دمشق - سانا
مجموعة من الفنانين التشكيليين السوريين ممن يمتلكون القدرة على الإبداع وابتكار الجديد نظرا لسعة ثقافتهم البيئية والبصرية أضافوا إلى طاقاتهم الإبداعية فنا جديدا فاستطاعوا تحويل البقايا والنفايات التي يمكن أن تلعب دورا سلبيا في البيئة إلى مجسمات فنية لها قيمة إبداعية تعكس مدى بعدنا الحضاري وامتدادنا الإنساني فعبروا في تلك المجسمات عن كثير من آرائهم وطموحاتهم. ويرى المتابع لأعمال هؤلاء الفنانين تنوعا في تجاربهم واتساعا في رؤيتهم لهذا النوع من الفن فكل منهم يقيمه وفقا لتجربته ووجهة نظره الفنية الخاصة فالفنانة مفيدة ديوب تعتبر أن الاهتمام بالحركة والفراغ كانت فكرة وقيم نحتية تقليدية أما الآن في النحت الحديث الحديث فأصبحت التقنية مطلوبة بأسلوب مختلف وأنماط متطورة تعد إبداعا على الرغم من أن الاشكال التي تم العمل عليها تكون احيانا معدنية أوحتى من توالف البيئة ومن النفايات التي نرميها بحيث يعاد تدوير هذه النفايات وصنع أشكال نحتية تملأ الفراغ بطريقة فنية. وترى ديوب أنه من الممكن استثمار أي خامة من الطبيعة في عمل فني مثل الحديد والبلاستيك والخشب والزجاج والعبوات الفارغة والورق المقوى والجرائد ومواد مستهلكة. وتبين أن النحات بإبداعه يحول الحجارة والرخام والخشب والمعادن إلى عالم زاخر بالإبداع والجمال من خلال تجاربه وموهبته حيث يمكن إنتاج أشياء فنية من تدوير النفايات وتحويلها إلى أعمال لها أبعاد وقيم جمالية رائعة وتطوير للحالة الإبداعية وخروج عن المألوف وقد تكون الأعمال هندسية أو بخطوط منحنية أو بأشكال فنية نفعية وتزيينية تخدم الفراغ الموجود. وتشير أنه عند إعادة تشكيل النفايات والمواد المستهلكة بإمكانات جمالية وطبيعية ووظيفية يكون هناك فكرة بنائية مشيدة بعناية ومصنوعة من المعادن الصلبة أو البلاستيك ويتضمن مفاهيم الفضاء والزمن في بنائيات مادية وفكرة تعني أكثر من أسلوب في التفكير والتمثيل والإدراك والعيش وهكذا أعمال تجمل الحياة وتضفي عليها شيئا في اتجاه النمو والتطور والاتساع والبناء. وتؤمن ديوب بأن النحت الحديث يمنح الحياة للأشياء بوساطة نظام من التداخلات وتقاطع وتقاسم الفضاء المحيط بها. بدوره الفنان التشكيلي فداء منصور يرى أن مثل هذه الأعمال لها تأثير في مجال النظافة العامة وإزالة تلك المواد من العدم إلى قطع فنية ووضع تلك الأعمال الفنية في المكان المناسب معتبرا أن ذلك يحقق غاية جمالية من خامات مختلفة مثل البلاستيك والخشب والحديد والمواد المستهلكة وهذا ما يدخل حيز الإبداع لان الفكر الفني الوقاد يتطلب ديناميكية ماهرة في استخدام الاشياء وتحويلها إلى شيء يدخل التاريخ فكل الخامات الموجودة في البيئة والطبيعة قد يطالها اجتهاد الفنان ويحولها الى أشياء مجسمة تعبر عن جوهر جميل. أما النحات والفنان التشكيلي ماجد خليل فيعتبر أن الأشكال الحديدية التي صنعها بيكاسو تمتلك خواصا عاطفية منها الشريرة والغامضة وأحيانا الفكاهية كما أنها تمتلك نوعا من السحر الذي يهتم بالحركة والفضاء وهذا يتوقف على مدى قدرة الموهبة التي يمتلكها الفنان والتي تتكون من تراكم ثقافات بصرية واجتماعية وبيئية لذلك نجد أن هناك اشكالا كثيرا ما تعبر عن انعكاسات داخلية لصاحبها الفنان. ويؤكد خليل ضرورة أن يعمل الفنان على ابتكارات جديدة تثبت أن ما يقدمه قد تجاوز ما رآه حتى يخرج من دائرة التقليد وقد يتجلى ذلك في اعتماده على البيئة أو ما تحتويه من كائنات حية أو جامدة أو جمالية أو غير لازمة. من جهته النحات والفنان التشكيلي شادي عروس يؤكد ضرورة الاهتمام بالمحافظة على البيئة والاستعداد لاستخدام أي وسيلة لانقاذ طبيعتنا الجميلة التي باتت مليئة بالتوالف ونفايات الحرب وغيرها ويضيف: بإمكاننا صناعة دراجة