دمشق - سانا
الشاعرة وليدة عنتابي تكتب الشعر الذي يغوص بأعماق الإنسان ثم يحلق عاليا لتخلص إلى فكرتها بشكل فلسفي عميق حيث يرافق رؤاها نغم موسيقي يسهم بعالقة وثيقة بين القصيدة والمتلقي. وعن كيفية اختيارها لنوع الشعر الذي تكتبه قالت عنتابي في حوار خاص لسانا عندما اكتب القصيدة لا أتخذ شكلها عن سابق عمد قط بل انها تتخذ وشاحها من إيقاعها الخاص والمتماهي مع روحها فهي تتواءم مع نبضها الموسيقي وفق الدفقة الشعورية المترعة بماء حياتها. وأضافت عنتابي عندما أكتب القصيدة أكون ضمن مكوناتها وبنيتها فأحيانا تأتي قصيدتي بزخم وعنفوان الشطرين كجحفل من الفرسان في فيلقين مرسومين بنظام محدد لا يمكن الخروج عنه الا بانكساره وهدر نبضه الرتيب مبينة انها تكون بحالة انتظم فيها تناغم الهدف مع إيقاع النهج النهج وأحيانا تنداح تلك القصيدة في سريرها الورقي متشعبة متمادية متصادية في براري حبورها وانطلاقها المتوارد المتلاحق الذي يتغلغل في مساراته الموافقة لانسيابه الحافل بإيقاعات تأخذني معها إلى حيث الدهشة تترنح على دروب الطريف والمثير. أما ما يسمى بشعر النثر فبينت عنتابي أنها لا تؤمن بتلك التسمية فالشعر ليس النثر على الإطلاق وما يكتب من نصوص أدبية يطلق عليها تسمية الشعر الحر أو شعر النثر ليست أكثر من شكل آخر لوارد الشعور من تمرد على الإيقاع الذي يصعب على بعضهم القبض على زمامه وما تجده من صور وأخيلة وتهويمات ومجازات مرسلة أو معقولة في النص النثري لا تكفي ليكون نصا شعريا موضحة ان الإيقاع العروضي هو الذي يعطي الشعر سمته الخصوصية ويفرقه عن النثر وإلا لكان مجرد نثر فني يحلق في فضاء الشعر دون أن يدركه. ولفتت عنتابي إلى أن الشعر يتسيد على كل الفنون فهو القادر الوحيد على استقطاب المجسد والمجرد في اندماج خالق لحالة فريدة لا يمكن لغيره بلوغها فهو في قدرته على استيعاب الكونية في شمولها وحساسيتها وصلته الحميمة بالأسطوري والباطني وصبوته للتواصل والتماهي مع المطلق وملازمته الحتمية للخيال يمتطي براق الحدس إلى آفاق ما ورائية تربو على المألوف في العادي والحسي في ذات الوقت الذي يمكنه أن يغوص بتلك المهرجانات اللامرئية إلى أعماق المحسوس في تموج حركي إبداعي مغاير لأحادية القطب بل مستدرك لثنائية وجوده التي تصبو إلى جمع الأسطوري بالواقعي والقصيدة الجديرة بالنشر على حد قولها هي تلك التي تستهويها وتحملها إلى آفاق علوية وبذات الوقت لا تسحب الأرض من تحت قدميها والتي من حقها أن ترى أنوار السموات والأرض واستوفت شروطها وعناصرها من إيقاع موسيقي راقص وخيال باذخ خلاب ولغة فنية راقية وروح محلقة منعتقة تلك التي تخول القصيدة أن تنجز موضوعها وهدفها في أن تصبح غاية الكلام وهدفه الأسمى. وتصل القصيدة للإبداع المتفرد برأي عنتابي حين تستثير بلغتها الخاصة جوهر المعاش وجوهر الروح فتستوفي شرطي السمو والعمق اللذين لابد من استيفائهما في كل قصيدة بلغت أوج الإبداع وقد توسطت بين السهل والجبل بين الحركة والسكون في وحدة الحياة والموت لحظة المصالحة حين يغتسل الروح في الينبوع الأول الذي تتولد فيه الحقائق في تدوير أبدي دامج مجدد وخالق معيد للطراوة والاخضلال. وتكتب عنتابي القصيدة لروحها المتعطشة للجميل