احتفالية "أيام التراث السوري"

في أمكنة تعبق برائحة التاريخ والحضارة المتجذرة في الأرض الدمشقية تستعيد معالم التراث السوري ألقها وتعيش مجددا في حاضرنا وحاضر الأجيال الشابة لكي يطلع الأحفاد على ماأبدع الأجداد .. ولكي يعرفوا أن أزمة البلاد عابرة.. وأن الأصالة لن تموت فينا.
وربما كانت دمشق أحق المدن بالاحتفال بيوم التراث العالمي الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو في الثامن عشر من نيسان في كل عام لأنها مدينة التراث والحضارة كما يراها الباحث التاريخي مروان مراد في تصريح لسانا وكل من يحضر فعاليات وأنشطة أيام التراث السوري المتوزعة في أجمل الأوابد الدمشقية لابد أن يشعر بالفخر والفرح وخاصة أننا في أزمة لكننا في صلب هذه الأزمة لم ننس تراثنا.
حيثما جلت في دمشق تطالعك معالم التراث فدمشق مخزن وبنك للمعلومات عن الحضارات السابقة التي مرت بهذا البلد وحيثما تنقلت تطالعك المعالم الأثرية التي ترمز للحضارة الإنسانية الراقية فحضارتنا حضارة بشر وليست حضارة حجر حيث لم يترك الحرفي السوري ميدانا إلا وطرقه وأبدع فيه لأنه يعطيه من روحه ومن أنفاسه الدمشقية العريقة مايجعل الاحتفال بالتراث اليوم احتفالا بالإنسانية.. ويأمل مراد من كل قلبه أن تحافظ الأجيال القادمة على هذا التراث وتعتني به وتصونه لكونه مرآة حضارتنا.
في ركن بديع من حديقة قصر بناه آل العظم قبل حوالي ثلاثة قرون أخذ جاك صباغ طالب المعهد العالي للموسيقا مكانه خلف آلة القانون الشرقية ليعزف نشيد الوطن معلنا افتتاح الفعاليات في صباح دمشقي جميل لم تستطع قذائف الشر تعكيره فجادت أنامل الشاب بعزف مقطوعات تراثية وقدود حلبية "ياطيرة طيري ياحمامة.. يامال الشام" .. وارتجالات تقاسيم على القانون.
بدوره أخذ الشاب المتطوع "أبي" مكانه خلف صندوق الفرجة ليطلع الأطفال على ماكان الأجداد يعرفونه وراح ينادي بصوت جهوري حاملا الجرس اليدوي القديم .. ياسلام وياسلام ..تاعا تفرج ياسلام.. رح فرجيكون عبلادي ..يللي اسما بلاد الشام .. والشام شامة رحمن .. سورية أم الأوطان ولفت إلى ربط التراث مع التقنيات الحديثة من خلال التعديلات التي أدخلها هو ورفاقه على الصندوق القديم حيث لم تعد الصور جامدة بداخله بعد ادخال الفيديو والبافلات ليعرض الحكايات عن جحا وغيره من الشخصيات الطريفة على الأطفال الذين أحبوا الصندوق مدفوعين بفضولهم لمعرفة ماكانوا يسمعون عنه من آبائهم واليوم أتحنا لهم رؤيته على أرض الواقع وربطناه بالحاضر في محاولة لتوصيل رسالتنا لنقل التراث بصدق.
وفيما كان الحكواتي يروي حكايته عن دمشق ووردها الجوري وياسمينها والتعايش والمحبة بين أبنائها مفتتحا بالعبارة المعروفة قال الراوي ياسادة ياكرام.. بدأ محمود الخراط من فرقة المولوية التي تأسست قبل عشرين عاما بالمشاركة من خلال رقصة الدراويش على الطريقة الصوفية بثوبه المخروطي الأبيض من أجل اطلاع الناس على هذا الفن الجميل وإشاعة جو من البهجة في الاحتفالية.
وفي خان أسعد باشا يبهر الزائرين ذلك التنوع في الحرف والمهن اليدوية التي اشتهرت بها دمشق منذ القدم ويزيد الديكور الحي في جمالية المكان فهنا تقف عربة الفول النابت وهناك عربة بيع الترمس وإلى جانبها عربة زجاجية صغيرة تبيع التماري كعك ..وفي زاوية أخرى نرى النول القديم وكيفية نفخ الزجاج الملون والطرق على النحاس بالإضافة إلى الصناديق الخشبية الصغيرة المطعمة بالصدف بأشكال ورسومات مختلفة.
وتحدث لـ سانا فادي فرح المدير التنفيذي في برنامج "السورية للحرف اليدوية" عن ضرورة توثيق هذه الحرف ودعمها وحمايتها من الاندثار ..وعن رعاية البرنامج لمجموعة من الحرفيين بالشراكة مع الجمعيات التنموية والمجتمع المحلي بالإضافة إلى دعم منتجات الحرفيين من خلال تقديم المكان والتسويق والتطوير التقني والقروض والتمويل مشيرا إلى أن مجالات التعاون مفتوحة حسب حاجة كل حرفي.
وأطلقت حنان كلسلي على مشغولاتها الفنية اسم "أيادي" لكون كل قطعة تمر على أكثر من حرفي لكي تكتمل وتأخذ الشكل النهائي الجميل ..وقالت إن كل الحرف السورية التراثية من الزجاج إلى القيشاني إلى النحاس والتطريز بأنواعها تدخل في صنع منتجاتي ولكني أعمل أشكالا جديدة اطورها لنستفيد منها في حياتنا اليومية وأحببت من خلال مشاركتي أن أساهم في تسليط الضوء على التراث السوري اليوم وأقول إننا موجودون بماضينا وحاضرنا.
وفي ركن آخر من الخان تحضر مأكولات مملكة ماري كحلوى "ميرسو" التي تم اكتشاف طريقة صنعها على أحد آلاف الرقم المكتشفة والتي يعود تاريخها إلى 1800 قبل الميلاد ..وتتمثل مكوناتها في التمر المطحون والدقيق والسميد والمكسرات المطحونة كاللوز والبندق والجوز والصنوبر والفستق.. كما تم تقديم نوع من الطعام الذي كان معروفا في مملكة ماري ويتكون من القمح المحمص مع الأعشاب كالجرجير والكزبرة والثوم المهروس.. حيث لاقت هذه المأكولات إقبالا من الزائرين في الخان.