صديقة للبيئة من مواد بلاستيكية وبعض القطع المعدنية كما يمكن تحويل إطارات السيارات الغير قابلة للاستعمال إلى مواد مطاطية أخرى ويمكن إعادة تدوير القارورات الزجاجية والورق والجرائد والمواد النسيجية وعلب المشروبات الغازية والألمنيوم والحديد المستعمل والأجهزة المعدنية وقطع غيار السيارات وغيرها الكثير من النفايات التي يمكن جمعها وإعادة تحويلها إلى أشياء نفعية أو وظيفية أو تزيينية تخدم البشرية وتكون لها فلسفة جمالية وإنسانية في البيئة اليوم. ويتحدث عروس عن بداية هذا الفن مشيرا إلى أنه دخل إلى أوروبا المتخمة بالأعمال الواقعية المعروضة في الهواء الطلق كضرورة وبدت عاملاً مهماً لرفع الذائقة البصرية والجمالية لدى المتلقي من خلال كون العمل النحتي الحديث في الساحات والحدائق العامة يلهم المتلقي على رؤية البيئة المحيطة للعمل كأعمال نحتية متنوعة ولا محدودة. الفنان والنحات سليمان أحمد يشير إلى ضرورة تقبل هذا الفن على أنه فن ذو طابع خاص يشكل انعكاساً حياً لحياتنا وإعادة الصياغة الجمالية بقولبة فنية جديدة وذلك بتحويل المهمل إلى قيمة بصرية. ويعتبر أن الفن البيئي هو فن ذو رسالة تعبيرية يعيد الحياة لعناصر وأدوات الطبيعة إلى الطبيعة بشكل فني جميل جميل فهو في النهاية يأتي ليعالج خللاً بإضافة لمسات جمالية وعقد صلح مع المشاكل البيئية التي تأتي بفعل قوى الطبيعة. ويشير إلى أن الهدف من الفن البيئي هو الاقتناع بان كل شيء يرمى من الممكن أن يشكل عملاً فنياً إذا أعيد تدويره بشكل فني. أما الفنان التشكيلي والنحات هادي عبيد فيؤكد أن الفنان الموهوب يجب أن يعمل على كل ما هو نقي ويساهم قدر استطاعته بتنقية البيئة ويزرع الجمال في أي مكان يمكن أن يجد لموهبته حالة مناسبة فكثيرا ما صنعت من قشور النباتات مجسمات فنية أو من الأوراق الملقاة على الأرض وغير ذلك الكثير من الأشياء التي ليس لها لزوم وهذا يدل على حضارة الفنان ومدى مساهمته في حضارة بلده وسلامة بيئته. وللفنانة دارين الشلق رأي آخر في الموضوع حيث تعتبر أن ابتكار المجسم المصنوع من النفايات هو حالة جديدة في عالم الفن والابداع فهي تساهم في تحويل ماليس له لزوم إلى شيء جمالي يساهم في جمال البيئة والبلد ويدل على أهمية الفن الوطني وتعتبر ان تحويل النفايات أو الفضلات أو كل ما ليس له لزوم إلى أشياء فنية يعتبر من أصعب الحالات الفنية التي تثبت قدرة الفنان وثقافته ومدى اهتمامه ببيئته. اما سوزان عبود فتتحدث عن انتشار هذا الفن في العالم مشيرة إلى أن أكوام القمامة أصبحت المصدر الكبير لإلهام بعض الفنانين حيث تم ابتكار أعمال في غاية الروعة والأهمية.. وبدأت هذه الأعمال بالظهور في العالم والانتشار ويعد الفنان "دو شامب" الأب الروحي لهذا الاتجاه. وتبين أن هذه الاعمال تعتمد على تدوير المواد وتوظيفها في خلق أفكار وأعمال فنيه جديده فهي تزيد وعي الناس بالبيئة. بالاضافة الى رخص المواد المستعملة بالنسبة للفنان فهو غالبا ما يستخدم نفايات وبقايا من نفايات المنزل ليشكل اعمالا جديدة وتلفت الى اختلاف الآراء بالنسبة لهذا الموضوع فهناك من يتهم هذا الأسلوب بانه يقلل من مثالية الفن وجماليته والثاني يجد أن هذا الاتجاه خلق أعمالا جديدة مبتكره وصديقة للبيئة. وتعتبر أن العمل الجميل المتقن ذو المضمون يفرض نفسه على الساحة الفنية سواء أكان من بقايا النفايات أو غيرها من تقانات النحت المختلف. وتشير عبود إلى تجربتها في هذا النوع من الفن لافتة إلى أنها طرحت عدة مواضيع من خلال أعمال من المخلفات الصناعية مثلا عمل إلى عالم جديد وهو عمل من بقايا الخشب والمعدن.. وعمل حمل اسم حنين وهو عبارة عن مدفأة أضافت إليها عيون وإضاءة داخليه لتظهر وكأنها مشتعلة لتوقد فينا حنين الذكريات.