عمان ـ العرب اليوم
طالبت شبكة البرلمانيات العربيات بإغاثة الأطفال، وبتحرك دولي لوقف الانتهاكات بحقهم في مناطق الصراع، واستذكرت الحقوق التي يتمتع بها بعض الأطفال في الدول المتقدمة اليوم والتي توصلت إليها تلك الدول بعد صراعات مع الجهل والتمييز وأساليب التربية الخاطئة، وبعد نضال جاد لحركات حقوق الإنسان، وأسفرت عن إطلاق اتفاقية حقوق الطفل عام 1987 وتوقيعها والمصادقة عليها من الكثير من أمم العالم.
وتقارن الشبكة بين ما يتمتع به الطفل في تلك الدول المتقدمة من منظومة متكاملة من حقوق البقاء والنمو والحماية والمشاركة، ترجمت في التشريعات والسياسات والممارسات والبرامج، وبين ما يعاني منه الكثير من أطفال العالم حتى اليوم، وبالأخص في المنطقة العربية التي باتت تضم معظم لاجئي العالم ونازحيه ومهجريه من الأطفال والنساء، وتتعرض فيها حقوق الأطفال لانتهاكات خطيرة يومية، فأطفالنا في مناطق الاحتلال الإسرائيلي والصراعات الأهلية المسلحة في فلسطين واليمن والعراق وسورية وليبيا وسيناء والسودان والصومال، ومحرومون من الأمن والغذاء والمياه النظيفة والسكن، بل ومن الرعاية الصحية والاجتماعية
والتعليم، ومحرومون من حق الحياة ذاته والنزعة الفطرية لتشكيل أسرة والاحتماء بها ومحرومون حتى من الوطن وحماية الدولة، ومهددون بانتشار الأوبئة الفتاكة كالكوليرا التي خلفتها الإنسانية وراءها منذ نصف قرن من الزمن، ناهيك عن خطر المجاعة، اعتقال الأطفال ومحاكمتهم والاتجار بهم، واحتجازهم في اللجوء، في تحد صارخ لضمير العالم الذي يفتح عينا ويغمض أخرى، بعد أن عادت بهم هذه الصراعات إلى خانة ما تحت الصفر، وهم اليوم إما تحت الأنقاض بعد أن فنيت أسر بأكملها أو فقدت معيلها وحاميها، وإما لاجئين أو مهجرين أو نازحين أو يعيشون بين الخرائب وفي مدن الأشباح .
ولا تفوتنا الإشارة إلى الأطفال الذين تم تجنيدهم في الصراعات المسلحة من قبل المليشيات المتطرفة كتنظيم "داعش" و"شباب المجاهدين" ومثيلاتها من الحركات المسلحة في القارتين الآسيوية والأفريقية، كما في أمريكا اللاتينية، وأولئك الذين تمت الإساءة لهم جنسيا وجسديا بالاغتصاب والخطف والتعذيب والإجبار على العمل في مهن شاقة لا تناسب حداثة سنهم ولا تكوينهم الجسدي والنفسي الغض، أو أجبروا على الزواج في سن مبكرة وقبل بلوغ سن الرشد أو يباعوا في أسواق النخاسة والرقيق، فدخلوا داومات العنف والقتل قبل أن يغادروا مرحلة الطفولة، هذا ناهيك عن العنف اللفظي والمعنوي والرمزي الذي يتعرض له الأطفال يوميا في معظم دول العالم، في بيئاتهم الطبيعية كالأسرة والمدرسة والحي وبيئاتهم الافتراضية عبر الشبكة العنكبوتية وألعاب الفيديو وأفلام السينما ومسلسلات التلفزيون وغيرها .
وتحذر الشبكة من ظاهرة تزويج القاصرات التي تكاثرت في مجتمعات اللجوء والنزوح في منطقتنا العربية هربا من الفاقة والحاجة والعوز، وتهيب بالمجتمعات الحاضنة أن تفعل ما بوسعها تشريعيا ورقابيا وأن تخصص ما تستطيع من برامج وإمكانات ومشاريع للحد من تفاقم هذه الظاهرة، كما تشير إلى استمرار وجود الفجوة الجذرية بين الأطفال من الجنسين في إمكانية الوصول إلى خدمات التعليم والصحة وتطالب بأن تبذل حكومات المنطقة جهدا كافيا لتقليل تلك الفجوة عبر سياسات وبرامج وخطط تُوضع وتنفذ بالتعاون مع سلطة الشعب: البرلمانات المنتخبة، وتحت رقابة القضاء المكلف دستوريا بحماية تلك الحقوق والحريات.
ونذكر بأن هذا الجيل الجديد الذي يكبر ويترعرع في ظل الحرمان من الحقوق الأساسية، لن يكون إلا جيلا معنفا مأزوما، يعاني حتما من أمراض نفسية و عصبية تحول دون قدرته على تحقيق النمو الذاتي والموضوعي وممارسة المواطنة الصالحة، وسيتسبب هؤلاء الضحايا الأبرياء حين يكبرون في مزيد من المآسي والكوارث في المنطقة والعالم خاصة في ظل حرمانهم من التعليم وغياب قيم المحبة والتسامح وحضور النماذج العنف في حياتهم اليومية كبديل أوحد لحل المشكلات.
واختتمت بالقول إن "شبكة البرلمانيات العربيات تدعو دول العالم ومنظوماته السياسية والأمنية إلى التدخل الإيجابي لوقف هذه الصراعات المسلحة في منطقتنا والتي يتم تغذيتها للأسف بأموال وأسلحة ودعم من قوى إقليمية ودولية، وتلعب على أوتار الطائفية والمذهبية والعرقية والاقليمية والجهوية والطبقية، وتستثمر الاختلافات التي يفترض بها أن تكون مصدرا للتنوع والثراء في ثقافة أي أمة لتوظفها كأدوات للفتنة والحروب، كما تدعو المنظمات المحلية والاقليمية والدولية الى مواصلة جهودها في إغاثة هؤلاء الأطفال ضحايا الاحتلال والحروب والنزاعات، وتطالب الشعوب العربية ممثلة في برلماناتها وأحزابها ومؤسسات المجتمع المدني فيها وقواها الحية بنبذ الخلافات وتوحيد الصفوف باتجاه تحقيق الأمن والسلام والرخاء والطمأنينة والازدهار، كي يترعرع أطفالنا في عالم جميل يلاءم طفولتهم، ليرسموا بدورهم عالما أجمل حين يكبرون" .