفة المادية والتي جاءت فيما بعد عن طريق الزوجين الكويتيين غنيمة المرزوق وفيحان المطيري وكان لديهما مطبعة وتبرعا بها وبدأت بمجلة شهرية وأطلق عليها اسم شروق وبعد عام تحولت إلى أسبوعية وأيضا لم تكفي المنطقة خاصة في تلك الآونة يوم كانت بريطانيا تعلن أنها ستنسحب من المنطقة وبعدها مبادرة دبي للاتحاد".
وأشار الحسن إلى أن المجلة وبعد ذلك الجريدة كانت تصلها الكثير من التهديدات إضافة إلى إن الكثير من الجهات كانت تطالب بإغلاقها حتى أن البريطانيين وتحديدا وليم لوثر والذي كان يفاوض بين الإمارات وإيران على الجزر المحتلة طلب من حاكم الشارقة الشيخ صقر القاسمي آنذاك بإغلاقها فأجابهم لو كان يوجد لدينا مجلة بريطانية فهل كنتم ستغلقونها إن أردتم إغلاقها فافعلوا بأنفسكم إضافة إلى أن ممثل الشاه في دبي طلب أن يلتقي بالمدير العام فاتفقنا أن يذهب عبدالله وعاد غاضبا مكفهر الوجه وسألناه عما قاله له فأجاب " لقد قال لي إن المرحلة اليوم تحتاج إلى صمت وانتم لا تملكون مطبعة ولكن لكم صوت مدو وعرض عليه الصمت مقابل المطبعة وطبعا رفض .. وفي اليوم الثاني كانت الجريدة تنشر الخبر .. وتحدث أيضا عن الإغراءات المادية الأخرى التي تعرض لها ولكن موقف الخليج بقي ثابتا " .
وفي ختام الندوة تحدث عمر غباش عن الإعلام بالإمارات ورأى أنه بدأ في الخمسينيات من القرن العشرين كان أحد الأشخاص المقيمين بالعين يصدر مجلة إسمها النخلة وأن أول مسرحية عرضت عام 1948 وفي مدرسة الأحمدية كانت تصدر مجلة أيضا كما ذكرت بعض الشخصيات المؤثرة إعلاميا.