من بين عتمة وظلام الأقبية والزنازين وخلف القضبان الحديدية الإسرائيلية، كان الأسير المحرر علي عصافرة يمتشق قلمه ليُحاكي واقع السجن ويُصّور تجربة الأسر والمعاناة اليومية، مُحاولاً بعدها أن ينقل ألم القهر وعزيمة الصمود إلى العالم الخارجي. الأدب في السجون ذو شجون، كتابة القصيدة في الغرف الضيقة بمثابة قدوم مولود جديد تترقب ولادته ونموه، تأنس إليه في وحشة وظلمة وغربة، يقول عصافرة لـ"صفا": "إنه شعور جميع الأسرى الذين يريدون كل شيء يعوضهم عن القهر والألم". وفي نصوص لا أصدق ولا أعذب ولا أجمل منها، تنمو أقلام الأسرى وكتاباتهم بالأحزان والآلام والحنين والأشواق المتتالية لذويهم وللعالم خارج السجن، فيبدعون بالكتابة ونقل الصورة، كما يصف عصافرة. والمحرر عصافرة أحد الذين ولدت قريحتهم الشعرية داخل السجون، وكتب ديوانين من الشعر أحدهما بعنوان "اللؤلؤ والمحار"، حيث استعار المحارة بالسجن واللآلئ بالأسرى الذين ينتظرون الإفراج، فيما سمى الديوان الآخر "الضوء والأثر". ويتميز أدب السجون بصدق التجربة وغناها وبالعفوية والرمزية الشفافة والصور الإيحائية وسلاسة اللغة وطلاوة التعابير كونه خرج من رحم الوجع اليومي والمعاناة النفسية والقهر الذاتي، والمعبّر عن مرارة التعذيب وآلام التنكيل وهموم الأسير وتوقه لنور الحرية وخيوط الشمس.