على وقع الثورات التي شهدها العالم في السنوات الاخيرة عاشت السوق النفطية العالمية خلال هذا العام الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة ثورة النفط غير التقليدي التي مازالت كل القوى تتسارع بشأنها ما بين مؤكد لنجاح هذه الثورة وآخر على يقين من فشلها. وما بين مبالغ ومقلل لأهمية هذا النوع من النفط (الصخري) وتأثيره في السوق العالمية ظلت السوق النفطية العالمية خلال 2013 متماسكة وثابتة على متوسط في اسعار النفط (فوق ال 100 دولار) يكاد يكون قريبا من اسعار العام الماضي لكن التوقعات المستقبلية تظل محل خلاف بين المحللين والمتخصصين. وبالرغم من الخلاف في الرأي بشأن التوقعات والتضارب في الارقام المعلنة حول هذه الثروة والثورة تظل هناك حقائق ثابتة لا يمكن اغفالها اهمها ارتفاع انتاج الولايات المتحدة الامريكية (أكبر مستهلك للطاقة في العالم) حيث بلغ حجم إنتاج الطاقة المحلي فيها خلال نوفمبر الماضي ما معدله 8 ملايين برميل من النفط يوميا. والثابت أيضا بحسب تقديرات المنظمات الامريكية والعالمية أن انتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري او هذا النوع من النفط غير التقليدي بلغ حاليا بحدود مليون برميل نفط يوميا قابله انخفاض بنفس الحجم في معدل الاستيراد اليومي للنفط من الخارج. ولحداثة هذا النوع من النفط غير التقليدي واختلاف تكويناته فقد اختلفت المسميات بشأنه ما بين (الصخر الزيتي أو النفط الصخري أو النفط المحكم أو النفط الحجري) وغيرها لكن الثابت أن هذا النوع من النفط يتم استخراجه من صخور ملساء يصعب تكسيرها واستخراج النفط منها. وتنقسم الطاقة الصخرية الى (نفط وغاز) وهذه الطاقة عبارة عن مواد كيروجينية (خليط من مواد عضوية صلبة) محتكرة داخل المسامات الصخرية وهذه المادة الصلبة تحتاج الى انحلال حرارى عنيف لتحويلها من الحالة الصلبة الى الحالة الغازية ثم تبريدها لجعلها سائلا أو بما يعرف بالنفط الحجري. وتجدر الاشارة هنا الى ضرورة عدم الخلط بين الوقودين الصخريين (الغاز والنفط) فالأول تخطى مرحلة البدايات واستطاعت الولايات المتحدة ان تذهل العالم بإنتاج غزير من الغاز الطبيعي غير التقليدي المتوفر في الصخور الشيل (الطينية ذات المسامات المتناهية في الصغر). اما النوع الثاني من هذا الوقود الصخري وهو النفط فلم يصل لمراحل متقدمة من التطور كما الغاز وهناك فارق كبير بينهما من الناحية الفيزيائية والكيميائية و كذلك في سبل الاستخراج و السعر أيضا وهذا النوع محل اهتمام هذا التقرير. واليوم وبمرور عام 2013 وتعاظم دور النفط الصخري أصبح هذا النوع غير التقليدي من القضايا الرئيسية المتوقع ان تؤثر في أمن الطاقة في عام 2014 وما بعدها في ضوء المطالب العالمية المتغيرة والابتكارات التكنولوجية السريعة التي باتت تملك القدرة على إحداث تحول في سوق الطاقة العالمية. ومن الحقائق التي يجب عدم تجاهلها عند الحديث عن هذا النوع من النفط غير التقليدي هو أن التكنولوجيا تلعب دورا رئيسيا في انتاجه ويتوقف عليها إذا ما كان يمكن اعتبار جدوى انتاجه اقتصادية من عدمه فالثابت ان تكلفة انتاج برميل النفط الصخري في ادناها بحدود 75 دولارا حاليا الى 85 دولارا في حين ينتظر من التقدم التكنولوجي في انتاج هذا النوع أن تصل التكلفة الى اقل من 50 دولارا للبرميل. وهذا النوع من النفط يعد ذا جدوى اقتصادية معقولة في ضوء وصول سعر برميل نفط خام الاشارة الاوروبي مزيج برنت نحو 18ر112 دولار للبرميل كما في يوم الجمعة الأخير من 2013 وهو ما يعني أن هناك عائدا من انتاج برميل النفط الصخري في حدود 30 