في غرفة شبه مظلمة لا يظهر فيها إلا امتداد لا متناه للبحر مع صوت موجه المتكسر على حافة قارب، يشعر الداخل إلى الغرفة أنه ضائع في عرض البحر، ولا يعرف في أي اتجاه يمضي القارب، وكأنها تجربة في الغرق، أو التأرجح على حافة الغرق، في ما يحاكي الواقع السياسي المضطرب الذي تعيشه المنطقة. هذه هي اجواء العمل الفني "اتجاهات 2005-2013" الذي يقدمه الفنان الإماراتي محمد كاظم في معرض "تعابير إماراتية، رؤية تتحقق" الذي تنظمه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة للعام الثالث على التوالي في منارة السعديات، ويستمر حتى 18 كانون الثاني/يناير المقبل. ويقوم المعرض هذا العام على فكرة تقديم الدعم لستة اماراتيين من رواد الفن المفاهيمي، القائم على كسر الاشكال التعبيرية التقليدية، لاستكمال مشاريع فنية متوقفة إما لحجمها الكبير أو لاعتبارات لوجستية. وقال محمد كاظم لوكالة فرانس برس "في هذه المرحلة من العمل يشعر المشاهد وكأنه جزء من العمل حيث يخترق الحدود الجغرافية والسياسية مثل لوح خشبي مفقود في البحر" مشيرا الى ان اللوح الخشبي المتأرجح على سطح الماء يرمز إلى عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه المنطقة. ويحاكي كاظم في هذا العمل تجربة حقيقية خاضها بنفسه عندما سقط من قارب دون أن يشعر به رفاقه، وظل تائها في البحر عدة ساعات حى عثروا عليه. واستخدم كاظم في عمله هذا رمالا وصخورا مجمعة من اربعة اماكن مختلفة في الامارات، وسجل عليه بأحرف وأرقام مسبوكة الاحداثيات الاصلية لأماكن التقاطها، بالعودة الى جهاز تحديد المواقع الجغرافية "جي بي اس". ويعد "اتجاهات" 2002 الخطوة الأولى لمشروع على المدى البعيد يلقي فيه الفنان مجموعة من الألواح الخشبية في البحر، تحمل احداثيات مناطق في الإمارات، ليتركها تطفو بحرية فوق المياه الإقليمية للدولة. ويحاول كاظم في أعماله عموما اظهار اهتمامه وتفاعله الشخصي مع البيئة سواء الجغرافية أو الاجتماعية، ويطرح تساؤلات عميقة عن الهوية في ظل التحولات المتسارعة في المدن. ويعتقد كاظم "أن هذا النوع من الأعمال قد تعرضها دور العرض، لكنها لا تتبناها، في حين أن المؤسسات هي المعنية بتبنيها لتعرض مثلا في الميادين العامة، وفي الغرب تكلف المؤسسات الرسمية الفنانين لتنفيذ أعمال عالية التكلفة في الأماكن العامة، فالبنوك والمطارات والموانئ لابد أن تتبنى الفكر الفني المعاصر وتعكسها للناس، واعتقد أن هناك تصورات قادمة في هذا الاتجاه مع قرب افتتاح المتاحف العالمية الكبرى في البلاد". يقول كاظم ذلك في رده على عدم تقبل الفن المفاهيمي من قبل العامة، فرغم انتشار هذا النوع من الفن المعاصر في الإمارات أكثر من دول الخليج الأخرى إلا أن المتلقي يقف حائرا أحيانا في المعارض التشكيلية المتكاثرة التي أصبحت تتجه إلى الفنون الحديثة أكثر من غيرها. وتشهد دولة الامارات إقبالا على الفنون المعاصرة حتى وان كان تفاعل الجمهور معها ما زال خجولا، فإلى جانب الفن المفاهيمي، تنتشر الآن الفنون الرقمية، وهي الأخرى محل جدل بين مشجعيها ورافضيها. ويقول كاظم "اعتقد أن الامور تتجه للتغيير".