والعميق والأصيل فتنتج قصيدتها كما تنتج الأم طفلها الذي هو امتداد لكينونتها وتعبير عن رغبتها العارمة في الخلود واستجابة منها لغريزة الصياغة والخلق والإنشاء والتكوين في خصوصية تشكيل نسيجها المتفرد ولتتصل بأعماق الحياة وصميميتها التي تطلقها من راهن الآن وحدود المكان لتحلق في مدارات عوالم تأتي تباعا على أمواج الزمان ولتهتف للآخر الذي يربض على بعد يسير أو عسير من دارة إحساسها بآن معا وأن جوهر وجودنا واحد مهما اختلفت فينا الروءى وتناءت المسارات كتبت القصيدة وأكتبها لأرتفع بها فوق اللحظة وأغادر مائدة الحواس إلى حدائق الروح المشتهاة والتي طالما استدرجتني بألوانها وإيقاعاتها النابضة بهاجس الصعود والارتفاع بكل ما يقيم الذات مقام الرفعة والسمو. أما عن حال الشعر السوري اليوم وشعر التفعيلة خصوصا فأشارت عنتابي إلى أنه تتلبس الشعر السوري اليوم حال تتراوح بين القلق والنزوع إلى الاستقرار الاستقرار ومادام القلق هو الباعث الأول لكل تغيير وتطوير فإن الحالة التجريبية في الشعر السوري تمر بمرحلة مخاض مرير لولادة عسيرة جل ما تطمح إليه أشبه بعملية قيصرية تحاول اختصار اللحظة وابتسارها لصالح أمور لا تمت إلى الإبداع بشكل من الأشكال بغض النظر عن سلامة المولود وصحته وتفرده فبقدر ما يستطيع الشاعر السوري المحلي إن صحت التسمية أن يندمج بالعالمي بقدر ما تغتني تجربته قي سياق الكوني وما الشعر في النهاية إلا حصيلة الوعي الإنساني في أرقى درجات سموه. وإن حال الشعر العربي في الأقطار العربية حال واحدة على وجه التقريب نظرا لتشابه الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد العربية في ظل الهيمنة الاستعمارية وطغيان العولمة والسيطرة التآمرية لتكالب المطامع الأجنبية في اقتسام الوطن العربي وتمزيق أواصره وابتلاعه في دوامة مصالح الدول الكبرى وإني لأرى كيف تتأرجح قصيدة التفعيلة على مشنقة المعاصرة والثورة الالكترونية وهيمنة العولمة. والمطلوب من المؤسسة الثقافية الرسمية حسب عنتابي أن تكون جادة وموضوعية في استقصائها للمبدعين وتعاملها معهم على أسس في منتهى التجرد والنزاهة فتنتفي الصفة الشخصية والمحسوبية للمبدع ويفسح المجال لكفاءته الإبداعية ليحظى بما يستحق نتاجه من تقييم لا شأن به لانتمائه أو نسبه أو علاقاته كما أن للجهد في تسليط الضوء على المبدع الحقيقي أثرا كبيرا في إظهاره وتقديمه على الساحة الإبداعية ليأخذ حقه في الظهور والانتشار في الأوساط المعنية فهنالك الكثير من المبدعين الحقيقيين والمغمورين يتكاثف التعتيم عليهم لصالح الزائف والمصنوع والمدعي. يشار أنه صدر للشاعرة عنتابي العديد من المجموعات الشعرية منها.. أكف عن الموت- بوح العناقيد-أسرار كما كتبت القصة القصيرة والمسرحية وقد أنتجت إحدى مسرحياتها في مهرجان طلائع البعث في مدينة حلب وهي بعنوان من يسرق العسل إضافة إلى تجربتها في كتابة السيناريو إذ كتبت ثلاثية بعنوان الصابرة مأخوذة عن رواية المرأة التي شاهدت وجه الله للدكتور الشاعر صالح الرحال كما لها كتاب قيد الطبع بعنوان ذكريات مصور صحف وهو مكتوب بطريقة السيرة الذاتية إضافة إلى كتاب آخر وهو مجموعة نثرية على شكل رسائل متسلسلة بعنوان رسائل زمن الورد .