دولارا للبرميل قابلة للزيادة مع التطور في استخدام التكنولوجيا وانخفاض تكلفة الانتاج. ولأن لكل ثورة ارهاصاتها فإن الثورة (غير التقليدية) في النفط والغاز لم تولد فجأة حيث ان تقنية التكسير الهيدروليكي استخدمت منذ عام 1947 وبدأ استخدام هذه التقنية مع الصخر الزيتي الكثيف في تكساس بالولايات المتحدة في أوائل الثمانينات حتى تم اتقان العمل بهذه التقنية في اواخر التسعينات من القرن الماضي. و بدأت ملاحظة تأثير هذا النوع من الطاقة على الامدادات في الولايات المتحدة عام 2008 الى أن اندلعت الثورة الحقيقية في 2013 ومازالت مستمرة تسعى لتحقيق أهدافها وهي الوفرة في المعروض من النفط وتحقيق الاكتفاء بحلول عام 2025 بل والتصدير بحلول عام 2030. ويقدر حجم النفط الحجري فقط دون الغاز بخمسة تريليونات برميل مخزون بالحالة الصلبة داخل مكنونات الصخور في العالم في حين يقدر النفط التقليدي ب37ر1 تريليون برميل سائل أي ان النفط الحجري يقدر بنحو ثلاثة أضعاف التقليدي فيما يقدر حاليا ان عدد الدول المستكشفة للنفط الصخري 41 دولة في 2013. وتقدر هذه الارقام بواقع استخراج نفط بنسبة 5 في المئة من حجم تلك الصخور التي يوجد فيها النفط الحجري وطبقا لهذا التقدير فان مخزونات النفط الحجري الحالية (في أمريكا و كندا فقط) هي 3ر3 تريليون برميل. اما فيما يخص انتاج الغاز الصخري في امريكا الشمالية فقد بلغ خلال 2013 ما يعادل سبعة تريليونات قدم مكعبة ويتوقع ان يصل الى 12 ترليون قدم مكعبة بحلول عام 2020. وبشكل عام يخوض النفط الحجري معارك بيئية كبيرة مع قوانين الطاقة الجديدة بسبب المخلفات الضخمة التي يتركها بعد الانتاج واحتياجاته الهائلة من المياه عند الانتاج وهو ما يسبب تلوثا لكميات كبيرة من المياه علاوة على الانبعاثات نتيجة حرق الغاز وهو ما يسبب التلوث ويساعد على ظاهرة الاحتباس الحراري كما يخوض معارك مع تسارع تكنولوجيات الحفر الجديدة فيما يخص التكسير الهيدروليكي (الفراكنج). ورغم بعض النداءات والتحذيرات التي اطلقت في وجه الدول المنتجة للنفط التقليدي وخصوصا دول منظمة الدول المنتجة للبترول (اوبك) وبشكل أشد خصوصية دول الخليج محذرة من ثورة النفط الصخري فان الواقع لا يدعو للقلق تماما بالنظر الى خريطة النفط العالمية من منظور رأسي. فإذا كان استيراد الولايات المتحدة الامريكية من النفط كنموذج أبرز للدول المنتجة للنفط الصخري يقل فإن واقع الأمر يؤكد زيادة في الطلب على النفط في الاسواق الاسيوية الواعدة كالصين والهند وكوريا الجنوبية وإن كانت الأولى تسعى للتوسع في انتاج النفط الصخري. واذا كان انتاج النفط الصخري المشجع جدا أو ثورة الصخر الزيتي التي تشهدها الولايات المتحدة الأميركية شجعت الدول المستهلكة للنفط على البحث من جديد عن هذا النوع من الصخر الزيتي فلابد أن نضع في الاعتبار أن انتاج هذا النوع صعب جدا ومكلف ولا يتوفر لدى كل المستهلكين. وما يحدث في الولايات المتحدة ليس سهلا التكرار في دول أخرى وهي المثال الأكثر دراماتيكية بعد ان اصبحت تسهم في إحداث تغيير جذري في صورة المعروض من النفط والغاز حيث تزايدت الموارد العالمية التقديرية من هذا النوع من النفط بنحو 66 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية. ويمكن ايضا تجاهل وجود بلد مثل الاردن الذي يستورد 97 في المئة من احتياجاته من الطاقة يشرع في استغلال مكامن النفط الصخري لديه التي تعد من أكبر الاحتياطيات في العالم وذلك بتوقيع عقود مع الشركات العالمية والمحلية للبدء في استغلال هذه الثروة وخصوصا في انتاج الكهرباء باستخدام النفط الصخري.