جدة ـ كونا
تعمل الهيئة العامة للسياحة والآثار في السعودية على استكمال ملف تسجيل منطقة جدة التاريخية في قائمة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) وذلك بعد موافقة الحكومة السعودية على تسجيلها ضمن هذه القائمة. وتصف الهيئة المنطقة التاريخية بأنها "تعتبر متحفا مفتوحا للأجيال فهي تحوي التراث الذي يحكي تاريخ جدة بصورة حية وتقع وسط المدينة وتضم مجموعة كبيرة من الأمكنة التاريخية". وأكد المدير العام لفرع الهيئة في منطقة مكة المكرمة محمد العمري في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) حرص الهيئة على تطوير المواقع التاريخية المهمة في مدينة جدة والمحافظة عليها وتحويلها إلى مناطق جذب سياحي. وقال العمري إن الهيئة تبذل حاليا جهودا كبيرة للمحافظة على هذه المنطقة بالتعاون مع أمانة محافظة جدة وتأهيلها وتنميتها عمرانيا وثقافيا واقتصاديا بأسلوب مستديم يبرز معالمها وتراثها العمراني والثقافي ويشجع الملاك على حماية ممتلكاتهم فيها. ولفت الى اجراءات عدة تم اتخاذها للمحافظة على المنطقة منها التعاقد مع استشاريين عالميين لإعداد خطة الحماية والإدارة لمنطقة جدة التاريخية وكذلك تشكيل لجنة لتقويم الوضع الراهن لجدة التاريخية والحلول المقترحة لذلك. وأشار إلى ترميم مجموعة من المباني التاريخية في هذه المنطقة ودعم وتطوير مسار الاستثمار في المنطقة وترشيح عدد من المباني التراثية للعمل على تطوير أحدها من قبل الشركة السعودية للضيافة التراثية لتكون فندقا تراثيا. وتعد منطقة جدة التاريخية شاهدا على الازدهار الذي عاشته مدينة جدة منذ أن اختارها الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه لتكون ميناء لمكة المكرمة في العام 26 هجري الموافق للعام 647 ميلادي. وتحولت جدة منذ ذلك التاريخ من قرية صغيرة للصيادين إلى مدينة تجارية مهمة تقع في منتصف الساحل الغربي للبحر الأحمر يستقبل مينائها السفن القادمة من مختلف أرجاء العالم ناقلة الحجاج ومحملة بالسلع التجارية المختلفة. وعلى رغم مساحتها الصغيرة جدا (بلغت المساحة التقريبية لداخل سور مدينة جدة 5ر1 كيلو متر مربع فقط) إلا أنها مزدحمة بالأسواق التجارية والخانات (السوق الذي يتكون من مجموعة دكاكين تفتح وتغلق على بعضها) التي ما زال بعضها قائما إلى اليوم وإن شهدت بعض تلك الأسواق تغيرا في نشاطاتها في العقود القليلة الماضية. ومن أشهر أسواق المنطقة التاريخية قديما وحديثا والتي تشكل شريان المنطقة الاقتصادي والحيوي (سوق العلوي) و(سوق البدو) و(سوق قابل) و(سوق الندى) كما تضم المنطقة التاريخية مجموعة من الخانات ومن أهمها (خان الهنود) و(خان القصبة) وهو محل تجارة الأقمشة و(خان الدلالين) و(خان العطارين). وقسمت مدينة جدة داخل سورها إلى عدة أحياء وقد أطلق عليها مواطنو المدينة القدامى مسمى (حارة) وقد اكتسبت تلك الأحياء أسماءها حسب موقعها الجغرافي داخل المدينة أو شهرتها بالأحداث التي مرت بها. وتضم جدة التاريخية عددا من المعالم والمباني الأثرية والتراثية مثل آثار سور جدة وحاراتها التاريخية كحارة المظلوم وحارة الشام وحارة اليمن وحارة البحر كما يوجد بها عدد من المساجد التاريخية أبرزها مسجد عثمان بن عفان ومسجد الشافعي ومسجد الباشا ومسجد عكاش ومسجد المعمار وجامع الحنفي إضافة إلى الأسواق التاريخية. وبنى أهالي جدة بيوتهم من (الحجر المنقى) والذي كانوا يستخرجونه من بحيرة (الأربعين) ثم يعدلونه بالآلات اليدوية ليوضع في مواضع تناسب حجمه إلى جانب الأخشاب التي كانت ترد إليهم من المناطق المجاورة ك(وادي فاطمة) أو ما كانوا يستوردونه من الخارج عن طريق الميناء وخاصة من الهند كما استخدموا الطين الذي كانوا يجلبونه من منطقة (بحر الطين). ومن أشهر وأقدم المباني الموجودة حتى الآن (دار آل نصيف) و(دار آل جمجوم) في حارة اليمن و(دار آل باعشن) و(دار آل قابل) والمسجد الشافعي في حارة المظلوم و(دار آل باناجة) و(آل الزاهد) في حارة الشام وبلغ ارتفاع بعض هذه المباني إلى أكثر من 30 مترا كما ظلت بعضها لمتانتها وطريقة بنائها باقية بحالة جيدة بعد مرور عشرات السنين. وتميزت هذه الدور باستخدام (الرواشين) وتعني النافذة أو الشرفة ويرادفها في مصر والشام (المشربيات) وتأتي بأحجام كبيرة واخشاب مزخرفة في الحوائط بمسطحات كبيرة ساعدت على تحريك الهواء وانتشاره في أرجاء الدار وإلقاء الظلال على جدران البيت لتلطيف الحرارة. وكانت الدور تقام بجوار بعضها البعض وتكون واجهاتها متكسرة لإلقاء الظلال على بعضها. وتعد مقبرة (أمنا حواء) واحدة من المعالم التاريخية المهمة تقع في وسط المدينة ويعتقد أن حواء أم البشر دفنت في هذه المقبرة بعد وفاتها.