رييكا ـ قنا
تتجول أهلمانة غودنياك المرأة البوسنية الحافظة للقرآن الكريم كاملا في أروقة مركز رييكا الإسلامي وإلى جانبها زوجها فارس في انتظار دورهما في منافسات مسابقة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني للقرآن الكريم لغير الناطقين بالعربية التي بدأت يوم الجمعة في رييكا. ولأن الحدث استثنائي وفي منطقة استثنائية ويحتضنها مركز هو الآخر استثنائي في إبداعه وجماله ورعة تصميمه وأدائه شدت أهلمانة وزوجها وطفلهما الرضيع الرحال إلى رييكا للمشاركة في المسابقة القرآنية التي تعد الأولى من نوعها في منطقة البلقان. يتبادل الزوجان قضاء الوقت مع طفلهما الرضيع فكل منهما يطمع في وقت لاستذكار منهج المسابقة سعيا نحو أداء متميز يضمن لأحدهما أو لكليهما مركزا متقدما في هذه المنافسات. لكن أهلمانة وزوجها ليسا الوحيدين هنا في مركز رييكا، فإلى جانبهما ما يقرب من مائة متسابق ومتسابقة شدوا رحالهم من مختلف مدن كرواتيا والبوسنة والهرسك وسلوفينيا ومقدونيا للمشاركة في هذا المهرجان القرآني الفريد هنا. وهنا أيضا، يشدك هذا الفرح الكبير الذي زرعته مسابقة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني في قلوب المشاركين وتلك الابتسامة المرسومة في شفاه كل من تقابله من مسؤولين ومشاركين وحضور وهو بلا شك لا يقل عن فرح الأسر المسلمة في منطقة البلقان قاطبة. وكما يشدك هذا الفرح، تدهشك هذه الحماسة المنقطعة النظير في الإقبال على القرآن وتلاوته وحفظه وتعلمه والتي لم تفتر أو تهدأ حتى في أشد أيام البلقان صعوبة وضراوة ورغم كل المحن والشدائد. تقول أهلمانه التي تتحدث العربية إنها حفظت القرآن كاملا في فترة طفولتها مطلع تسعينيات القرن الماضي في وقت كانت بلادها تمر بفترة عصيبة من تاريخها. وتضيف المواطنة البوسنية لوكالة الأنباء القطرية/قنا/ "كانت أمي أشد إصرارا على أن أتم حفظ القرآن الكريم خلال تلك السنوات المريرة التي مرت بها المنطقة وهو ما كان بالفعل". وتشير إلى أنها حفظت القرآن الكريم بالسماع من خلال "الكاسيت" لمقرئين معظمهم من الأتراك، وأصبحت الآن تشارك في المسابقات القرآنية الدولية. وتؤكد أنها سعيدة لوجودها اليوم في كرواتيا للمشاركة في مسابقة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني للقرآن الكريم واعتبرت مشاركتها فرصة ثمينة لها ولكل مسلمي البلقان، خاتمة بالقول "القرآن حياتنا". ولا يختلف حال أهلمانه عن غيرها من مسلمي المنطقة، فالحرص على حفظ القرآن وتلاوته أو على الأقل سماعه من مقرئين هو حال الغالبية العظمى من المسلمين في هذه المنطقة. وتضطلع المراكز الإسلامية بدورها في التشجيع على حفظ القرآن والإقبال عليه وتعليم العربية للمسلمين قدر الإمكان كما هو حال مركز رييكا الإسلامي الذي شيدته دولة قطر حيث تجري منافسات مسابقة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني لغير الناطقين بالعربية. والأجواء في مركز رييكا الإسلامي غير عادية فهي تنبئك عن قوم يعشقون القرآن رغم التحديات الثقافية واللغوية، فمنذ أن حطت "لجنة المسابقة" رحالها في هذا المركز قادمة من قطر الخير تقاطر الناس من كل مكان ليتحول المركز إلى خلية نحل: رجال ونساء من مختلف الأعمار يصلون الصبح بالمساء يسمعون آيات الله تتلى بلسان عربي مبين وإن كانت العربية ليست لغتهم..! في كل زاوية من زوايا المركز مجموعة تتلو أو تتدارس منهج المسابقة.. المارون بين الأروقة وفي الممرات يصدحون بما يحفظون من القرآن.. آخرون يستمعون لهذا وذاك.. فإذا ما أذن للصلاة فزع الناس نحو المسجد وكأن بعضهم لا يعرف بعضا. يؤكد المتسابقون والقائمون على الأنشطة الإسلامية في الدول المشاركة أن المسابقة شحذت الهمم وحركت العزائم فاندفع الشباب بقوة نحو القرآن لمراجعته وتدارسه فاتسعت حلق القرآن وتحولت المساجد والبيوت إلى قرآن وذكر. يقول شبندي فيداني من سلوفينيا مسؤول عن الأنشطة الإسلامية في العاصمة لوبليانا لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ "كنا نقيم مسابقات محلية صغيرة لكن مثل هذه المسابقة تحدث لأول مرة وهي تجمع مسلمين من أربع دول وتضم إلى جانب القرآن الحديث النبوي الشريف". حارس شوربو من البوسنة والهرسك "خريج كلية الهندسة" حفظ القرآن وعمره عشر سنوات وعندما يتلوه تكاد تجزم أن العربية لغته الأم.. لكن الحقيقة تقول "إنه لا يعرف من العربية سوى القرآن والشهادتين و الأ ذان وتحية الإسلام". شوربو لـ/قنا/ "حفظتني أمي القرآن الكريم وشاركت في مسابقات عدة خارج البلقان وحصلت على المركز الأول في بعضها، وأنا على استعداد لهذه المسابقة". وعبر شوربو عن سعادته بالمشاركة في هذه المسابقة القرآنية التي أكد أنها الأولى من نوعها في منطقة البلقان، مشيدا بجهود دولة قطر ومثمنا اهتمامها بالمسلمين في هذا الجزء من العالم وغيرهم من المسلمين. ألين براتانوفيتش متسابق من سلوفينيا يحفظ ما يقرب من 5 أجزاء من القرآن يشير إلى أنه يسابق لأول مرة، وقال "أشكر قطر لأنها منحتني هذه الفرصة". وأضاف "أتعلم القرآن في مسجد المنطقة التي أقطنها في سلوفينيا وكذلك في المدرسة خارج أوقات الدوام الدراسي". أيضا للفتى عمار جيكوفيتش مؤذن في مسجد مركز رييكا الإسلامي طموحه لحفظ القرآن وتعلم العربية وهو يبذل مساع كبيرة للدراسة الجامعية في إحدى الدول العربية، ويتمنى من كل قلبه أن تكون قطر، كما قال لـ/قنا/. وأضاف عمار الذي يخطف الأسماع بحسن تلاوته للقرآن وأدائه للأذان "أشعر بسعادة غامرة وأنا أشارك لأول مرة في مسابقة قرآنية في هذا المركز الجميل، هدية قطر لكرواتيا". بدوره يقول شافعي عثمان مدرس للعلوم الإسلامية في المعهد الديني الثانوي في مقدونيا وعضو الوفد المقدوني "لأول مرة نشارك في مسابقة قرآنية تضم إلى جانب القرآن الكريم معاني المفردات وكذلك الحديث الشريف وباللغة العربية وإن تعذر على المتسابق يقوله بلغته الأصلية". ويضيف "المسابقة فاقت كل توقعاتنا، شيء جميل ورائع أن يحاول شبابنا حفظ الأحاديث النبوية بالعربية والمقدونية وهذا يحدث لأول مرة وسيبقى خالدا في الذاكرة جيلا بعد جيل". ويؤكد عثمان خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة "حاولنا مساعدتهم في حفظ الحديث الشريف ومعاني القرآن الكريم لكن كان لابد أن نترك لهم حرية البحث والاطلاع والاستعانة بالمعاجم حتى يتذوقوا حلاوة لغة القرآن". لكنه يشدد على قيمة مضافة أخرى للمسابقة هي "هذا الجو الأخوي بين مسلمي منطقة البلقان أنفسهم وبينهم وبين وإخوانهم من العرب وهذا سيبقى محفورا في ذاكرة التاريخ". وتدخل المسابقة يوم السبت يومها الثاني ومع انتهاء هذا اليوم تكون لجنة التحكيم قد اختتمت الجولة الأولى من المنافسات، لتستعد غدا للمرحلة النهائية لتحديد المراكز العشرة الأولى. وعبر الشيخ محمد يحيى طاهر رئيس لجنة التحكيم عن سعادته لما لمسه من مستوى متقدم للمتسابقين وحماستهم لحفظ القرآن والأحاديث النبوية الشريفة. ويشير طاهر وهو أحد الأئمة القطريين الشباب في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ إلى أن معظم المتسابقين من الشباب بعضهم تجاوز العشرين من العمر لكن يفاجئك بأنه استطاع في فترة وجيزة حفظ الأحاديث الشريفة المضمنة في منهج المسابقة باللغة العربية وهو بالكاد يستطيع النطق "بالحرف العربي". وأشار إلى أن حفظ القرآن ربما أيسر لهم كونهم يحفظونه أو يحفظون منه منذ صغرهم لكن حفظ الأحاديث الشريفة ربما هي تجربة تحدث لمعظمهم لأول مرة. وأوضح أن لوائح المسابقة تسمح للمتسابق بالإجابة عن أسئلة الحديث ومعاني المفردات بلغته الأم إن تعذرت عليه العربية ويستحق بذلك نصف الدرجة، وقال "هدفنا هنا أن يترسخ معنى الحديث في ذهن المتسابق". وتمنى رئيس لجنة التحكيم وهو أحد الأئمة القطريين الشباب أن تلتفت الدول العربية والإسلامية إلى هؤلاء المسلمين ومساعدتهم في تعلم العربية والعلوم الشرعية من خلال منح دراسية منتظمة للطلبة المسلمين ليتمكن هؤلاء بعد ذلك من تعليم المسلمين في بلدانهم. والجميع هنا يأمل المزيد من الدعم، ويؤكدون أن مسابقة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني للقرآن الكريم ستبقى منحوتة في ذاكرة التاريخ كأول مسابقة من نوعها في المنطقة بل ويجزمون أنها ستكون فاتحة خير على مسلمي البلقان كافة.